ذكرى عيد المولد النبوي
ذكرى عيد المولد النبوي الشريف
تتكرّر ذكرى المولد النبويّ في كل عامٍ في اليوم الثاني عشر من شهرِ ربيعٍ الأول، وقد كان مولده -صلى الله عليه وسلم- مولد خير وبركة للخلق أجمعين، تشرفت فيه الدنيا مبتهجة بمولده، المبعوث رحمة للعالمين.
وكان مولده باتفاق أهل السير في يوم الاثنين من شهر ربيعٍ الأول من عام الفيل، لحديث أبي قتادة الأنصاري عن النبي لمّا سُئِل عن صيام يوم الاثنين، قال: (ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بثعثت).
وقد وُلد رسول الله بجوارِالكعبة الشريفة، في شِعب بني هاشم في الجانب الشرقي لمكة المكرمة، يقول ابن تيمية: "فتعظيم المولد واتخاذه موسماً، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجرٌ عظيم؛ لِحُسن قصدِه وتعظيمِه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وقد رأى بعض العلماء في هذا النص دليلاً على جواز عمل مولد النبي إذا خلا من المنكرات؛ لاستحالة أن يصير للعبد أجر عظيم بغير القربات.
شكر الله على نعمة المولد والرسالة
يجب شكر الله -تعالى- علينا بأن أكرمنا برسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يمكن حصره ولا بلوغه، وإن أولى مقامات هذا الشكر والمحبة هو مقام الامتثال والانقياد لأمر الله -تعالى- وأمر رسوله، واجتناب نواهيه والحذر من معصيته، لقوله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
كما أنّ تجديد مواسم الفرح بنعم الله -تعالى- وفضله على خلقه يدل على الإقرار بهذا الفضل والنعمة، وهو أمر من الله -تعالى- لعباده بتكرار هذه المواسم وتعاهُدها، قال الله -تعالى-: (قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا).
وقد بين -تعالى- أن نفحاته في الأيام العظيمة تستوجب الصّبر على الطاعة، وكثرة الذكر والشكر له -سبحانه-، قال -تعالى-: (وَذَكِّرهُم بِأَيّامِ اللَّـهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ) ، وقال -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ونعمة مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تقارنها نعمة.
محبة النبي في الكتاب والسنة
إنّ محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصل من أصول الإيمان؛ لأنّ المحبة القلبية هي أُولى علامات الإقرار والاعتراف بفضل المحبوب ودليل على مكانته في قلب المُحب.
ومن هنا جاء قول الرسول الكريم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ)، ف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المعصوم الذي يتعلق فلاحنا ونجاتنا باتباعه، فيجب أن تغلب محبته محبة كل أحدٍ من الخلق، حتى لو كان الوالد أو الابن الذين فطر الله الخلق على محبتهما.
وهذه المحبّة ما هي إلا ردٌّ لبعض الجميل، نقابل به فضلَ رسول -صلى الله عليه وسلم- علينا؛ لأنه بذل من جهده وراحته ما يعجز عنه أصبر الرجال، وحرص على مصير أمته وتبليغها رسالة ربها، قال -تعالى-: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ) .
مظاهر إحياء ذكرى المولد النبوي
هناك عدّة مظاهر لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف ومنها مايأتي:
- زيادة ذكر رسول الله والإكثار من الصّلاة عليه
والفرح به -صلى الله عليه وسلم-، فقد شرَّف الله -تعالى- بعض أنبيائه وزكّى يوم ولادتهم، فقال على لسان نبيه عيسى -عليه السلام-: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ) ، وقال يوم مولد سيدنا يَحيى: (وََسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ) .
- اجتماع النّاس في بيوت الله
وذلك بتلاوة القرآن، وفصول السيرة النبوية، عن أبي سعيد الخدري عن معاوية -رضي الله عنه- قال: (إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي، أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ).
- التصدُّق والإحسان إلى الفُقراء
لعموم جواز هذا الأصل في قوله -تعالى- في مدح عباده المقربين: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) .
- توزيع الحلوى
وإظهار بعض شعارات الاحتفال بالمولد؛ لاندراجها تحت الدليل العام لتعظيم شعائر الله، والفرح برسوله -صلى الله عليه وسلم-.
- إنشاد أشعار المديح والتوقير والمحبة لرسول الله
ثبت عن حسان بن ثابت -رضي الله عنه- قال: (مَرَّ عُمَرُ في المَسْجِدِ وحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وفيهِ مَن هو خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ التَفَتَ إلى أبِي هُرَيْرَةَ، فَقالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، أسَمِعْتَ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: (أجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ؟) قالَ: نَعَمْ).
فوائد إحياء ذكرى المولد النبوي
هناك العديد من الفوائد في إحياء ذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها ما يأتي:
- تثبيت الإيمان وترسيخه في القلوب
لقوله -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ).
- تعظيم شعائر الله
من خلال إحياء مواسم الذكر والطاعة، واجتماع الناس عليها، واشتغالهم بها تقرباً إلى الله -تعالى- وتهذيباً لسلوكهم وتزكية لنفوسهم.
- إشاعة مجريات السيرة النبوية العطرة بين الناس
وتذكيرهم بالشمائل العظيمة والأخلاق الكريمة، والخصال الجليلة للمصطفى وأهمية الاقتداء بها.
- الحث على إعلاء السنة النبوية ومكانتها بين الناس
وإنّ كل محبّة وطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- هي طاعة -لله عز وجل- واتِّباع لأمره.
- التزام أوامر الشريعة بتجديد أيام الفرح وتعظيمها
وإغفال مواسم الحزن وتجاوزها، لما في ذلك من بثٍّ للتفاؤل والخير والبشرى بين الناس.