ما هي البرجوازية
البرجوازية
تُعرّف الطبقة البرجوازية (بالإنجليزية: Bourgeoisie) بأنّها الطبقة الاجتماعية الواقعة بين طبقة العاملين (طبقة البروليتاريا) وطبقة الأغنياء (طبقة الأرستقراطية )، حيث تُعتبر البرجوازية الطبقة الوسطى من بين الطبقات الاجتماعية الأخرى، مع المحافظة على مواقفها التقليدية وقيمها المادية. يعود أصل تسمية هذه الطبقة بالبرجوازية إلى الكلمة اللاتينية برجينسيس (باللاتينية: burgensis) وذلك عام 1007م، حيث تمّ تسجيلها في عام 1100م باللغة الفرنسية باسم بُرجيس (بالفرنسية: Burgeis)؛ إذ أطلقت بالأصل على سكان المدينة (بالفرنسية: Bourg)، وهم السكان الذين يقطنون المناطق الحضرية من غير العبيد، أو الفلاحين، إلّا أنهم من غير النبلاء أيضاً، كما أنهم يصنفون على أنهم فئة غير مُلزمة بأي من الالتزامات التي فُرضت على العلاقات الاقتصادية، والروابط الاجتماعية للنظام الإقطاعي .
تاريخ البرجوازية
بدأت البرجوازية بالظهور كظاهرةٍ تاريخيةٍ منذ بدايات القرن الحادي عشر، حيث رافق ذلك تطوّر مدن العصور الوسطى من خلال ظهور التجارة في وسط وغرب أوروبا، فبدأ الحرفيون والتجار بتنظيم أنفسهم كجماعات لدعم نظام الحكم؛ نتيجة لنشوب الصراعات المستمرة مع أصحاب الأرض ومالكيها، كما قرروا الوقوف معه ضد الاضطرابات الإقطاعية للسلطات المتنافسة محلياً، إذ يُرى ذلك جلياً في نهاية العصور الوسطى لا سيما في ظل النظام الملكي الأول الحاكم في أوروبا الغربية، وهو الأمر الذي أظهر قوة الطبقة البرجوازية في إسقاط النظام الإقطاعي في هولندا وإنجلترا مع حلول أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر.
ظهر موقف الطبقة البرجوازية في القرنين السابع عشر والثامن عشر في دعم مبادئ الدستور ضد الامتيازات التي يتمتع بها الأساقفة والنبلاء، وضد الادعاءات الدينية الحقوقية، مما شكّل دافعاً جزئياً في قيام الثورات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية التي تبعت رغبة البرجوازية في التخلص من التجاوزات الملكية على الحرية الشخصية والالتزامات الإقطاعية المفروضة، وحقوق الملكية والتجارة، حيث استطاعت الطبقة البرجوازية حينها انتزاع الحريات المدنية ، والدينية، والحقوق السياسية بانتصارها جنباً إلى جنب مع الليبرالية المؤيدة لها، وهو ما جعل المجتمع الغربي الحديث مدين بالكثير للفلسفة والأنشطة البرجوازية في شتى جوانبه الثقافية والسياسية.
توسّعت الطبقة البرجوازية بشكل كبير بعد حدوث الثورة الصناعية، ممّا جعل الخلافات واضحةً داخل تلك الطبقة، لا سيما بين البرجوازيين الصغار كالعمال والتجار، والبرجوازيين الكبار كالمصرفيين والصناعيين؛ إذ لجأ البرجوازيون الأصليون -الرأسماليون- إلى الارتباط بطبقة علوية موسعة مع حلول نهاية القرن التاسع عشر، في حين أدى ظهور المهن التقنية والتكنولوجية إلى توجيه البرجوازية للارتباط مع الطبقات الدُنيا من المجتمع، مما يُفيد بأنّ الطبقة البرجوازية تطورت تاريخياً مروراً بمرحلتين؛ فقد ظهرت في المرحلة الأولى كطبقة داخل النظام الإقطاعي القائم على أساس رأس المال، والتداولات المالية، أمّا في المرحلة الثانية فظهرت بعد إسقاط النظام الإقطاعي كداعم لإقامة العلاقات الملكية للرأسمالية وتدعيمها، مما ساعد على التوسع كعاصمة صناعية لصالح صناديق الاستثمار الأجنبية.
البرجوازية والماركسية
يرى الفيلسوف كارل ماركس أنّ البرجوازية طبقة قمعية تتحكم في وسائل إنتاج الموارد الطبيعية، والمصانع، والمطاحن، فيما تُطبق قبضتها على الثروة حيث تعتبرها البرجوازية من أهم الجوانب إن لم يكن أكثرها أهمية، الأمر الذي دفعها لاستغلالها في تشغيل البروليتاريين في وظائف ذات أجور قليلة، مما يعني استخدام أدوات الرأسمالية المسؤولة عن نقل السلطة والثروة نحو الأعلى بدلاً من وضعها في يد الجماهير مما يعني أنّ لُبّ عداء ماركس للبرجوازية يكمن في جانبين أحدهما عملي يتمثل في التقسيم الطبقي الناشئ عن احتكار وسائل الإنتاج وما يؤديه من تحكم في الطبقة التي تنتنج هذه البضائع، والآخر أخلاقي يكمن في رؤى البرجوازية ومبادئها، وهو ما دفعه لرؤية البرجوازية كطبقة قمعية تسعى لتدمير الثورة العمّالية.
البرجوازية و الرأسمالية
لقد ارتقى النظام الرأسمالي ليزيد من إنتاج السلع على نطاق كبير من أجل زيادة الربح، لا سيما بعد حدوث تطورات صناعية في غرب أوروبا في أوائل القرن السادس عشر، إذ ارتفع الإنتاج الرأسمالي إلى التصنيع من بعد كونه تعاوناً بسيطاً، وتطوّر من كونه محصوراً في الآلات الأساسية ليتعداه إلى الآلات المعقدة، حيث ازدهر هذا النوع من الإنتاج بوصول تداول السلع والإنتاج إلى مرحلة أدت إلى حدوث تفكك المجتمع الإقطاعي وانفصال القوى العاملة عن عملية الإنتاج وانخفاض الإنتاج إلى مستويات صغيرة، وترتكز نسبة عالية من الإنتاج الاجتماعي ووسائل الإنتاج كرأسمال في أيدي قطاع أصغر من المجتمع؛ كأصحاب الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال، وقد ظهرت المِلكية الخاصة لوسائل الإنتاج من قبل كبار مُلّاك الأراضي والرأسماليين، لتصبح القوى العاملة مجرد سلعة، ويصبح العمال عبيداً يتقاضون الأجر.
أدّى ظهور الثورة الصناعية إلى استبدال الطبقة الصناعية المتوسطة بالبرجوازية الحديثة التي تتمتع بالسيطرة والنفوذ، وبذلك قُسِّم المجتمع بشكل تلقائي إلى فئة الطبقة العاملة، وفئة البرجوازيين، حيث حلَّ هذا التقسيم محل كافة الإنقسامات السابقة، وانتشرت البرجوازية في كافة أنحاء العالم من خلال تداول السلع للوصول إلى مواد خام وأسواق جديدة بالمقابل دفعت البرجوازية كافة الدول إلى التواصل مع دائرة التنمية والاستغلال الرأسمالي بهدف خلق السوق العالمي الرأسمالي.
أنواع البرجوازية
حسب مجال استثمار رأس المال
تُصنَّف البرجوازية تبعاً لوسائل الإنتاج ونوع رأس المال إلى عدة أنواع وفقاً للآتي:
- البرجوازية الصناعية: لقد ظهرت البرجوازية الصناعية (بالإنجليزية: The industrial bourgeoisie) كطبقة اجتماعية حديثة مع بداية ظهور التصنيع، إذ لم تقم الثورة الصناعية على أساس ظهور التقدم التكنولوجي فقط، بل ظهرت بفعل زيادة الإنتاج الذي أدى بدوره إلى زيادة التبادل التجاري، واستثمار وسائل الإنتاج ، وضمان تنظيم عملية الإنتاج الفعلي وتحمل مسؤوليته، كما لم ينشأ هذا النوع من البرجوازية إلّا في المراكز الصناعية الرائدة، ويُشار إلى أنّها اعتمدت على الصناعات الغذائية، والصناعات الخفيفة بشكل أساسي.
- البرجوازية التجاريّة: ارتبط ظهور البرجوازية التجارية (بالإنجليزية: commercial bourgeoisie) بعملية تصدير المواد الأولية، والمنتجات الزراعيّة إذ إنّ قوة البرجوازيين التجاريين والمُلّاك قد أحدثت إعاقة في نقل هذه الموارد من الزراعة إلى الصناعة.
- البرجوازية الزراعية: ارتبط ظهور البرجوازية الزراعيّة (بالإنجليزية: agricultural bourgeoisie) باستئجار الأراضي الزراعيّة من أجل إنتاج سلع للسوق وجني الربح منها، إذ لوحظ وجود عدد كبير من المزارعين الصغار الذين يتعرضون لعملية الابتزاز في شروط استئجار الأراضي الزراعية الصغيرة من مالكي الأراضي الزراعية الكبار.
- البرجوازية المصرفيّة: ارتبط ظهور البرجوازية المصرفيّة (بالإنجليزية: the banking bourgeoisie) بإجراءات التسهيل المصرفي، وعمليات إقراض المال.
حسب حجم رأس المال
يمكن تقسيم البرجوازية تبعاً لحجم رأس المال المملوك وفقاً للآتي:
- البرجوازية الوسطى والكبرى: تشمل البرجوازية الوسطى (بالإنجليزية: the medium-sized bourgeoisie) الأشخاص الذين يملكون رؤوس أموال متوسطة؛ سواء أكانت تجارية، أم صناعية، أم مالية حيث لقّب الفيلسوف غرامشي على هذه الفئة بالمثقفين؛ لما حازوه من رتبٍ متوسطةٍ في أجهزة الدولة، ومهن تُعتبر من ضمن مهامهم وفعاليتهم الإدارية والثقافية، إذ يُشترط الحفاظ على قوة هذه الطبقة وهيمنتها؛ لتكون جزءاً من المجتمع المدني، أمّا البرجوازية الكبرى ( بالإنجليزية: the big bourgeoisie) فهي على نقيض الوسطى حيث تضم كبار رؤوس الأموال بكافة أشكالهم، بما في ذلك قمة جهاز الدولة، وتتكون هذه الفئة كحد أقصى من بضع عشرات الآلاف.
- البرجوازية الصغرى: يصعب تعريف البرجوازية الصغرى (بالإنجليزية: The petty bourgeoisie) للتغيُّر الدائم فيمن تشتمل عليه من أصحاب المهن المتنوعة، فقد تشكلت في القرن الثامن عشر من أصحاب المتاجر والحرفيين، ومن الموظفين المدنيين ذوي الرتب المتوسطة والدنيا والعمال ذوي الياقات البيضاء -الذين يشغلون مناصب مكتبية- في القرن التاسع عشر والقرن العشرين مما جعلها حصرها في إطار واضح ومحدد أمراً صعباً على ناظره.
مفهوم البرجوازية الوطنية
تُعرّف البرجوازية الوطنية (بالإنجليزية: the national bourgeoisie) بأنّها البرجوازية الأصلية التي تقوم بمصالحها وأنشطتها بطريقة مختلفة عن أنشطة الاستعمار، حيث يُنظر إليها كبرجوازية صناعية لا تجارية، فهي تعتني بالاقتصاد الوطني، وتطويره بما يخدم مصلحة الأسواق الوطنية ويحميها من سيطرة الاستعمار والقيود الإقطاعية الداخلية، مما يصورها كحليف للفلاحين والعاملين ضد الاستعمار.
البرجوازية وعلاقتها بالفاشية والنازية
لقد ظهرت علاقة النازية الجيدة مع الطبقة البرجوازية، إذ أظهرت الطبقة البرجوازية تسامحها تجاه بعض التغييرات التي حدثت في ألمانيا والتي تستدعي حماية مصالحها والحفاظ على حكمها، إذ أقرَّ عالم السياسة رالف ميليباد بأنّ الأعمال التجارية كانت تخضع لتدخل وسيطرة كبيرة من قبل الفاشية مقارنة مع تدخل الدولة وسيطرتها، على الرغم من عدم قبول سياسية الدولة الاجتماعية والاقتصادية الموجودة، ومع هذا فإنّ النازية كانت مهتمة بتحقيق مصالح البرجوازية.
كان للبرجوازية أثر في نجاح النازية، حيث أشار المؤرخ والمؤلف توماس تشايلدرز إلى وجود اتفاق جماعي حول عضوية الحزب النازي والتركيب الاجتماعي له، إذ تتركز جهود الحزب حول الطبقة الوسطى الأدنى من أصحاب المتاجر، والحرفيين المستقلين، والمسؤوليين القاصرين، والفلاحين حيث شعروا بمدى محاصرتهم من قبل العمالة المنظمة، والشركات الكبيرة؛ فلجأوا إلى النازية خوفاً من عواقب ذلك، واستياء من حالتهم. كما يُشار إلى دور للنازيين -في المقابل- في إعادة الطبقة البرجوازية إلى النظام والقانون؛ من خلال إخراجهم من الأزمات السياسية والاقتصادية التي وقعوا فيها، وفي التخلّي عن مناهضة الرأسمالية في خطاباتهم، أمّا الفاشيون فقد قدّموا للطبقة الرأسمالية المنكوبة قاعدة جماهيرية كبيرة من البرجوازية الصغيرة المنظمة سياسياً، والتي كانت تسعى إلى تفكيك منظمات البروليتارية الاشتراكية الناشئة، مما يُشير إلى نشوء الحركة الفاشيّة كممارسة عملية للبرجوازية الإمبريالية المهددة من قبل الثورة البروليتارية، حيث يمكن اعتبارها أداة لها غايتها سحق الثورة وتعزيز سلطة رأس المال.