ما هي التوبة
التوبة
يضعف المُسلم في بعض الأحيان فيقع في المُحرّمات ، ومن رحمة الله -تعالى- به بأن فتح له باب التوبة؛ فمن تاب بعد ذنبه تاب الله -تعالى- عليه، والتوبة التي أمر الله -تعالى- بها هي التوبة النصوح الواردة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، كما ويقتدي المُسلم بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يتوب إلى الله -تعالى-دائماً، قال -عليه السلام- عن نفسه: (واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً)، والتوبة ليست محصورة بالمسلم العاصي فقط؛ إنّما تتعدّى إلى غير المسلم أيضاً في حال أراد أن يُسلم؛ فيبدّل الله -تعالى- سيئاته حسنات، قال -عزّ وجلّ-: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمً).
الحكمة من تشريع التوبة
شرع الله -تعالى- التوبة؛ ليُبيّن للإنسان أهميّة التكليف وضرورته، وأنه أمرٌ صحيح؛ فهو يعيش بين مُقاومة المعاصي وحمل نفسه على مشقّة العبادة والطاعة؛ فلو أراد الله -تعالى- لمنع الإنسان من المعصية وجعله كالملائكة، ولكن خلقه على طبيعته يُخطأ ويتوب، وشرعت التوبة ليكون الإنسان مُتوسّطاً بين عدم القنوط من رحمة الله -تعالى- وبين التمرّد، فلو لم يكن هُناك توبة بعد المعصية؛ لأصاب الإنسان القنوط وتمادى في معاصيه؛ لأنّ النتيجة واحدة، سواءً كانت المعاصي كثيرة أو قليلة.
شروط التوبة النصوح
للتوبة النصوح العديد من الشروط حتى تكون مقبولةً عند الله -تعالى-، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:
- كونها خالصةً لله -تعالى-، وموافقةً لسنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد كان من دُعاء عُمر -رضي الله عنه- قوله: "اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا"؛ ليكون المقصود من التوبة تعظيم العبد لخالقه، ورجاء ثوابه، والخوف منه ومن عقابه.
- إقلاع العبد عن المعصية بعد توبته منها، وذلك في حال كونها بعد فعل معصية، أمّا في حال كونها بعد ترك واجب؛ وجب عليه الالتزام بالواجب.
- الندم على فعل المعصية، وتركها في الحال، وعدم العودة إليها في المُستقبل.
- العزم على عدم العودة إلى المعصية، بإقناع النفس بذلك، والمداومة على الطاعات، وترك المُحرّمات حتّى الموت.
- ابتعاد العبد عن الاصرار على المعصية، والإصرار: هو عقد القلب على الذنب، والعودة إليه مرةً بعد مرة، وقد اشترط الله -تعالى- لقبول التوبة والمغفرة عدم الإصرار على الذنب، قال -عزّ وجلّ-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
- كون التوبة مؤثّة على سلوكيّات الشخص وأعماله ، وليس مجرّد التلفّظ بها وعقدها في القلب.
- الامتناع عن فعل ما ينقض التوبة.
- كون التوبة في الوقت المحدّد لها وليس بعد فوات وقتها أو إغلاق بابها؛ كالتوبة عند الموت، أو حال طُلوع الشمس من مغربها.
وقت التوبة
باب التوبة مفتوح يلجأ إليه الإنسان بعد الذنب والضلال في أيّ وقت، والقلب كلّما استشعر عظمة الله -تعالى- تاب إليه، ويستمر وقت التوبة إلى قبل بُلوغ الروح الحلقوم أو ما تُسمى بالغرغرة، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغرُ)، كما ويستمر باب التوبة مفتوحاً إلى حين طُلوع الشمس من مغربها.
سبب عدم قبول توبة فرعون
يقبل الله -تعالى- التوبة من عباده برحمته، وهذا القبول يستمر إلى وقتٍ مُعيّن؛ وهو مُشاهدة الأحوال التي لا يُمكن بعدها الرجوع إلى الدُنيا؛ كما في حال تيقّن الإنسان من الموت، وهو ما حصل مع فرعون عندما أدركه الغرق، قال -تعالى-: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
أمور تعين على التوبة
توجد العديد من الأُمور التي تُعين العبد على التوبة والاستمرار عليها، وبيانها فيما يأتي:
- الإخلاص في التوبة، وفي جميع الأعمال الأُخرى.
- الاجتهاد في الإكثار من أعمال الخير والبر، مع استشعار قبح الذنب الذي ارتكبه الشخص، وضرره عليه في الدُنيا والآخرة.
- الابتعاد عن مكان المعصية، وإتلاف الأدوات المُحرّمة التي كان يستعملها الشخص في المعصية، وكُل شيءٍ يُذكّره بها.
- الاجتهاد في البحث عن صُحبةٍ صالحة؛ لتُعينه وتدلّه على الخير، مع الابتعاد عن رفاق السوء.
- المُداومة على تلاوة الآيات القرآنيّة التي فيها تخويف للعاصين، وتذكّر العقوبة التي قد تُصيب الشخص بسبب معاصيه، وإكثاره من ذكره لله -تعالى-.
كيفية التوبة النصوح
تكون التوبة النصوح بالرجوع إلى الله -تعالى-، من خلال ترك المُحرمات، والقيام بالواجبات التي كان المسلم يتركها أو يُقصّر في فعلها؛ فالتوبة من ترك الواجبات والطاعات أولى من التوبة من فعل السيئات .
مشروعية التوبة وأنواعها
حكم التوبة
التوبة نوعين، ولكل نوعٍ حُكم خاص به، وبيانهما فيما يأتي:
- التوبة الواجبة: التوبة من فعل المُحرمات، أو ترك المأمورات، وتكون واجبة على جميع المُكلفين وعلى الفور باتّفاق الأمّة كما نقل القرطبي، وتكون من جميع الذنوب ؛ سواءً أكانت من الصغائر أو من الكبائر ، وهي توبة الأبرار المُقتصدين، ومن لم يتب وأصر على الذنب فقد ارتكب مُحرّماً، وكان من الظالمين، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ).
- التوبة المُستحبّة: التوبة من ترك الأُمور المُستحبّة، وفعل الأُمور المكروهة.
آثار التوبة
للتوبة العديد من الآثار ، وبيانها فيما يأتي:
- حقوق العباد: التوبة عن ما كان فيه حقّ للعباد لا تكفي بمجرد الندم، والإقلاع عنها، وعدم العودة إليها؛ لإسقاط حُقوق العباد؛ كالسرقة أو الإساءة أو غير ذلك من الحقوق؛ فلا بدّ للشخص التائب من إرجاع الحقوق إلى أصحابها، وهو أثرٌ مُتّفقٌ عليه بين الفُقهاء، قال الإمام النووي: إذا تعلّق الذنب بحقّ مالي كالغصب، يجب إبراء الذمة منه، وإن كان التائب غير قادر على ذلك فيجب عليه أن ينوي الإرجاع، أمّا إن كان الذنب يتعلق بحق غير مالي كالقذف، فيجب عليه الرجوع به إلى المُستحقّ وطلب العفو منه.
- حقوق الله -تعالى-: التوبة في الحقوق التي تتعلّق بأمورٍ مالية كالزكاة والكفارة، لا تسقط بالتوبة فقط وإنّما يجب معها الأداء، وإن كانت الحقوق غير مالية كالحرابة وهو قطع الطريق؛ فتسقط بالتوبة مع إرجاع الحقوق إلى أصحابها، وأمّا الحدود غير المُحاربة كحد الزنا وشرب الخمر، فلا تسقط عند الحنفية والمشهور عند المالكية وبعض الشافعية ورواية عند الحنابلة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رجم ماعز والغامدية، وقطع يد من اعترف بالسرقة، مع أنهم جاءوه يُريدون التوبة، وذهب بعض الشافعية وهي رواية عند الحنابلة وبعض المالكية أنّها تسقط بمجرد التوبة، لقوله -تعالى-: (وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا).
فضل التوبة
للتوبة العديد من الفضائل التي وردت في الكتاب والسُنة، وبيانها فيما يأتي:
- التوبة توجب محبّة الله -تعالى-، وفرحه بالعبد التائب، قال -تعالى-: (إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، كما وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بتَوْبَةِ أحَدِكُمْ، مِن أحَدِكُمْ بضالَّتِهِ، إذا وجَدَها).
- التوبة سبب لدعاء الملائكة للتائب، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)، كما أنّها من أسباب تنزّل البركة والزيادة في القوّة، قال -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).
- التوبة سبب لكل خير، وهي سبب الفلاح والفوز في الدُنيا والآخرة ، وهي سبب في سعة الرزق، والهناء في العيش، وهي من سُنن الأنبياء، قال -تعالى-: (وَأَنِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذي فَضلٍ فَضلَهُ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ كَبيرٍ).