رحلة الإسراء والمعراج
رحلة الاسراء والمعراج وموعدها
كلمة الإسراء في اللُّغة مأخوذةٌ من المصدر أسرى، وهي مأخوذةٌ من السرى؛ أي السير ليلاً، فيُقال: أسرى وسرى إذا سار في الليل، وأمّا المعراج فهو مصدر مفعال من العُروج؛ أي الصُّعود، ويُعرّف الإسراء في الاصطلاح الشرعي: بأنّهُ الانتقال بالنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من المسجد الحرام في مكَّة إلى المسجد الأقصى في القُدس في جزءٍ من الليل، ثُمّ رُجوعه، وأمّا المعراج: فهو صعوده من بيت المقدس إلى السّماوات السّبع وما فوقها، ثُمّ رُجوعه في جُزءٍ من الليل، وثبت ذلك في قولهِ -تعالى-: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وكانت هذه الرِّحلة بَصُحبة المَلَك جبريل -عليه السلام- ، ووقعت هاتين الرِّحلتين في المشهور من أقوال العُلماء في ليلة السّابع والعشرين من شهر رجب من السّنة الثانيّة عشرة من بِعثة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وذهب جُمهور عُلماء الحديث والفُقهاء أنّها كانت في اليقظة، وبالرُّوحِ والجسد معاً، وهو قول الإمام ابنُ حجر في شرحهِ لصحيح البُخاريّ .
معجزة الإسراء والمعراج
تعدّ حادثة الإسراء والمعراج من المُعجزات الحِسّيّة الماديّة الدّالة على صدق النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وآيةً تدُلُّ على تشريفه وتكريمه وتعظيمه، وقد أفردها الله -تعالى- بنصٍ صريح للدلالة عليها وإثباتها بقوله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وهذه المُعجزة لم يُعطها الله -تعالى- لأيّ نبيّ من الأنبياء قبل محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، فهي من المُعجزات الربانيّة للنبيّ محمد، وتضمّنت من خلالها مُعجزاتٌ أُخرى؛ كالبُراق، ولِقاء الأنبياء وترحيبهم به، وغير ذلك من المشاهد، ومن الدلالات الواردة في آية الإسراء ما يأتي:
- قطع المسافات البعيدة، والصُّعود إلى السَّماوات في مُدّةٍ قصيرةٍ.
- قيام الرِّحلة على أُصولٍ ثلاثة؛ وهي التَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير، وهي الأُسس التي قامت عليها الصّلاة، والتي فُرضت في تلك الليلة.
- وصف الله -تعالى- لنبيّه ومُناداته بالعبد والعُبوديّة؛ للدلالة على عُبوديّته المُطلقة والخالصة له.
- بيانُ أنَّ المعجزة كانت في الليل؛ وهو وقتٌ يُناسبُ الغيب، وفيه خلوة القلب مع خالقه، وفيه دلالةٌ على أنّ الرحلة والرؤية فيها كانت بنور الله -تعالى- وليس بشيءٍ آخر؛ كضوء الشَّمس أو القمر.
- البدء بالمسجد الحرام؛ لأنَّه مقرُّ شريعةِ إبراهيم -عليه السلام-، ثُمّ المسجد الأقصى ؛ لأنّه مقرُّ شرائع بني إسرائيل ووحيهم، وفيه دلالةٌ على كمال الشريعة المُحمدية، وجمعهِ بينهُما في الصّلاة.
- لفظ الأقصى في الآية؛ أي الأبعد، فهو الأبعد من جهة الشّام، فبارك الله -تعالى- حوله، ورأى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في تلك الليلة الكثير من المشاهدِ والآيات.
أحداث الإسراء من مكة
ذكر الإمام البُخاريّ بداية رحلة الإسراء، فقد روى أن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- كان مُستلقياً في بيت أُمّ هانئ، فانفرج سقفُ البيت، ونزل منه مَلَكان على هيئة الرِجال، وأخذاه إلى الحطيم، وشقَّا صدره، وأخرجا قلبه وغسلاه بماءِ زمزم، وملآه إيماناً وحِكمةً، وعلّق الحافظ ابن حجر على ذلك فقال: "وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك".
ثُمّ جاءهُ جبريل -عليه السلام- بدابّةٍ يُقالُ لها البُراق، وصفاتها: أنّها دابّةٌ بلونٍ أبيض طويل، أكبر الحمار وأصغر من البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى بيت المقدس، وربطه بحلقة المسجد ودخل وصلّى ركعتين. وسُمّيت الدابّةُ بِالبُراق؛ لأنَّ سُرعتها كالبرق، وقيل: لأنَّ لها بريقاً، وبعد أن صلّى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ركعتين في المسجد الأقصى، وجد الأنبياء وقد صفُّوا خلفه في صُفوفٍ، فصفَّ معهم، فقدَّمه جبريل -عليه السلام- ليكون إماماً لهم، وخرج بعدها، فجاءهُ جبريل -عليه السلام- بإناءَيْن؛ أحدهما من خمرٍ، والآخر من لبنٍ، فاختار النبيّ اللبن، فقال له جبريل: "اخترت الفِطرة".
أحداث المعراج من المسجد الأقصى
بدأت رحلة المِعراج بِصُعود النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من المسجد الأقصى إلى السّماء، فاستفتح جبريل -عليه السلام-، فَفُتح له، فرأى في السّماء الأولى آدم -عليه السلام- فرحّب بالنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ودعا له بالخير، ورأى في السّماء الثانية عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا -عليهما السلام-، وفي السّماء الثالثة يوسف -عليه السلام-د، وفي السماء الرّابعة إدريس -عليه السلام-.
ورأى في السّماء الخامسة هارون بن عمران -عليه السلام-، وفي السّماء السادسة موسى بن عمران -عليه السلام-، فبكى موسى ، فسألوه عن سبب بُكائه، فقال: "أبكي لأنّ غلاما بُعِثَ من بعدي يدخل الجنَّة من أمّته أكثر مما يدخلها من أمّتي"، ولقيَ في السّماء السّابعة إبراهيم -عليه السلام-، وجميعاً سلّموا عليه ورحّبوا به، وأقرّوا بنبوَّته، ودعوا له بالخير، ثُمّ رُفع إلى سدرة المُنتهى، ثُمّ إلى البيت المعمور، ثُمّ إلى الله -تعالى-، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله -تعالى- له بالصّلاة، وكانت في بدايتها خمسين، حتى إذا وصل إلى موسى، وأخبره بأنَّ أُمّته لا تُطيقها، وأمره بالرجوع إلى الله -تعالى- ليسأله أن يُخفّف عنهم، فبقي يُراجعهُ حتى جعلها خمساً بأجر خمسين.
وذُكر في بيان المعراج أنّهُ سُلّمٌ للصُعود، فصعد النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عليه وسلّم على الأنبياء ، ثُمّ صعد حتى سمع صوت صريف الأقلام عند كتابتها للقدر، ورأى جبريل -عليه السلام- على هيئته وصورته الحقيقية، وله ستُّ مئة جناحٍ، ورأى البيت المعمور، يدخله كلّ يومٍ سبعون ألفا من الملائكة يتعبَّدون فيه، ثم لا يعودون منه إلى يوم القيامة، كما رأى الجنَّة والنّار، وتعددت أقوال العُلماء في رؤيته للأنبياء بأجسادهم وأرواحهم، أم بأرواحهم فقط، فقال البعض إنّه لَقِيهم بروحهم وجسدهم، ويرى الآخرون أنَّه رآهم بروحهم فقط إلّا عيسى -عليه السلام-؛ لأنّه رُفع إلى السّماء بروحه وجسده، وقد قال ابن القيّم -رحمه الله-: "إن أرواح الأنبياء مستقرة في السماء، ولكن لها إشراف على البدن في الأرض وإشراق وتعلق"، بدليل رؤية النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لموسى في قبره عند الكثيب الأحمر قائِمٌ يُصلي.
أهمية رحلة الإسراء والمعراج
أهمية رحلة الإسراء والمعراج للنبي عليه السلام
كان لرحلة الإسراء والمعراج أهميّةٌ كبيرةٌ بالنسبة للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، بيانها فيما يأتي:
- تعويض النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عن الجفاء الذي عاناه من أهل مكّة، وبشارةً له بنصر الله -تعالى- له، وعدم تخلّيه عنه.
- مواساةً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- فيما حصل له من إيذاءِ أهل الطائف له، فقد عاد من عندهم مهموماً، حزيناً، خائفاً على الدعوة، بالإضافة إلى مواساته من مُقاطعة قُريش له ولأصحابه، حتى أنّهم كانوا يأكلون ورق الشّجر من الجوع.
- مُكافأة الله -تعالى- لنبيّه، ومواساته بعد الحصار الذي استمر ثلاث سنواتٍ، ووفاة عمِّه أبو طالب، وزوجته خديجة -رضي الله عنها-.
- بُرهاناً له -عليه الصلاة والسلام- على القُدرة الربانيّة، والبُرهان المشهود على البداية والنهاية؛ كرؤيته للجنّة والنّار، بالإضافة إلى رؤيته للآيات الكُبرى؛ كرؤية الأنبياء وجبريل -عليهمُ السلام-.
- تكريماً له -عليه الصلاة والسلام-؛ من خلال مؤانسته، وتعريفه بمنزلته عند الله -تعالى-.
- تعويضه عما لحقه من الأذى في سبيل الدعوة، فكانت تأييداً ورحمة من الله له.
- تكريماً له، وضيافةً له على عزيمته وثباته، وكأنَّ الله يُخبره إن تخلَّى عنه أهل الأرض فأهلُ السَّماء يُرحِّبون به.
أهمية رحلة الإسراء والمعراج للمسلمين
هناك أهميّة كبيرة لرحلة الإسراء والمعراج لدى للمُسلمين، منها ما يأتي:
- تشريع الصّلوات الخمس فيها؛ فقد شُرعت لتكون مِعراجاً للمُسلم يرقى بها عن الدُنيا وشهواتها.
- الدلالة على أهميّة المسجد الأقصى المبارك، ومكانته وقُدسيَّته عند الله -تعالى-، فينبغي على المُسلم الحفاظ عليه وحمايته من الأعداء.
- فتنةً للنَّاس، من خلال اختبارهم ومعرفة الصّادق من المُكذِّب، لِقولهِ -تعالى-: (وَما جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتي أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ).
- التفاؤل وعدم اليأس، وأنّ بعد كُلِّ محنةٍ لا بُدَّ من منحةٍ.