حكم الزواج العرفي
حكم الزواج العُرفيّ
حالة اكتمال الشروط والأركان مع عدم التوثيق
اختلف الفقهاء في حُكم الزواج العُرفيّ المُستكمل للشروط والأركان الشرعيّة؛ إلّا أنّه فاقدٌ للتوثيق الرسميّ، واختلافهم على ثلاثة أقوالٍ بيانها كما يأتي:
- القول الأوّل: إنّه زواجٌ جائزٌ وصحيحٌ، وهو زواجٌ شرعيٌّ؛ وإن لم يُسجّل في وثيقةٍ رسميّةٍ؛ حيث إنّ عدم توثيقه رسميّاً لا يضرّ بصحّة العقد؛ إلّا أنّ الأفضل توثيقه؛ لِصيانة حقوق كِلا الزوجيْن، وتترتّب عليه أحكام الزواج ، وحقوقه، وآثاره الشّرعيّة، وقال بهذا القول أغلب العلماء؛ كالشّيخ حسنين مخلوف، والشّيخ صالح بن فوزان، والشّيخ يوسف القرضاويّ، وغيرهم، واستدلّوا على ذلك بأنّه زواجٌ مستوفٍ للأركان والشّروط ، وهذا كان موجوداً عند المسلمين قبل ظهور التوثيقات الرسميّة، وأنّ التوثيق الرسميّ إنّما جاء لحفظ الحقوق بين الطّرفين؛ فهو ليس من أركان وشروط العقد؛ فالدِّين الإسلاميّ جعل حضور الشّهود من شروط العقد.
- القول الثاني: إنّه زواجٌ غير جائزٍ ومُحرّمٍ، وذهب إلى هذا القول الشّيخ نصر فريد واصل، والشّيخ محمّد صفوت نور الدين، وغيرهما، واستدلّوا على ذلك بأنّه زواجٌ سرّيٌّ؛ وذلك لعدم وجود الشّهود؛ إذ إنّهم من شروط الزواج الصحيح، ولِانعدام الإعلان والإشهار؛ فلهذا هو سرّيٌّ محرّمٌ.
- القول الثالث: إنّه زواجٌ صحيحٌ مع ترتّب الإثم؛ فهو زواجٌ صحيحٌ؛ إلّا أنّه يأثم مَن يتزوّج به؛ فإذا أوجب وليّ الأمر توثيق عقود الزواج رسميّاً، ومنع الزواج الغير موثَقٍ؛ وجبت طاعته، وهذا ما ذهب إليه الشّيخ محمّد سيّد طنطاوي، واستدلّوا على ذلك لكونه زواجاً سريّاً؛ لعدم الشّهادة، والإشهار، ولأنّه فيه عصيانٌ لوليّ الأمر؛ لعدم توثيقه.
وبناءً على ما سبق فإنّ الزواج العُرفيّ هو زواجٌ شرعيٌّ صحيحٌ؛ لاستيفائه الشروط والأركان الشرعيّة؛ يُؤدي إلى الغرض الذي أُنشِئ لأجله، كالزواج الشّرعيّ ؛ إلّا أنّه يفرُق عنه بعدم توثيقه بوثيقةٍ رسميةٍ.
حالة عدم اكتمال الشروط والأركان وعدم التوثيق
ذهب عامّة علماء المسلمين إلى بُطلان الزّواج العُرفي الذي لم تكتمل فيه الشروط والأركان أو فَقَدَ أحدهما، ولم يوثَّق بوثيقةٍ رسميةٍ كذلك، ويجب فسخ العقد في الحال، والمُفارقة بين الزوجين؛ لعدم جواز الدخول بالمرأة في العقد الباطل، فإن حصل الدخول كان ذلك معصيةً، ولا يثبُت بهذا الدخول عدّةٌ ، ولا إرثٌ، ولا نفقةٌ، ولا أيّ شيءٍ من الحقوق والواجبات الزوجيّة؛ إلّا أنّ الفقهاء اختلفوا في ثبوت النَّسب؛ فيثبت إن كان قد دخل الزّوج بالزوجة وحصل حملٌ؛ واختلفوا كذلك في حُرمة المُصاهرة؛ فذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم ثبوته، وذهب الحنفيّة إلى ثبوته، ولا بُدّ من تصحيح العقد وتجديده حسب الضوابط الشّرعيّة؛ من استكمال ما فقد من أركانٍ وشروطٍ، ويجوز للمرأة الزواج برجلٍ آخرٍ؛ بعد مفارقتها للزوج الأوّل، وعدم الرجوع إليه؛ بشرط التأكّد من براءة الرّحم، فمتى ما انتهت عدّتها؛ جاز لها أن تتزوّج، وفيما يأتي بيان بعض الشّروط التي يجب أن تتوفّر؛ حتى يكون العقد صحيحاً:
- مُوافقة الوليّ؛ تُشترط موافقة وليّ الأمر على الزواج؛ وذلك لِما ورد في القرآن الكريم والسّنّة النبويّة ممّا يدلّ على ذلك؛ فقد قال الله -عزّ وجلّ-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)، وقال أيضاً: (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا)، وهذا توجيهٌ يخاطب أولياء الأمور في نكاح النّساء، وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ)، وقال أيضاً: (أيُّما امرأةٍ نكَحَتْ بغيرِ إذنِ وليِّها ، فنكاحُها باطِلٌ ، فنكاحُها باطِلٌ ، فنكاحُها باطِلٌ).
- الإشهاد والإشهار في عقد الزّواج؛ يُشترط لصّحة عقد الزواج وجود شاهدَيْن، وإعلان الزواج وإشهاره؛ فإن خلا العقد من الشهادة والإشهار فهو عقدٌ باطلٌ غير صحيحٍ؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ وشاهدَيْ عَدلٍ وما كان مِن نكاحٍ على غيرِ ذلك فهو باطلٌ).
- موافقة الإيجاب والقبول.
- اتّحاد مجلس الإيجاب والقبول.
الآثار الاجتماعيّة المترتّبة على الزواج العُرفيّ
تتعدّد آثار الزواج العرفيّ الاجتماعيّة وتختلف في كثيرٍ من الأحيان؛ منها:
- تضييع الكثير من حقوق الزوجة والذريّة؛ فإنّ الزواج بطبيعة الحال تترتّب عليه حقوقٌ وواجباتٌ؛ أمّا إن كان عُرفيّاً؛ فإنّه يؤدّي إلى فقدان تلك الحقوق، فهو غير معترفٍ به رسميّاً، كما أنّ الأولاد يحتاجون للتربية والمعونة وأداء حقوقهم؛ فيٌهضَم حقّهم في الزواج العرفيّ بإنكار الزّوج له أو بغيابه عنهم، كما أنّ الزوجة تكون عاجزةً من أن تتمثّل للمحكمة الشّرعيّة للتفريق، وللمطالبة بحقّها وحقّ أولادها.
- حرمان الأولاد من الحياة في كنف الوالدَيْن وفي رعايتهم؛ فلا معاني للمودّة والرحمة والسكينة في الزواج العرفيّ، وبذلك تغيب مقاصد الشّرع من الزواج العرفيّ.
- تفكّك بُنية المجتمع؛ فقد يولد الأخ دون أن يُعرف أباه، أو أخاه، أو أمّه.
- انتشار القدوات السيّئة بين الشباب والفتيات في مثل الزواج العُرفيّ.
- حصول الكثير من المخالفات؛ مخالفةٌ لأمر الشّارع، ثمّ لأمر الحاكم؛ إذ واجب الاتّباع والطّاعة والسمع في غير معصية الله -عزّ وجلّ-.
- الانفصال بين الزّوجين حال حصول مشاكل بين الزوجين؛ فلا يوجد هناك طلاقٌ إلا بعد زواجٍ معترفٍ به رسميّاً.
وتتشكلّ آثار الزّوا العُرفيّ السيئة على المجتمع الإسلاميّ في محورَيْن أساسيَيْن؛ هما:
- كثرة الإشكالات التي تكون قبل الزواج من عدم توثيقه، فقد ينفي بكُلّ سهولةٍ أحد الزوجَيْن أنّه متزوجٌ من الآخر؛ ممّا يؤدّي إلى عدم إثبات عقد الزوجيّة بأي شكلٍّ من الأشكال.
- الحالة السريّة التي تسبق وتلي الزواج العرفيّ، فالأصل في الزواج الإشهار والشهود وغيره، لكنّ غياب هذه الشروط يؤدّي إلى كتمان الزواج وإخفائه؛ ممّا يشكّل العديد من العوائد السلبيّة على كلا الزوجَيْن، وعلى ما ينتج عنهما من أولاد، فهاك ضياعهم وتشتّتهم وفسادهم بعدم التربيّة.
المقصود بالزواج العُرفيّ
عرّف الفقهاء الزواج العُرفيّ بتعريفاتٍ متعدّدةٍ، وبعباراتٍ مختلفةٍ؛ إلّا أنّها كُلّها تجتمع على أنّ للزواج العُرفيّ صورَتَيْن، وهما كالآتي:
- الصّورة الأولى: أنّ الزواج العُرفيّ هو عقد نكاحٍ بين رجلٍ وامرأةٍ، مُستكمِلاً للأركان والشّروط المُعتبرة شرعاً في صحّة العقد؛ إلّا أنّه غير مُوثَقٍ بوثيقةٍ رسميّةٍ؛ سواءً كان مكتوباً أو غير مكتوبٍ.
- الصّورة الثانية: أنّه العقد الذي يتمّ بين الرجل والمرأة دون أن يحضره شهودٌ ولا وليٌّ، ودون أن يُعلَن عنه، وهو باطلٌ؛ لِفَقْده شروط صحّة العقد ، وهو ما يُسمّى كذلك بالزّواج السّرّي.