حقوق الجسد علينا
حق الجسد في الإسلام
فضَّل الله الإنسان على جميع مخلوقاتهِ، وخلقه بأحسن صورةٍ وخِلقة، وأمره أن يحافظ على جسده، وكلَّفه بتلبية حاجات هذا الجسد ورغباتهِ، وبيَّن أنَّه أمانة يجب المحافظةُ عليها، وسيُسأل عن هذه الأمانة يوم القيامة ، فإن أدّاها وصانها فقد فاز برضا الله وفاز بجنتهِ.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتَّى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه)
ويُعتبر اهتمام الإسلام بحق الجسد دليلاً واضحاً على شمولية الدين الإسلامي، فقد شرع الله عز وجل ما يتناسب مع القدرات البشرية؛ ليقوم الإنسان بالوظيفة التي خُلق من أجلها وهي العبادة وإعمار الأرض. فحثّ المسلم على العناية بالجسدِ، وجعل العناية بالجسد باباً ينال به الأجرَ والثوابَ من الله سبحانه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ)، ففي الحديث دلالةٌ على أنَّ الخيرية بين المؤمنين تكون لمن لديهِ القوة وإن كان الخير في كل المؤمنين، ذلك أنَّ الأقوياء فقط هم القادرون على القيامِ بالواجباتِ والتكاليفِ المطلوبةِ منهم، فيتحقق الهدف، ويزدهر المجتمع، وتزداد قوة الأمة.
حقوق الجسد علينا
بيّن الدين الإسلامي الحنيف جُملةً من الأمورِ الواجب على المسلمِ مراعاتها، والحرص عليها، واعتبرها حقوقاً، لجسد المسلم منها:
- من حق الجسد على العبدِ المسلم العناية بطعامهِ وشرابهِ، فلا يُدخل عليه ما يُؤذيه، ولا يُدخل عليه إلا المقدار المناسب له من الطعام. للحديث الذي رواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلُثٌ لطعامِه، و ثُلُثٌ لشرابِه، و ثُلُثٌ لنفَسِه).
- المحافظة على نظافته والعناية به، وتحري أسباب الوقاية من الأمراض التي قد تُصيبه إن أهمل جسده، ولم يعتنِ به، وبنظافته. روى أبو هريرة عن النَّبي - عليه الصلاة والسلام - قال: (منْ كان له شعرٌ فليُكْرمهُ).وروى عبد الله بن عباس فقال: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال طَهِّروا هذه الأجسادَ طهَّرَكم اللهُ فإنَّه ليس مِن عبدٍ يبيتُ طاهرًا إلَّا بات معه في شِعارِه مَلَكٌ لا ينقلِبُ ساعةً مِنَ اللَّيلِ إلَّا قال اللهمَّ اغفِرْ لعبدِك فإنَّه بات طاهرًا).
- الاهتمام براحته، وعدم تحميل الجسد ما لا يقوى عليه، حتى إن كان ذلك عبادة يفعلها المسلم تقرّباً لله تعالى لنيل رضاه، والفوز بجنته سبحانه. فعلى المسلم الموازنة بين راحة الجسد، وواجب العبادة من صومٍ، وصلاةٍ، وقيام ليلٍ. وغيرها من العبادات، كي لا يُصاب الجسد بالمرض أو الهزال، فيعجز عن القيام بما عليه من واجباتٍ دينيةٍ أو دنيوية. عن عبد الله بن عمرو قال: (قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عبدَ اللهِ، ألم أُخبَرْ أنك تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ. فقُلْتُ: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: فلا تَفعَلْ، صُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإن لجسدِك عليك حقًّا، وإن لعينِك عليك حقًّا، وإن لزَوجِك عليك حقًّا، وإن لزَورِك عليك حقًّا، وإن بحَسْبِك أن تصومَ كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، فإن لك بكلِّ حسنةٍ عشْرَ أمثالِها، فإن ذلك صيامُ الدهرِ كلِّه. فشَدَّدْتُ فشُدِّدَ عليَّ. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إني أَجِدَ قوةً؟ قال: فصُمْ صيامَ نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ ولا تَزِدْ عليه. قُلْتُ: وما كان صيامُ نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ؟ قال: نِصفَ الدهرِ. فكان عبدُ اللهِ يقولُ بعدَما كَبِرَ: يا ليتَني قَبِلْتُ رُخصَةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم).
- عدم إرضاء النفس وإشباع الرغبات بالملذات على حساب الجسد وصحته، وإهدار قوته، كالإفراط في المذات المحرمة، كالتدخين وتعاطي المسكرات والمخدرات، وإرهاق الجسد بكثرة السهر بالأعمال الشاقة، لإشباع رغبة جمع المال وتوفيره، فهذا حقٌ من أهم الحقوقِ للجسدِ، فعلى المسلم عدم الإفراط أو التفريط في حق الجسد، والاقتصاد في الأمور كلها. قال رسول الله: (لن يُنجِّيَ أحدًا منكم عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ برحمةٍ، سدِّدوا وقارِبوا، واغدوا وروحوا، وشيءٌ من الدُّلجةِ، والقصدَ القصدَ تبلُغوا).
- من حق الجسد على المسلم فعل ما يقوّيه ويساعده على توفير الطاقة له، كممارسة الرياضة بأنواعها، ومراعاة أنواع الرياضة التي تناسب كل شخص، ليحافظ المسلم على جسده، ويكون بعيداً عن الأمراض والهُزال.
- من أوجه عناية الإسلام بالجسد تحريم بيع الأعضاءِ أو الاتجار بها، وبيَّن الإسلام أنَّ جسد المسلم ملكٌ لله وعلى المسلمِ العناية به، وعدم التفريط فيه، أو الإقدام على فعلٍ يؤدي إلى ضررهِ أو هلاكهِ.
الأدلة الواردة في المحافظة على الجسد
كثيرة هي الآيات الواردة في كتاب الله تعالى التي تحثُّ المسلم على المحافظة على جسدهِ وسلامتهِ مما قد يؤذيهِ، وتحرّم الاعتداء على جسدِ الإنسان، سواءً بالقتلِ، أم بالإيذاء، أم غير ذلك، فتكريمُ الله سبحانه لجسدِ المسلم شامل. ومن هذه الآيات :
- في سورة النساء ، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
- في سورة البقرة، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
- في سورة المائدة، قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ).
- ودعت الآيات الكريمه إلى الاعتناءِ بالصحةِ، وطهارة الجسد، وأخذ ما يناسب الجسد من الطعام والشراب: في سورة البقرة قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وفي سورة الأعراف قال تعالى: (وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ).