تفسير حديث (من رغب عن سنتي فليس مني)
حديث: من رغب عن سنتي فليس مني
أخرج البخاري في صحيحه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي).
تفسير حديث: من رغب عن سنتي فليس مني
معاني مفردات الحديث
نبيّن فيما يلي معاني مفردات الحديث:
- رَهْطٍ: لفظ يُطلق على المجموعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة، أو يطلق على ما دون العشرة.
- تَقَالُّوهَا: عدّوها قليلة.
- الدَّهْرَ: مدّة الحياة الدنيا.
- أعْتَزِلُ: أبتعد.
- أَرْقُدُ: أنام.
- رَغِبَ عن: ابتعد، أعرض.
المعنى العام للحديث
من أهم المعاني للحديث:
- في الحديث أنّ ثلاثة رجال من الصحابة جاؤوا ليسألوا عن عبادة النّبي -عليه الصلاة والسلام- فلمّا أُخبروا بها شعروا بأنّها قليلة وقالوا أين نحن من النبي وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فقد عزم أحدهم على قيام الليل من أوله إلى آخره بتكلّف دون أخذ قسط من الراحة، والثاني كان عازمًا على وصل الصيام المنّهي عنه، والأخير كان معتزلًا للنّساء فلا يتزوج حتى يتفرغ للعبادة.
- فلمّا بلغ كلامهم النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليهم تكلّفهم وبين أن كثرة خشية الله وتقواه لا تتعلق بكثرة العبادة والتكلّف فيها بما لا يُطاق، وأخبر عن نهجه وطريقته في العبادة فهو عليه السلام يقوم من الليل ويرقد، ويصوم ويفطر، ويتزوج النّساء، فهذه سنته فمن أعرض عنها وخالفها فقد ابتعد عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في نهجه السّمح، كما أنه إن كره اتباعها كان خارجًا عن الإسلام.
- يعد الإسلام دين الاعتدال والوسطية ، فالغلو فيه وتكليف النّفس ما لا يطاق في العبادة قد يقود لما هو منهيٌ عنه من انتشار البدع والضالات بل قد يؤدي للوقوع في الشركيات، وقد كان النّبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على إرشاد أمته وتذكيرهم ووعظهم.
ما يُستفاد من الحديث
في الحديث جملة من الفوائد والمعاني، آتيًا ذكرها:
- الأصل في المسلم اتباع هدي وسنة النّبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهجه.
- من منافع الاقتصاد في العبادة أنّها سبب للمداومة عليها دون ملل؛ إذ أنّ التكلّف فيها لا يؤمن معه من الملل في أدائها وتركها.
- حثّ للمسلم على أن يرفق بنفسه في العبادات دون إفراط ولا تفريط؛ حفاظًا على سلامته وحتى يؤدي أمور دنياه دون تقصير.
- النّهي عن التكلّف في العبادة.
- بيانٌ لحرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على أداء العبادات.