من هم الصقالبة
الصقالبة
الصقالبة هو اسم أُطلِق على الرقيق من أصل روسي، وقد أُطلِق هذا الاسم أيضاً على من يشبه الرُّوس في بياض بشرتهم المائل إلى الحُمرة، كما ذُكِر أنّ هنالك صقالبة رُوس، وصقالبة بُلغار، وقد ذَكَر أبو المنصور أنّ الصقالبة هم شعوب تعيش بالقُرب من بلاد الخَزَر في أعالي جبال الرُّوم، كما ذَكَر آخرون أنّ الصقالبة من مناطق تقع ما بين القسطنطينيّة ، وبلغار، وذَكَر المسعوديّ أيضاً أنّ الصقالبة هم أجناس مُتنوِّعة ومختلفة، وهم يدينون بدين يختلف عن بعضهم البعض؛ فمنهم جاهليّون لا دين لهم ولا عقيدة، ومنهم مَن يتَّبع النصرانيّة اليعقوبيّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الجغرافيّين العرب أطلقوا اسم الصقالبة على مجموعة من الشعوب المُنحدِرة من أصول مختلفة عاشت في المناطق المجاورة لبلاد الخَزَر، وقد سكن بعضهم بالقُرب من نهر الفولغا، وشمال قارّة أوروبا .
أصل الصقالبة وفروعهم
يعود أصل الصقالبة كما ذَكَر المُؤرِّخ المسعوديّ إلى ولد مار بن يافث بن نوح، إلّا أنّ ابن الكلبيّ يذكر أنّهم إخوة اليونان، والأرمن، والفرنجة، وأنّهم يعودون إلى يونان بن يافث في أصلهم، أمّا ابن خلدون ، فيرى أنّ الصقالبة إخوة التُّرك والخَزَر من ولد ريفات بن كومر بن يافث، وللصقالبة ثلاثة فروع رئيسيّة نذكرها فيما يلي:
- الفرع الأوّل (صقالبة الغرب): ويشتمل هذا الفرع على البولنديّين، والسلوفاكيّين، والتشيكيّين، بالإضافة إلى بعض العناصر في شرق ألمانيا .
- الفرع الثاني (صقالبة الشرق): ويشتمل هذا الفرع على الرُّوس الكبار، والرُّوس البِيض(البروسيّين)، والرُّوس الصِّغار (الأوكرانيّين).
- الفرع الثالث(صقالبة الجنوب): ويشتمل هذا الفرع على البلغاريّين، والمقدونيّين، والصربيّين، والكرواتيّين، والسلوفينيّين.
ديانة الصقالبة ولغتهم
ينقسم الصقالبة إلى مجموعتين من الناحية الثقافيّة: المجموعة الأولى لها ارتباط بالكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة، أما الثانية فهي ترتبط بكنيسة الرُّوم الكاثوليك، وفيما يتعلَّق بديانتهم الوثنيّة القديمة، فقد كان لهم معبودان: الأوّل هو إله الخير (المعبود الأبيض)، والثاني هو إله الشرّ (المعبود الأسود)، إلّا أنّ الكثير منهم اتَّبع الدين المسيحيّ في القرن التاسع الميلاديّ، وبقي العديد منهم على ديانتهم الوثنيّة حتى بداية القرن الخامس عشر، وبعدها اعتنق العديد منهم الدين الإسلاميّ ، أمّا لغة الصقالبة، فهي لغة لها أصل واحد، إلّا أنّها تتفرَّع إلى فروع عديدة، وأقدم فرع فيها هي اللغة السلافيّة الكنسيّة؛ وهي لغة الإنجيل التي تمّت الترجمة إليها في القرن التاسع الميلادي، وبشكلٍ عامّ، تُعتبَر لغة الصقالبة لغة سهلة التعبير، وذات معانٍ قويّة.
الصقالبة في الأندلس
أُطلِق لفظ الصقالبة في الأندلس على الأسرى، والخصيان مِن مَن هم من السلافيّة الحقيقيّة، وقد أُطلِق هذا اللفظ أيضاً على الرقيق ذوي الأصول الأجنبيّة، سواء أكان موطنهم الأصليّ أوروبا، أم إسبانيا ، وهؤلاء الصقالبة هم مزيج من الألمانيّين، والفرنسيّين، واللومبارديّين، والإيطاليّين، والنصارى الإسبانيّين (الجلّيقيين)، علماً بأنّ غالبيّة الصقالبة كانوا يأتون من قِبل القراصنة وهم أطفال، وقد كانوا يُستخدَمون كجنود، أو يُستخدَمون في القصور كخَدَم، كما كان الصقالبة في الأندلس يُرَبّون تربية عربيّة جيّدة منذ صغرهم، إضافة إلى أنّه كان يتمّ تلقينهم مبادئ الإسلام، حتى أنّ كثيراً منهم نبغَ في النَّثْر، والشِّعر، إضافة إلى أنّهم وصلوا إلى مناصب مُهمّة فيما بعد.
كان ظهور الصقالبة بشكل واضح، وبكثرة، في بلاط الحُكم في الأندلس، في عهد الأمير الحكم بن هشام الأمويّ، الذي جعل بلاط الحُكم في الأندلس ملوكيّاً بشكل واضح؛ حيث أكثر من الحَرَس الخاصّ، والموالي، إذ بلغَ عددهم في عهده ما يقارب الخمسة آلاف، وقد اشتدّ نفوذ الصقالبة بشكل كبير في عهد عبدالرحمن الناصر؛ حيث كان يُعهَد إليهم بتولِّي مناصب مُهمّة في الإدارة، والجيش ، والقصر، وأصبح سُلطانهم ونفوذهم يزداد شيئاً فشيئاً، علماً بأنّ عددهم في عهد الناصر وصل إلى 13750 شخص، وفي رواية أخرى، ذُكِر أنّ عددهم وصل إلى 7080 شخص، ومن الجدير بالذِّكر أنّه كان لبعض الصقالبة عبيد، كما أنّهم امتلكوا الأموال الكثيرة، والضِّياع.
زاد نفوذ، وثراء الصقالبة في عهد الحَاكم المُستنصِر، حتى أنّهم حاولوا إخفاء نبأ وفاة المُستنصِر؛ بهدف اختيار حاكم يرضَون عنه، وحاكوا مؤامرة ضدّ هشام المُؤيّد؛ لتنحيته، وتولية الأمير المُغير بن عبدالرحمن الناصر، إلّا أنّهم لم يفلحوا؛ إذ تمّت تصفية العديد منهم، ونُفِي بعضهم الآخر إلى خارج قُرطبة ، وبعد أن انهارت الدولة الأمويّة في الأندلس، توجَّه الصقالبة إلى شرق الأندلس، وأنشأوا دُويلات صقلبيّة فيها.
أشهر الحُكّام الصقالبة
يُعتبَر مجاهد العامريّ من أشهر ملوك الصقالبة، وهو مملوك ابن أبي عامر، وقد استقرَّ في مدينة دانية، واستطاع الاستيلاء على جُزُر البليار، ووصل إلى سردينيا، وساحل إيطاليا ، فغزاها، وسيطر أسطولُه لفترة من الزمن على منطقة غرب البحر الأبيض المُتوسِّط ، كما جاء العامريّ بالأمير الفقيه أبي عبدالله المعيطي، وبايعه لخلافة الدولة، إلّا أنّه عاد وعَزَله بعد فترة من الزمن، بحجّة تآمر الفقيه عليه أثناء توجُّهه إلى جزيرة سردينيا لغَزْوها.
الصقالبة وعلاقتهم بالحضارة الإسلاميّة
لقد ترك الصقالبة أَثَراً حضاريّاً مُهمّاً في الأندلس، فقد تعلّموا اللغة العربيّة، واعتنقوا الإسلام، إلّا أنّهم لم ينغمسوا بشكل كبير في المجتمع الأندلسيّ، على الرغم من أنّهم جلبوا معهم عاداتهم، وتقاليدهم، ومفرداتهم اللغويّة التي تعلَّموها منذ صغرهم، كما أنّهم كانوا يتمتّعون بكيانهم الخاصّ، وقد كان للصقالبة دور مُهمّ في الحياة السياسيّة، والثقافيّة في التاريخ الإسلاميّ في إسبانيا؛ إذ تأثَّروا بها، وظهر فيهم شعراء، ومُفكِّرون، وعلماء، ويُعتبَر الفتى فاتن من أشهر الفتيان الصقالبة البارعين في اللغة، والأدب .