قوم عاد وثمود
نبيّا الله هود وصالح عليهما السلام
جرت سنّة الله -تعالى- في كونه أن يرسل الأنبياء إلى البشر حاملين هدي الله، وشريعته إليهم، يعلّمونهم التوحيد، والأخلاق ، ويبشّرونهم بالأجر والثواب إن هم استقاموا والتزموا، وينذرونهم العذاب العظيم إن هم عصوا وكفروا، وأنبياء الله -تعالى- عددهم كبير، يُذكر منهم نبيّا الله هود وصالح عليهما السلام، فأمّا هود -عليه السلام- فقيل إنّه: هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وقد بُعث هود بعد نوح -عليهما السلام- بعد أن طال الأمد على الموحّدين من قوم نوح، ثمّ فسقوا، وأشركوا فكان نبي الله هود هو المُرسل بعد ذلك ليهديهم سبيل التوحيد من الله تعالى، ولقد ورد عن النبي -عليه السلام- أنّ هوداً كان من أنبياء العرب، حيث قال في الحديث الصحيح: (وأربعةٌ من العرب: هودٌ وشعيبٌ، وصالحٌ، ونبيُّك محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم)،، ولقد بُعث هود -عليه السلام- إلى قوم عاد في الأحقاف في اليمن، فدعاهم إلى دين التوحيد، وترك ما دون ذلك، وحسن الخُلق، وعدم الاغترار، والتكبّر بما أنعم الله عليهم، وصَبر على دعوتهم صبراً طويلاً، لكنّ قومه أطالوا في تكذيبه إلى أن أذن الله -تعالى- أن يُنجي نبيه، ومن آمن معه، وينزل العذاب على الكافرين .
وأمّا نبي الله صالح -عليه السلام- فهو: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وقد أُرسل إلى قومه ثمود ، وهم من العرب كذلك، وقد سكنوا الحجر بين الحجاز والأردن، وقد مرّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في مدائنهم في رحلته يوم تبوك، واختار الله -تعالى- نبيه صالحاً لقومه، وهو أصفاهم عقلاً، وأشرفهم نسباً، وأوسعهم حلماً، يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه، وترك عبادة الأصنام، وذكّرهم بفضل الله عليهم، إلّا أنّهم استهانوا به وبدعوته ، واستكبروا عمّا يدعوهم إليه، وأعرضوا، بل وتمادوا على ذلك إذ حاولوا قتله أيضاً، فأنجاه الله -تعالى- من كيدهم، وألحق فيهم العذاب الأليم.
قوم عاد
تمتّع قوم عاد بالكثير من نعم الله -تعالى- عليهم، فقد كانت أرضهم وفيرة المياه، كثيرة المزروعات، وعظيمة البساتين، وقد تمتّع القوم إضافة لخير الأرض بعِظم الأجساد، وقوّتها، وطولها، وذلك ساعدهم ليكونوا أصحاب القصور الشامخة العالية في السماء، إلّا أنّهم وبالرغم من تفضيل الله لهم بكلّ هذه المنح، والعطايا عبدوا الأصنام من دونه، وجعلوا له شركاء فيما رزقهم، يخضعون لها إن احتاجوا شيئاً، ويتقرّبون منها في شدتهم، فأرسل الله لهم نبيهم هوداً يبيّن لهم ضلالهم، ويُرشدهم إلى الطريق القويم، لكنّهم كفروا به وكذّبوه، ونعتوه بالسفه والضلال، حيث قال الله تعالى: (قالَ الملأُ الذينَ كفروا مِن قومهِ إنَّا لنراكَ في سفاهةٍ وإنَّا لنَظُنَّكَ مِنَ الكاذبينَ)، ثمّ أنكروا قوّة الله -سبحانه- حين ذكّرهم بها نبيهم، وأنه قادرٌ على إنزال البأس عليهم أن هم كفروا وتولّوا، فكان ردّهم: (مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوَةً)، استنكاراً واستكباراً، ثمّ عاد نبيّهم النصح بأسلوبٍ جديدٍ، فذكّرهم بفضله عليهم بعد أن أهلك قوم نوحٍ من قبلهم، ونصحهم بشكر النعم لعلّهم يَنجون من العذاب، قال -تعالى- على لسان نبيّه: (وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ وَزادَكُم فِي الخَلقِ بَسطَةً فَاذكُروا آلاءَ اللَّـهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ)، لكنّ القوم أصرّوا على كفرهم وعنادهم، وتحدّوا نبيهم أن يُنزل ربه فيهم العذاب، فأذن الله أن ينزل فيهم نقمته وعذابه، قال -تعالى- متوعّداً إياهم: (قالَ عَمَّا قليلٍ ليُصْبِحُنَّ نادمينَ)، فأمسك الله عنهم المطر حتى بلغ فيهم الجهد والقحط مبلغاً كبيراً، وشقّ عليهم العيش، وبينما هم آيسون يبحثون عن مُعينٍ من خارج قُراهم، إذ أقبلت إليهم غيوم سوداء يُظنّ أنّها المطر والفرج، فاجتمع القوم كلّهم في صعيدٍ واحدٍ ينتظرون الغيث فإذا هو الريح الشديد يُسلّط عليهم، واستمرّت سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ تضرب فيهم، حتى لم يبق منهم باقية، قال الله تعالى: (إنَّا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يومِ نَحْسٍ مستمرٍ*تَنزعُ الناسَ كأنَّهُم أعجازُ نخلٍ مُنقَعر*فكيفَ كانَ عذابي ونُذُرِ).
قوم ثمود
كما الحال في قوم عاد فقد منّ الله -تعالى- على قوم ثمود بالنعم الوفيرة، والعطاء الجزيل، وكانوا كذلك يبنون البيوت والقصور، وينحتون الجبال يتقنون صناعتها، ويبرعون في ذلك، ثمّ كفروا أنعم الله -تعالى- عليهم، وجعلوا له شركاء يعبدونهم من دونه، فأرسل الله فيهم نبيّهم صالحاً عليه السلام، مرشداً، وهادياً، ومبشّراً، فاستخفّوا فيه وفي دعوته، ثمّ جعلوا بينه وبينهم تحدّياً حتى يؤمنوا به، ويصدّقونه، فقد كان يوماً جمعٌ من القوم جالسين في نادٍ لهم، فدخل عليهم صالح -عليه السلام- فدعاهم إلى توحيد الله وهديه، فتحدّوه إن هو أخرج ناقةً من الصخرة، بمواصفاتٍ معيّنةٍ ذكروها له، فسيؤمنون بالله تعالى، واحداً أحداً، فسألهم نبيّهم إن كانوا يعنون حقّاً ما يقولون، فأكّدوا له أنّهم سيؤمنون كلّهم إن خرجت تلك الناقة من الصخرة المذكورة، فصلّى صالح عليه السلام، ودعا الله -تعالى- أن يحقّق لهم ما أرادوا، فأمر الله -تعالى- بذلك، فانشقّت الصخرة عن ناقةٍ عشراء بكلّ المواصفات التي ذكروها له، وحين خرجت تلك الناقة من الصخرة كانت العلامة الفارقة، والمعجزة من عند الله -تعالى- التي تؤيّد صدق صالح عليه السلام، فآمن معه خلقٌ كثيرٌ، وصدّقوا نبوّته، لكنّ الكثير منهم كذلك استمرّوا على كفرهم وإجحادهم، وبقيت تلك الناقة بين أظهرهم تأكل، وتشرب، وتعطيهم اللبن، حتى تمادى بعض القوم بالكفر، فأقبلوا على قتل ناقة نبيّهم المرسلة من ربّهم، فقتلوها فعلاً، قال الله تعالى: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، وحين ذلك شاء الله -تعالى- أن يُلحق بهم العذاب لكفرهم وتكذيبهم، فأمهلهم ثلاثة أيّامٍ، ثمّ أرسل إليهم جبريل -عليه السلام- فصاح فيهم صيحةً ارتجّت من قوّتها الأرض، وتقطّعت قلوبهم، وتدمّرت مساكنهم، ووقع أمر الله -تعالى- بإهلاكهم.