كيف تكون عدة المرأة المتوفي زوجها
كيفية قضاء المرأة للعدة بعد وفاة زوجها
العِدَّة فترةٌ يجب على المرأة فيها الانتظار بدون زواجٍ بعد وقوع الفُرقة، وهذه الفترة تمَّ تحديدها من قِبل الشَّارع، ومن الأمور التي الواجبة على المرأة بالإضافة لامتناعها عن الزَّواج؛ عدم الزِّينة ، إذ لا زِينة للمرأة المُحِدَّة، ويجب عليها أن تَمتنع عن الزِّينة كلِّها أثناء فترة العدَّة والتي تبلغ في حال وفاة الزَّوج أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، وهذه الفترة الطَّويلة من الحِداد لا تجوز شرعاً إلا على الزَّوج بعد وفاته، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ، أوْ تُؤْمِنُ باللَّهِ ورَسولِهِ، أنْ تُحِدَّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، إلَّا علَى زَوْجِها فإنَّها تُحِدُّ عليه أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا).
وأمَّا بالنِّسبة لمكان الإحداد في فترة العدَّة فيكون في بيت الزَّوج، فعلى المرأة المُتوفَّى عنها زوجها لُزوم بيته الذي مات فيه والتي تسكن فيه، وعليها الابتعاد عن كلِّ ما يدعو إلى الزَّواج منها من الزِّينة، والعُطور، والاختضاب بالحِنَّاء، والحُلي، ومساحيق التَّجميل، وكلُّ ما شابه ذلك، وإن لم تفعل ذلك تكون آثمةً، ويجب عليها التَّوبة والاستغفار لله -تعالى- والكفّ عن ذلك، وقد جاء ذكر بعض من هذه المَمنوعات في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري، فعن أمّ عطيّة -رضي الله عنها- قالت: (كُنَّا نُنْهَى أنْ نُحِدَّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا علَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، ولَا نَكْتَحِلَ، ولَا نَطَّيَّبَ، ولَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ).
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المرأة المُتوفَّى عنها زوجها تستطيع أن تَعتدَّ خارج منزل زوجها إن أُخرجت منه خوفاً، أو قهراً، أو بحقٍّ، ويجوز للمُعتدَّة الخُروج من بيتها في النَّهار لحاجةٍ، وأجاز المالكيَّة ذلك ولو بغير حاجةٍ على ألَّا تَبيت في اللَّيل إلَّا في المكان الذي تَعتدّ فيه، وأمَّا بالنِّسبة لفترة العدَّة فإنَّها تختلف باختلاف أسباب الفُرقة؛ فهي للمرأة المُتوفى عنها زوجها أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ كما تقدَّم، وتكون للمرأة الحامل بانتهاء الحَمل، وسيأتي تفصيل المدّة بالمبحث القادم. ولا تعني فترة العدَّة الغُلوّ فيها؛ إذ لا يجوز للمرأة المُعتدَّة إيجاب أمورٍ لا تجب عليها مثل تَرك الاغتسال، وترك تَمشيط الشَّعر وغيره، ولا يُشرَع لها اعتزال النَّاس وترك التَّحدُّث إليهم، فكلُّ ذلك يعتبر من باب الغُلوِّ المَنهيِّ عنه شَرعاً.
مدة عدة المرأة المتوفى عنها زوجها
ذكر الله -سبحانه وتعالى- عدَّة المرأة المُتوفَّى عنها زوجها في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، إذ قيَّدها بأربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ بعد أن كانت المرأة تنتظر في الجاهلية سنةً كاملةً بعد وفاة زوجها، فخفَّف الله -تعالى- عنها وقصَّر المدَّة، ويكون هذا الحداد للمرأة المُتوفَى عنها زوجها سواءً أتمَّ الدُّخول بها أم لم يتمّ، بشرط ألَّا تكون المرأة حاملاً، أمَّا إن كانت المرأة المُتوفَى عنها زوجها حاملاً، فتكون عدَّتها لحين وضع حملها، لقوله -تعالى-: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
وبهذا قال جمهور الفقهاء من الصَّحابة والتَّابعين، أي أنَّ مدَّة العدَّة للمرأة الحامل عندهم تبلغ مُدَّة حملها بعد وفاة زوجها، سواءً طالت هذه الفترة أم قصُرت، حتى وإن كانت أقلَّ من أربعة أشهر وعشراً، ولكنَّ ابن عباس -رضي الله عنه- قال بأنَّ عدَّتها تكون أطول الأَجَلين؛ والمقصود بالأَجَلين: مدَّة الحمل المُتبقّية بعد الوفاة ومدَّة الأربع أشهر وعشرة أيامٍ، فلو كانت مدَّة الحمل المُتبقّّية أطول من أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ فتكون هي فترة العدَّة الواجبة في حقِّها، وأمَّا إن كانت فترة الحمل المُتبقّية أقل من أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، فعندها تكون عدَّتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ.
الحكمة من عدَة المتوفى عنها زوجها
إنّ لفترة العدَّة التي أوجبها الله -تعالى- على المرأة المُتوفَّى عنها زوجها حِكماً عديدةً، نورد منها ما يأتي:
- التَّيقُّن من بَراءة الرَّحم ؛ أي التَّأكد من أنَّ المرأة التي تَوفَّى عنها زوجها ليست بحامل؛ لأنَّها إن تزوّجت قبل التَّأكد من ذلك سُيؤدّي زواجها الثاني إلى اختلاط الأنساب.
- عبادة الله -سبحانه وتعالى- من خلال تطبيق أوامره وما أوجبه على النِّساء عند وفاة أزواجهنَّ.
- إظهار قَدر الزَّوج وإن كان متوفياً، وإعلاء منزلته، وإظهار الوفاء له، والحُزن عليه.
- مراعاة نفسيَّة المرأة، من خلال تَمكينها من إظهار مشاعر الحُزن على زوجها، وإعطائها لذلك مدَّةً أطول من باقي فترات الحِداد الأخرى.
- فترة العدَّة تساعد المرأة على قطع سُبل الزَّواج منها خلال هذه الفترة، لأنّ ذلك ممّا حرّمه الشرع في هذه الفترة، بالإضافة إلى إغلاق كلِّ الأسباب والبواعث التي تُحبِّب في الزَّواج أو تَدعو إليه في هذه الفترة.
- فترة العدَّة على الزَّوج المُتوفَّى فيها مراعاة لأهله الأحياء، من خلال منع المرأة من الزَّواج في هذه الفترة لئلَّا تزيد من أوجاعهم، كما أنَّ فيها مراعاة لحقِّ طفله إن كانت حاملاً، فتنتظر لحين وَضعه.