شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
نص حديث (إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تَواضَعُوا)
عن عياض بن حمار-رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أَحَدٍ، و لا يَبْغِي أحدٌ على أَحَدٍ).
شرح حديث (إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تَواضَعُوا)
معاني المفردات
فيما يلي بيانٌ لمعاني مفردات الحديث:
- أوحى إليَّ: أي من الوحي الذي ينزلُ على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- تواضعوا: أي أن يحطَّ المُسلم من قدر نفسه فيرفعه الله -سبحانه وتعالى- بفضله.
- لا يفخر: أي لا يرى نفسه على أحد.
- لا يبغي: أي لا يَظلِم.
معنى الحديث
يُبيّن الحديث النبويّ الشريف عظيمَ فضل التواضع وأهميّته وأثره في حياة المُسلم؛ فعلى المُسلم أن يتواضع ولا يرى نفسه أعلى من إخوانه، وأنّه مُفضَّلٌ عليهم بنسبٍ أو جاهٍ أو مالٍ؛ فهذه كُلُّها مقاييس دنيويَّةٌ زائلةٌ، وعلى المُسلم أن تكون نظرته نظرة تواضعٍ مهما كان حاله؛ فإن كانت نظرته لمن هو أصغر منه فيجعل نظراته نظرات اللين والشفقة والرحمة، وإن نظر إلى من هو أكبرُ منه نظرَ نظرة الوقار والإجلال والاحترام، وإن نظر إلى من هو مساوٍ ومماثلٌ له؛ فإنَّه ينظر نظرة المساواة؛ فلا يتكبّر ولا يتجبّر على أحدٍ، ويجعل التواضع نُصب عينيه.
فالواجبُ على المسلم أن يتواضع ولا يتكبر ويظلم غيره، ويعي جيِّدًا أنّه مخلوقٌ ضعيفٌ خُلقَ من نُطفةٍ من ماءٍ مهينٍ كما أخبر الله -عزّ وجلّ- في قوله: (أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ)؛ فمهما بلغ مال العبد ورزقه؛ فلا يجوز أن يكون ذلك مدعاةً لأن يفخر على الناس ويتكبّر عليهم، ومهما بلغت قوّته وعلمه وأيّ شيءٍ آخر؛ فإنّ عليه أن يرتدي ثوب التواضع؛ فالناسُ متفاضلون بالتقوى وليس بشيءٍ آخر غيرها.
وقد ورد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذمَّه للمتكبّرين والمتفاخرين؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لينتهِيَنَّ أقوامٌ يفْتَخِرونَ بآبائِهم الذين ماتوا إِنَّما هم فحمُ جهنمَ أو ليكونُنَّ أهونَ علَى اللهِ من الجُعْلِ الذى يُدَهْدِهُ الخَرَءَ بأنْفِهِ إِنَّ اللهَ أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ إِنَّما هو مؤمنٌ تقىٌّ وفاجرٌ شقِىٌّ الناسُ بنو آدمَ وآدمُ خُلِقَ من ترابٍ".
ففي هذه الحديث تحذيرٌ شديدٌ لمن يتفاخرون بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية على الكُفر، أو من يفتخرُ بآبائه إن كانوا أصحاب باطلٍ أو مناصب فانيةٍ، وشبّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء المتفاخرين بالباطل بالخُنفساء التي تحرّك أنفها، ولو رآها أحدٌ لداسها وأكمل طريقه، وذلك دلالة على حقارته وسفاهته، ففي ذلك تحذيرٌ ووعيدٌ لهؤلاء فإمّا أن ينتهوا عن فعلتهم هذه أو يُبدِّل الله حالهم، ويحتقرون كالخنفساء التي تدوسها الأقدام جزاء أفعالهم، ويكون مصيرهم إلى النار-والعياذ بالله-.
ما يُرشد إليه الحديث
للحديث الشريف دلالاتٌ وإرشاداتٌ عدَّةٌ، وآتيًا ذكر بعضٍ منها:
- التحذير من البغي والظلم و التكبّر على العباد .
- التواضع سببٌ لرفعة مقام العبد عند الله -عزّ وجلّ-.
- التكبر وظلم الناس هو من موروثات الجاهليّة.