مفهوم التفكيكية
تعريف التفكيكية
نشأت التفكيكية علـى أنقاض البنیویة ، وازدهرت فـي السبعینات، من القـرن الماضي، وترتبط النظرية التفكیكیة باسم الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، وهو كاتب عرف بغزارة كتبه، وتعددها، وتقوم عملية التفكيك، على أساس قراءة النصوص، وتأمل الطريقة، التي يتم من خلالها إنتاج معانيها ومدلولاتها، وتكشف التفكيكية عن التناقض الموجود فيها.
ويمكن اعتبار التفكيكية مدرسة تقويض الحداثة، والثورة على التقاليد الحداثية للنصوص، وتشكك بكل ما تقوم عليه الأفكار، والسرديات الكبرى في تاريخ الفلسفة، بخاصة اللغة والنص، والسياق، والمؤلف، والقارئ، بهذا الشكل تظهر التفكيكية، كأنها هدم لقيم الحداثة.
تختلف التفكيكية عن باقي المدارس حداثة في القرن العشرين، في أنها تتبع استراتيجية معينة لتفكيك النص، من خلال قلب المفاهيم، فتقوم بتحريك الثابت، وتثبيت المتحرك، وتنصب اهتمام التفكيكية على النصوص الأدبية، بكل أنواعها، فتحلل النصوص، وتكشف عن معانيها المختلفة، والمتناقضة، والمختلة.
وتلفت انتباه القارئ، إلى ضرورة التعرف على مواطن القلق في النصوص، وتستهدف التفكيكية بشكل عام القيم العقلانية التي تبنتها الفلسفات الحديثة، وتحاول كشف زيفها من خلال البحث؛ فيما وراء المحسنات البديعية، والبلاغية، فالنص بالنسبة لهم، عبارة عن مجموعة من الشبكات، التي تتحد من خلال علاقات نصية، ودوال متعددة.
أصول التفكيكية
قامت التفكيكية على أصول الفلسفات السابقة، وهي النتيجة النهائية، لمجموعة من المدارس الفلسفية الموجودة بعد الحداثة، ورغم أن التصنيف العام للمشروع التفكيكي، يتسم بالتمرد والثورة على كل شيء، إلا أن هذا التمرد نشأ؛ من تاريخ النقد الأدبي، الذي كان ضمن قوالب تقليدية منضبطة، وخطابات أدبية معينة، فدعت التفكيكية إلى التحرر التام منها.
تاريخيًا تأثرت التفكيكية بالمدارس النقدية، مثل الرومانسية، والبنيوية، وقد لخص المفكر كريس بلديك هذا التأثر في معادلة رياضية، فالتفكيكية هي اعتباطية العلامة اللغوية التي نادى بها دسوسير، إضافة لفلسفة نتشه وفلسفة هيدغر وآلية القراءة الناقدة، والفاحصة، وأفكار الالتباس، والتورية الجديدة.
فلسفة دي سوسير
إنّ معظم أفكار جاك دريدا، ورولان بارت، وغيرهما من التفكيكين، لا يمكن أن تخرج عن الإطار العام الذي وضعه فرديناند دي سوسير، وباقي تلامذته فقد شرحوا مقولاته، و آراؤه اللغوية، وفيما يخص مفهوم العلامة اللغوية.
فأغلب دعاة التفكيكية لم يقدموا تصورًا خاصًا لها مثلما فعل دي سويسرا، بل اعتمدوا على أفكاره نفسها عن العلاقة بين الدال والمدلول، كطرفين أساسيين للعلامة، وكذلك فقد تبنوا الآراء السويسرية حول استقلالية النص، كبنية لغوية، وعزلها عن الوسائط الخارجية، مثل المؤلف، وأنّ المعنى يتحقق من حرية العلامة داخل النسق.
فلسفة نتشه
حذا جاك دريدا خذو الفيلسوف الألماني فريدريك نتشه ، وذلك لأن يتشه بحث في معظم أعماله حول مفهوم الحقيقة، فالنتيجة النهائية هي أن الحقيقة ليست شيئًا ثابتًا تصل إليه الذات من خلال عملية بحث موضوعية، بل عملية إنتاج تقوم بها الذات من خلال التأويل، وهذا الأمر يفتح آفاق كبيرة أما القارئ، مما يجعل النص أكثر تحررًا من القوالب القديمة.
وهذا الأمر أشبه بثورة على القيم الحداثية، والفكر الفلسفي الغربي، ودعوة صريحة إلى تقويضه، فالمثاليات الحداثية والعقلانية الغربية، لا تنتج أي معنى، ولذلك يجب أفولها، بحسب تعبيره.
الفلسفة الظوهرية
بالرّغم من عدم شيوع الفلسفة الظاهرتية في العالم الأنجلو أمريكي، إلاّ في الخمسينيات والستينيات، من القرن العشرين، فقد كان ظهورها علامة بارزة؛ لتوجيه النقد الحداثي، وقد كان لها تأثير كبير في المدرسة البنيوية والمدرسة التفكيكية؛ لأنها أعطت الأولويّة إلى التأويل، وانفتاح النص.
بناءًا على هذا كانت العلامة عند الفيلسوف الفينومينولوجي، هوسرل تشير إلى دلالتين دلالة التغيير، ودلالة الإشارة، وهذا يدل على أنها كانت شكل من أشكال إيصال رسالة ما، والإحالة إليها، ومن الممكن في الوقت نفسه أن تشير إلى أفكار، ودلالات أخرى، يبلغها القارئ من خلال ثقافته، ويثريها بمعانٍ أخرى.
مبادئ التفكيكة
تقوم التفكیكیة على مجموعة من المبادئ أهمها:
الاختلاف Difference
يعدّ مفهوم الاختلاف من المفاهيم الأساسية عند التفكيكين، ومن المرتكزات الأساسية عندهم، وحدد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه، الكلام والظاهرة، ما هو المقصود بمفهوم الاختلاف، وبحسب وجهة نظره أن الاختلاف، هو الإزاحة، التي تصبح من خلالها اللغة، أو الشيفرة اللغوية نظامًا مرجعًا مهمًا، يتميز بتاريخية خاصة به، وتجعله فريدًا عن باقي الاختلافات.
ومصطلح الاختلاف كما أوّله المفكرون المعاصرون، يقوم على تعارض الدلالات في النص، والعلامات، التي تشير إلى أمور مختلفة، هكذا يظهر النص كأنه شفرة، يحب على القارئ الناقد تفكيكها.
الكتابة أو علم الكتابة Grammatology
إن الهدف الأساسي من الكتابة، أو علّة الكتابة هو تقويض الفلسفة، التي تدعو إلى الحضور، وهي الفلسفة الحديثة بشكلها العام، التي أكدت على المنطق، والعقلانية في الفكر، وسعت إلى الوصول إلى الحقيقة المطلقة، التي تقع خارج حدود اللغة، ومصطلح الكتابة، لا يقصد به الكتابة بالمعنى الحرفي، وإنما يقصد به: كل نظام دلالي، مرئي، أو مقروء أو مسموع.
التمركز حول العقل Logocentrism
يهدف التمركز حول العقل؛ إلى تذويب النصوص؛ لتصبح جمل متفرقة، وأفكارًا مشتتة، لنقض المعنى الأصلي، الذي قام عليه النص قبل تفكيكه، ومن ثم يقوم القارئ بافتراض معنى جديد، من خلال التأويل، والإنتاج المستوحى، من إيحاءات رموز النص.
موت المؤلف The death of the author
يعدّ المقال الذي نشره الفيلسوف رولان بارت، عام 1961م، الذي يحمل عنوان موت المؤلف، من أهم الأسس التي تقوم عليها التفكيكية، فالتفكيكية: هي عملية هدم لكل صوت يمكن اعتباره، نقطة انطلاق لتكوين فكرة عن النص؛ فالكتابة هي السواد والبياض، الذي تتوه فيه الهوية، تحديدًا هوية الكاتب.
لكن الهدف الرئيسي لمقولة موت المؤلف هو إقصاء دور المؤلف وانتزاعه، من النص، وكأنه لم يكتبه، وكل ذلك من أجل تخليص النص من شروطه الظرفية، والمكانية.
أهم رواد التفكيكية
هنالك العديد من رواد المدرسة التفكيكية أهمهم:
جاك دريدا (1930- 2004م)
هو فيلسوف ومفكر فرنسي، ولد في الجزائر، من أهم أعلام القرن العشرين، قام بنقد الفلسفة الغربية، القائمة على قيم الحداثة، والعقل، تركزت كتاباته حول مفاهيم مثل: الاختلاف، والمعنى، واللغة، وكان لها تأثير كبير، على باقي مفكري القرن العشرين، والقرن الواحد والعشرين.
رولان بارت (1915- 1980م)
هو كاتب، ومفكر، وناقد اجتماعي وأدبي فرنسي. كانت معظم كتاباته تدور حول: السميائية، ودراسة الرموز، وعلم الدلالة، وعمل على دراسة نظرية دي سوسير، وكان له دور بارز، في تأسيس البنيوية: حركات النقد الاجتماعي.
أبرز الآراء النقدية حول التفكيكية
وجه النقاد بعض الانتقادات إلى المدرسة التفكيكية؛ أهمها:
- أكد النقاد أن المدرسة التفكيكية مجرد مفاهيم جديدة للتعبير، عن مضامين قديمة، نادى بها العديد من المدارس القديمة؛ لذلك لا تعد مدرسة جديدة.
- تقوم الفلسفة التفكيكية على أساس إحداث نسق استفزازي، بحسب رأي المفكرين الغربيين؛ لأنها تتماشى مع ذاتية المثقفين الأمريكيين، والثقافة الأمريكية.
- تتعمد المدرسة التفكيكية عدم ثبات المعاني التي يقوم عليها النص؛ وذلك بسبب المبالغة في فكرة موت المؤلف.
- أكد المثقفون الغربيون والعرب، على مدى أهمية التفكيكية كونها مدرسة نقدية، عملت على إثراء الفلسفة الغربية، وتيارات النقد الأدبي، بالرّغم مما تم توجيهه لها من انتقادات.