شرح قصيدة لكل شيء إذا ما تم نقصان
شرح قصيدة لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان
ناظم هذه القصيدة صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف أبو الطيب، وهو أبو البقاء النفري الرندي شاعر أندلسي، وفيما يأتي شرح قصيدة لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان:
المقطع الأول
قال الشاعر:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
- فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
- مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
- وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ
- إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو
- كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
- وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
- وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
- حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
- كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ
- وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ
- يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
يقول الشاعر: لا يُمكن لشيء أن يصل حدّ الكمال فكلّ شيء في تناقص وزوال، فلا يأخذ الشخص الغرورو بهذه الدنيا، فالدنيا مُتقلبة الأحوال: يوم تطيب به النفس ويوم تستاء به، ورفعة الشخص أمرلا يدوم أبداً ولا انخفاضه ويتساءل الشاعرأين أصحاب الجاه والسلطان والأموال كلّ ذلك في زوال، حتّى السهل الذي جاء بعد الصعوبة الفرحة بها زائلة.
المقطع الثاني
قال الشاعر:
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ
- وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها
- وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
- هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
- حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
- وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
- مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
- وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
- عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
- كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
- قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
- فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
- حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يقول الشاعر مصائب الدنيا مُتنوعة ولكن لابدّ لكل مصيبة من سلوان وعزاء يُخفّف من شدّتها على النفس إلا مُصيبتنا بالإسلام فما لها من عزاء، وكرّر الشاعر أسلوب الاستفهام الذي خرج لغرض التحسر والحزن، فالشاعر يسأل مُتحسراً على العلم والمآثر في قرطبة وبلنسية وشاطبة وغيرها من مُدن الأندلس، ثمّ يصف حال المساجد من خلال المنابر والمحاريب الباكية.
الأفكار الرئيسة في قصيدة لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان
الأفكار الرئيسة في قصيدة لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان تشمل ما يأتي:
- التحسٌّر على مآثر الأندلس.
- وصْف حال المساجد والمسلمين.
- الاعتبار من قصص الآخرين.
- استمرار تقلُّب الأحوال في الدنيا.
معاني المُفردات في قصيدة لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان
في هذه القصيدة بعض المفردات التي تحتاج للتوضيح، ومن أبرزها ما يأتي:
الكلمة | المعنى |
المحاريب | مقام الإمام. |
المنابر | منصة يصعد عليها الخطيب. |
الغمد | غلاف السيف. |
سلوان | ما يذهب الهم والحزن. |
دول | تارة لهؤلاء وتارة للآخرين. |
الصور الفنية في قصيدة لكل شيء إذا ما تمّ نقصان
فيما يأتي مجموعة من الصور الفنية التي استخدمها الشاعر في القصيدة:
- قول الشاعر:
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
- حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
وتظهر الاستعارة المكنية من خلال تشبيه المحاريب والمنابر بالإنسان فحذف المُشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو البكاء.
- لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
ويظهر الطباق من خلال اجتماع الكلمة وضدّها (تمّ/ نقصان ) ، (سرّه/ ساءته).
- وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
ويظهر الجناس الناقص من خلال (مُلك/ مَلك).