تحليل قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط
التحليل الموضوعي ل قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط
قصيدة "كذّبتك عينك" من قصائد الشاعر الأموي الأخطل المشهورة في هجاء الشاعر جرير، وتحليلها موضوعيًّا كما يأتي:
تحليل المقطع الأول من ال قصيدة
يقول الأخطل في هذه القصيدة:
كَذَبَتكَ عَينُكَ أَم رَأَيتَ بِواسِطٍ
- غَلَسَ الظَلامِ مِنَ الرَبابِ خَيالا
وَتَعَرَّضَت لَكَ بِالأَبالِخِ بَعدَما
- قَطَعَت بِأَبرَقَ خُلَّةً وَوِصالا
وَتَغَوَّلَت لِتَروعَنا جِنِّيَّةٌ
- وَالغانِياتُ يُرينَكَ الأَهوالا
يَمدُدنَ مِن هَفَواتِهِنَّ إِلى الصِبا
- سَبَباً يَصِدنَ بِهِ الغُواةُ طُوالا
ما إِن رَأَيتُ كَمَكرِهِنَّ إِذا جَرى
- فينا وَلا كَحِبالِهِنَّ حِبالا
المُهدِياتُ لِمَن هَوَينَ مَسَبَّةً
- وَالمُحسِناتُ لِمَن قَلَينَ مَقالا
موضوع هذا المقطع يدور حول افتتاح القصيدة بوصف الأخطل ما يشبه الطيف الذي رآه في مدينة واسط في العراق، فيقول إنّه قد رأى خيالًا من فتاة يعرفها، وبعدها يصف أنّه قد رأى جنية قد حاولت إخافته، ثمّ يقول إنّ ما رآه هو من فعل الغانيات وإنّهنّ ماكرات ولا يحسنّ معاشرة الناس، وهذا تقديم للهجاء.
تحليل المقطع الثاني من ال قصيدة
يَرعَينَ عَهدَكَ ما رَأَينَكَ شاهِداً
- وَإِذا مَذِلتَ يَصِرنَ عَنكَ مِذالا
وَإِذا وَعَدنَكَ نائِلاً أَخلَفنَهُ
- وَوَجَدتَ عِندَ عِداتِهِنَّ مِطالا
وَإِذا دَعَونَكَ عَمَّهُنَّ فَإِنَّهُ
- نَسَبٌ يَزيدُكَ عِندَهُنَّ خَبالا
وَإِذا وَزَنتَ حُلومَهُنَّ إِلى الصِبا
- رَجَحَ الصِبا بِحُلومِهِنَّ فَمالا
أَهِيَ الصَريمَةُ مِنكَ أُمَّ مُحَلِّمٍ
- أَم ذا الدَلالُ فَطالَ ذاكِ دَلالا
وَلَقَد عَلِمتِ إِذا العِشارُ تَرَوَّحَت
- هَدَجَ الرِئالِ تَكُبُّهُنَّ شَمالا
تَرمي العِضاةَ بِحاصِبٍ مِن ثَلجِها
- حَتّى يَبيتَ عَلى العِضاهِ جُفالا
أَنّا نُعَجِّلُ بِالعَبيطِ لِضَيفِنا
- قَبلَ العِيالِ وَنَقتُلُ الأَبطالا
يدور موضوع هذا المقطع حول الغانيات اللواتي كان يصفهنّ الأخطل في المقطع السابق، فيتابع وصفهنّ بالسوء وفي ذلك تمهيد لهجاء جرير، فكان الشاعر يظهر منه غرض القصيدة منذ الأبيات الأولى، ثمّ يفخر بنفسه وبقبيلته في الأبيات الثلاثة الأخيرة.
تحليل المقطع الثالث من ال قصيدة
أَبَني كُلَيبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَذا
- قَتَلا المُلوكَ وَفَكَّكا الأَغلالا
وَأَخوهُما السَفّاحُ ظَمَّأَ خَيلَهُ
- حَتّى وَرَدنَ جِبى الكِلابِ نِهالا
يَخرُجنَ مِن ثَغرِ الكُلابِ عَلَيهِمِ
- خَبَبَ السِباعِ تَبادَرُ الأَوشالا
مِن كُلِّ مُجتَنَبٍ شَديدٍ أَسرُهُ
- سَلِسِ القِيادِ تَخالُهُ مُختالا
وَمُمَرَّةٍ أَثَرُ السِلاحِ بِنَحرِها
- فَكَأَنَّ فَوقَ لَبانِها جِريالا
قُبَّ البُطونِ قَدِ اِنطَوَينَ مِنَ السُرى
- وَطِرادِهِنَّ إِذا لَقَينَ قِتالا
مُلحَ المُتونِ كَأَنَّما أَلبَستَها
- بِالماءِ إِذ يَبِسَ النَضيحُ جِلالا
وَلَقَلَّما يُصبِحنَ إِلّا شُزَّباً
- يَركَبنَ مِن عَرَضِ الحَوادِثِ حالا
يبدأ الأخطل هنا هجاءه لبني كليب وذلك من خلال البدء بمديح قومه أعمامه ورجال قومه البواسل الذين يشبهون السباع، والذين تخشاهم وحوش الأرض، ويصف خيول قومه وشدّة بأسها وصبرها في ميادين الحروب والمعارك.
تحليل المقطع الرابع من ال قصيدة
فَطَحَنَّ حائِرَةَ المُلوكِ بِكَلكَلٍ
- حَتّى اِحتَذَينَ مِنَ الدِماءِ نِعالا
وَأَبَرنَ قَومَكَ يا جَريرُ وَغَيرَهُم
- وَأَبَرنَ مِن حَلَقِ الرِبابِ حِلالا
وَلَقَد دَخَلنَ عَلى شَقيقٍ بَيتَهُ
- وَلَقَد رَأَينَ بِساقِ نَضرَةَ خالا
وَبَنو غُدانَةَ شاخِصٌ أَبصارُهُم
- يَسعَونَ تَحتَ بُطونِهِنَّ رِجالا
يَنقُلنَهُم نَقلَ الكِلابِ جِرائَها
- حَتّى وَرَدنَ عُراعِراً وَأُثالا
خُزرَ العُيونِ إِلى رِياحٍ بَعدَما
- جَعَلَت لِضَبَّةَ بِالرِماحِ ظِلالا
وَما تَرَكنَ مِنَ الغَواضِرِ مُعصِراً
- إِلّا قَصَمنَ بِساقِها خَلخالا
وَلَقَد سَما لَكُمُ الهُذَيلُ فَنالَكُم
- بِإِرابَ حَيثُ يُقَسِّمُ الأَنفالا
ينتقل الأخطل من خلال مديح قومه إلى هجاء جرير وقومه، فيصوّر قومه وهم الشجعان الأبطال وقد تركوا ديار قوم جرير أثرًا بعد عين، ويعرّض الأخطل بشجاعة قوم جرير ويصفهم بأنّهم يفرّون من قومه كالكلاب التي تركض وي حاملة جراءها بأفواهها.
التحليل الفني ل قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط
لقد كانت الصور الفنية ظاهرة في قصيدة الأخطل من غير تكلّف لها، ومن ذلك ما يأتي:
- المُهدِياتُ لِمَن هَوَينَ مَسَبَّةً
شبه الشاعر المسبّة بالشيء الذي يُهدى، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- يَرعَينَ عَهدَكَ
شبّه الشاعر العهد بشيء يُرعى كالولد وغيره، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- يَنقُلنَهُم نَقلَ الكِلابِ
شبه الشاعر نقل القوم لأطفالهم بنقل الكلاب لجرائها، فذكر المشبه والمشبه به وحذف وجه الشبه وأداة التشبيه، فالتشبيه هو تشبيه بليغ.
التحليل الإيقاعي في قصيدة: كذبتك عينك أم رأيت بواسط
نظم الأخطل قصيدته على البحر الكامل ذو التفعيلات الثلاثة المتتالية "متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن"، وهذا البحر من البحور السريعة التي يسهل فيها الانتقال من صورة إلى أخرى، وهو ما يقصده الشاعر عند الهجاء؛ فقد أراد الشاعر أن يتنقّل سريعًا بين المعاني الكثيرة التي يريد أن ينشرها في وجه جرير.
المعروف عن شعراء الهجاء في ذلك العصر أنّهم كانوا يكثرون من المعاني والصور التي يودون قولها، فينظمون قصائدهم على البحور السريعة للانتقال من فكرة إلى أخرى ليقولوا أكبر قدر ممكن من الهجاء في القصيدة الواحدة، وبنى الأخطل القصيدة على روي اللام وهو من الحروف الشديدة والتي توحي بأنّ الشاعر يريد أن يقذف من فمه حممًا على المقصود.