كيف سجود الشكر
نعم الله على عباده وحاجتهم له
يبقى الإنسان في حاجةٍ دائمةٍ وافتقارٍ لا ينقطع لله عزّ وجلّ، فهو الذي أوجده من العدم، ووهب له الكثير من النعم، وأول تلك النعم ؛ نعمة الخلق والإيجاد، فالله سبحانه هو خالق الإنسان ومُوجده، ولولاه ما كان على هذه الحياة، وما احتاج الكون لوجوده أصلاً، فكم مضى من الأزمان قبل ولادته وظهوره في الدنيا، فقد قال الله تعالى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)، ثمّ تأتي بعد ذلك نعمة حفظ الله تعالى للإنسان، وحمايته من أجل بقائه، واستمراره في الدنيا، مع أنّ الله -عزّ وجلّ- غنيٌّ عنه، قادرٌ على إهلاكه وإنهاء حياته، بل يمكنه كذلك أن يستبدله بآخرين غيره، أو يستبدل النوع البشري كلّه بجنسٍ آخرٍ ممّن لا يعصي الله تعالى، ويأتمر بأمره، وقد جاء القرآن يذكّر الإنسان بتلك الحقيقة، حيث قال الله تعالى: (نحنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلً)، ثمّ تأتي بعدها نعمةٌ من أعظم النعم أيضاً؛ وهي نعمة الهداية إلى الإيمان والإسلام، ونعمة العبادة لله عزّ وجلّ، فلولا فضل الله على الناس لما آمن أحدٌ منهم، ولما اهتدى فيهم أحدٌ إلى الصلاة، والصيام، وسائر الطاعات.
وبعد إيمان الإنسان ونجاته من الضلال ومن البُعد عن الله تعالى، فإنّه محتاجٌ كذلك إلى إنعام الله عليه بالثبات على الإيمان، والتمسّك بالإسلام ، فالعبد يسأل الله تعالى الثبات على الإسلام، والعون على العبادة، وقد أخبر الله تعالى عن دعاء الراسخين في العلم، حيث قال: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، ثمّ لا يزال الإنسان في افتقارٍ وحاجةٍ دائمةٍ لنعم الله عليه بالرزق، والكسب، وتحصيل المعاش، فالخلق مهما كانت قوتهم، ومهما بلغوا من الذكاء والنباهة لا يملكون أن يرزقوا أنفسهم، ولو حبس الله عنهم الرزق ، لما وجودوا لهم رازقاً غيره، وهكذا يبقى الناس فقراءً محتاجين لله تعالى بشكلٍ دائمٍ وملازمٍ لهم، ويكون ذلك في كل شأنٍ من شؤونهم من مأكلٍ، ومشربٍ، وملبسٍ، ومسكنٍ، ومن صحةٍ، وعلاجٍ، وحتى في أمور بيوتهم من صلاح الزوجة ، والأولاد، وفي شؤون أوطانهم، وأمتهم، وأمنهم، وحفظ أموالهم ، وعيالهم، وأنفسهم.
كيفية سجود الشكر
يقصد بالسجود لغةً: وضع الجبهة على الأرض، وهو بمعنى الخضوع، أمّا في الاصطلاح الشرعي: فهو وضع الأعضاء السبعة على ما يصلّى عليه؛ من أرضٍ، أو نحوها، وأمّا معنى الشكر عند الفقهاء: فهو صرف العبد جميع نعم الله تعالى التي أنعمها عليه من سمعٍ، وبصرٍ، وغيره إلى ما خلقه الله لأجله، فيظهر من ذلك أنّ تعريف سجود الشكر يدور حول شكر الله على حصول نعمةٍ، أو التخلّص من نقمةٍ، وقد قال بعض العلماء : هو السجود الذي يؤدّيه المسلم عند حصول خيرٍ له؛ شكراً لله تعالى على ذلك، ويؤدّى سجود الشكر كما يؤدّى سجود الصلاة، فيكون سجوداً واحداً بذات الكيفية التي يسجد بها المسلم في صلاته، ولا تُشترط له الطهارة ، وستر العورة، واستقبال القبلة كما في الصلاة على الصحيح، ولا يجب فيه التكبير، ولا التشهّد، ولا السلام، لعدم ثبوت ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما لا يجب فيه ذكرٌ معينٌ، بل يشكر المسلم فيه الله تعالى، ويحمده، ونحو ذلك.
يعدّ سجود الشكر من أعظم الطرق التي يشكر به العبد مولاه تبارك وتعالى؛ وذلك لاشتماله على شكره بالقلب، واللسان، والجوارح، فيكون دالّاً على خضوع الإنسان لعزّته، وقدرته جلّ جلاله، ولذلك فهو يضع أشرف أعضائه وهو الوجه على الأرض شكراً لله تعالى، وتعظيماً له، كما يعدّ هذا السجود سنّةً عن رسول الله ، وهو من السنن المهجورة، ويُشرع كلّما حصلت نعمةٌ عامةٌ للمسلمين، أو خاصةٌ للإنسان، وكلّما اندفعت نقمةٌ عن المسلمين عامّةً، أو عن الإنسان خاصةً، ومع أنّ نعم الله على الإنسان دائمةٌ لا تنضب، ولا تنتهي، إلّا أنّ المقصود بالنعم التي يشرع عندها سجود الشكر هي النعم المتجدّدة، والتي يُمكن أن تصل إلى الإنسان، ويُمكن ألّا تصل.
كيفية شكر الله على نعمه
قسّم الإمام ابن القيم أركان الشكر إلى ثلاثة أركانٍ، وهي: شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح، وفصّل في ذلك بأنّ الشكر يكون بالقلب خضوعاً، واستكانةً لله تعالى، وباللسان ثناءً عليه، واعترافاً بفضله، وبالجوارح طاعةً له، وانقياداً لأوامره، وفيما يأتي بيان ذلك على وجه التفصيل:
- الشكر بالقلب: وهو أن يستشعر العبد بقلبه فضل الله عليه، وقيمة النعم التي أولاه إيّاها، وأن يعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الله هو الذي أنعم عليه بها، وهذا الاعتراف واجبٌ على العبد، وليس من باب الاستحباب، فمن تركه كفر.
- الشكر باللسان: ويُراد به أن يعترف العبد بفضل الله عليه لفظاً، بعد أن أقرّ به في قلبه اعتقاداً، فيُشغل لسانه بالثناء على الله عزّ وجلّ، وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله تعالى يرضى عمّن يحمده على نعمه، فقال: (إن اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها).
- الشكر بالجوارح: والمراد منه أن يسخّر الإنسان جوارحه جميعاً في طاعة الله عزّ وجلّ، ويجنّبها ارتكاب ما نهى الله تعالى عنه من معاصٍ، وآثامٍ، وأفعالٍ لا تُرضيه، فإنّ الإقرار بفضل الله تعالى باللسان والقلب يصدّقه العمل، أمّا إن كذّبه العمل، فإنّ صاحبه لا يستحقّ أن يُقال عنه شاكرٌ لله تعالى، ولذلك فقد قال بعض السلف : (الشكر ألّا يستعين العبد بشيءٍ من نعم الله عليه في معصيته).