شعر قصير عن الفراق
الفراق
الفراق هو البعد عن الذين ارتبطت قلوبنا بهم لأيّام وسنوات عديدة، وهذا الأمر يصعب علينا تحمّل نتائجه، لأنّه في غاية الحساسيّة والصعوبة، وفي هذا المقال نورد شعراً عن الفراق وآلامه.
شعر قصير عن الفراق
علمني حبك
علمني حبّك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها
مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلّور المكسور
علمني حبّك سيّدتي أسوء عاداتي
علمني أفتح فنجاني في الليلة آلاف المرّات
علمني أخرج من بيتي لأمشّط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك في الأمطار وفي أضواء السّيارات
وأطارد ثوبك في أثواب المجهولات
أطارد طيفك
حتى
حتى
في أوراق الإعلانات
علمني حبّك كيف أهيم على وجهي ساعات
بحثاً عن شعر غجريّ تحسده كلّ الغجريّات
بحثاً عن وجه، عن صوت هو كلّ الأوجه والأصوات
أدخلني حبّك سيّدتي مدن الأحزان
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان
لم أعرف أبداً أنّ الدّمع هو الإنسان
أنّ الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان
علمني حبّك
علمني حبّك أن أتصرّف كالصّبيان
أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان
وعلى أشرعة الصّيادين، على الأجراس، على الصّلبان
علمني حبّك
كيف الحبّ يغيّر خارطة الأزمان
علمني أنّي حين أحبّ تكفّ الأرض عن الدّوران
علمني حبّك أشياءً
ما كانت أبداً في الحسبان
فقرأت أقاصيص الأطفال، دخلت قصور ملوك الجانّ
تلك العيناها أصفى من ماء الخلجان
وحلمت أن اخطفها مثل الفرسان
وحلمت بأنّي أهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان
علمني حبّك يا سيّدتي ما الهذيان
علمني حبّك كيف أحبّك في كلّ الأشياء
في الشّجر العاري، في الأوراق اليابسة الصّفراء
في الجوّ الماطر في الأنواء
في أصغر مقهىً نشرب فيه مساءً
قهوتنا السّوداء
علمني حبّك أن آوي
لفنادق ليس لها أسماء
ومقاه ليس لها أسماء
علمني حبّك كيف الليل يضخّم أحزان الغرباء
علمني كيف أرى بيروت
امرأةً تلبس كلّ مساء
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين
في طرق الرّوشة والحمراء
علمني حبّك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها
مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلّور المكسور.
على الأقاض
على الأقاض وردتنا
ووجهانا على الرّمل
إذا مرّت رياح الصّيف
أشرعنا المناديلا
على مهل.. على مهل
نراوغ قطرة الطلّ
تعالي مرّةً في البال
يا أختاه!
إنّ أواخر الليل
تعرّيني من الألوان والظلّ
وتحميني من الذلّ!
وفي عينيك، يا قمري القديم
يشدّني أصلي
إلى إغفاءة زرقاء
تحت الشّمس.. والنّخل
بعيداً عن دجى المنفى..
قريباً من حمى أهلي
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت عصافير الرّبيع
تجرّد الشّجر
وصوتك كان، يا ما كان،
يأتي
من الآبار أحياناً
وأحياناً ينقطه لي المطر
نقيّاً هكذا كالنّار
كالأشجار.. كالأشعار ينهمر
تعالي
كأنّ في عينيك شيء أشتهيه
وكنت أنتظر
وشدّيني إلى زنديك
شدّيني أسيراً
منك يغتفر
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الرّبيع
تجرّد الشّجر!
ونعبر في الطريق
مكبّلين..
كأنّنا أسرى
يديّ، لم أدر، أم يدك
احتست وجعاً
من الأخرى؟
و لم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك..
سروة الذّكرى
كأنّا عابرا درب،
ككلّ النّاس
إن نظرا
فلا شوقاً
ولا ندماً
ولا شزراً
ونغطس في الزّحام
لنشتري أشياءنا الصّغرى
ولم نترك لليلتنا
رماداً.. يذكر الجمرا
وشيء في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك ترمد الذّكرى
ترجّل، مرةً، كوكب
وسار على أناملنا
ولم يتعب
وحين كتبت عن عينيك
نقّط كلّ ما أكتب
وشاركنا وسادتنا..
وقهوتنا
و ين ذهبت..
لم يذهب
لعلي صرت منسيّاً
لديك
كغيمة في الرّيح
نازلةً إلى المغرب..
ولكنّي إذا حاولت
أن أنساك..
حطّ على يديّ كوكب
لك المجد
تجنّح في خيالي
من صداك..
السّجن، والقيد
أراك ،أستند
إلى وساد
مهرةً.. تعدو
أحسّك في ليالي البرد
شمساً
في دمي تشدو
أسمّيك الطفولة
يشرئبّ أمامي النّهد
أسمّيك الرّبيع
فتشمخ الأعشاب والورد
أسميك السّماء
فتشمت الأمطار والرّعد
لك المجد
فليس لفرحتي بتحيّري
حدّ
و ليس لموعدي وعد
لك.. المجد
وأدركنا المساء..
وكانت الشّمس
تسرّح شعرها في البحر
على عينيّ مثل الجمر
خذي منّي الرّياح
وأدركها الصّباح
وكانت الشّمس
تمشّط شعرها في الشّرق
لها الحنّاء والعرس
وتذكرة لقصر الرّق
خذي منّي الأغاني
واذكريني..
كلمح البرق
وأدركني المساء
وكانت الأجراس
تدقّ لموكب المسبيّة الحسناء
وقلبي بارد كألماس
وأحلامي صناديق على الميناء
خذي منّي الرّبيع
وودّعيني..
أجدّد يوماً
أجدّد يوماً مضى، لأحبّك يوماً.. وأمضي
وما كان حبّاً
لأنّ ذراعيّ أقصر من جبل لا أراه
وأكمل هذا العناق البدائيّ، أصعد هذا الإله
الصّغير
وما كان يوماً
لأنّ فراش الحقول البعيدة ساعة حائط
وأكمل هذا الرّحيل البدائيّ.
وما كنت سيّدة الأرض يوماً
لأنّ الحروب تلامس خصرك سرب حمام
وتنتشرين على موتنا أفقاً من سلام
وما كنت ألعب في الرّمل لهواً
لأنّ الرّذاذ يكسرني حين تعلن عيناك
أنّ الدّروب إلى شهداء المدينة مقفرة من يديك
فأصعد هذا الإله الصّغير
وما كان حبّاً
وما كان يوماً
وما كنت
وما كنت
إنّي أجدّد يوماً مضى
لأحبّك يوماً
وأمضي
سألتك أن تريديني خريفاً ونهراً
سألتك أن تعبري النّهر وحدي
وتنتشري في الحقول معاً
سألتك ألا أكون وألا تكوني
سألتك أن ترتديني
خريفاً
لأذبل فيك، وننمو معاً
سألتك ألا أكون وألا تكوني
سألتك أن تريديني
نهراً
لأفقد ذاكرتي في الخريف
ونمشي معاً
وفي كلّ شيء نكون
يوحدّنا ما يشتّتنا
ليس هذا هو الحبّ
في كلّ شيء نكون
يجدّدنا ما يفتّتنا
ليس هذا هو الحبّ
هذا أنا..
أجيئك منك، فكيف أحبّك؟
كيف تكونين دهشة عمري؟
وأعرف
وأعرف
أنّ التّراب يخون جميع المحبّين إلا البقايا
أجيئك منك انتظاراً
أجيئك منك انفجاراً
وأسقظ فيك شظايا..
وكيف أقول أحبّك؟
كيف تحاول خمس حواسّ مقابلة المعجزة
وعيناك معجزتان؟
تكونين نائمةً حين يخطفني الموج
ينقسم الكون هذا المساء إلى إثنين
أنت ومركبة الأرض.
من أين أجمع صوت الجهات لأصرخ
إنّي أحبّك
تكونين حرّيتي بعد موت جديد
أحبّ
أجدّد موتي
أودّع هذا الزّمان وأصعد
عيناك نافذتان على حلم لا يجيء
وفي كلّ حلم أرمّم حلماً وأحلم
قالت ماريّا: سأهديك غرفة نومي
لماذا أحبّك؟
من أجل طفل يؤجّل هجرتنا يا ماريّا
سأهديك خاتم عرسي
سأهديك قيدي وأمسي
إلى أين تذهب؟
أذهب في أوّل السّطر، لا شيء يكتمل الآن
غريبان
إنّ القبائل تحت ثيابي تهاجر
والطفل يملأ ثنية ركبتك
الآن أعلن أنّ ثيابك ليست كفن
غريبان
إنّ الجبال الجبال الجبال..
غريبان
ما بين يومين يولد يوم جديد لنا
قلنا: وطن
غريبان
إنّ الرمال الرمال الرمال...
غريبان
و الأرض تعلن زينتها
_أنت زينتها_
والسّماء تهاجر تحت يدين
غريبان
شعرك سقفي، وكفّاك صوتان
أقبّل صوتاً
وأسمع صوتاً
وحبّك سيفي
وعيناك نهران
والآن أشهد أنّ حضورك موت
وأنّ غيابك موتان
والآن أمشي على خنجر وأغنّي
فقد عرف الموت أنّي
أحبّك، أنّي
أجدّد يوماً مضى
لأحبّك يوماً
وأمضي..