ثمرات إصلاح ذات البين
استقامة حياة المجتمع
لقد حثّ الدين الإسلامي بتعليماته السَّمحة، وحرصه على المُنتسبين له، على إصلاح ذات البين، وقد وردت الأدلة الكثيرة على ذلك، ونذكر منها ما جاء في قوله -تعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، وهذا الأمر يعود على المجتمع بالخير الكثير.
ويكون حِصناً من التفكّك المجتمعيّ بين أفراده، ويُقوّي رابطة العلاقات بين الناس، وهو أدعى لحَقْن الدماء، ونبذ عوامل البغض والحقد والتفرقة، كما يُسهم في بناء القيم العظيمة والقضاء على مظاهر الفساد والانحلال الأخلاقيّ، وهذا كلّه يحقق السعادة والطمأنينة والراحة النفسية.
ولقد ذهب أهل العلم بأنّ الإصلاح لا يقتصر على كون الطرفين مُسلميْن، فيجوز الإصلاح بين المسلم والكافر، والظالم والمظلوم، والأقرباء والأصدقاء، والزّوجين عند حصول النِّزاع بينهما، فكله له آثاره بالمحافظة على طمأنينة المجتمع.
الأجر العظيم
إنَّ الأجر المُترتّب على إصلاح ذات البين يفوق أجر الصَّدقة والصلاة والصوم، فقد صحّ عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا أخبرُكم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ)،
وتحويل حال المتخاصمين من الفُرقة والتنازع، إلى الأُلفة والتّحابب يجلب الأجر العظيم، ويُكتب ذلك من باب التصدق بأفضل الصدقات، وأما من سعى بالإفساد فإنّ هذا يُفسد دينه، ويغيّره ويحلقه كما تحلق آلة الشعر الشعر؛ لما فيه من إثارةٍ للعداوات وتشتيتٍ للأمر، وتسليطٍ للأعداء.
ولو قلنا عن الأجر المترتب على الإصلاح بين الزوجين ، لتبيّن لنا مدى أهمية هذا الأمر، فالزوجين هم أساس الأسر، وعلى حُسن علاقتهما تُبنى البيوت، فإزالة الشِّقاق والخصومة وعدم تحقيق ما يريده الشيطان ويسعى إليه، كل هذا له دورٌ في إعمار البيوت، وحماية أفرادها من التّبعثر.
انتشار الألفة والمحبة بين الناس
إنَّ المسارعة في الإصلاح ونزع القطيعة وأسبابها، والبُعد عن الخلاف الطويل، والتعلّق بالتفرقة، له دورٌ هامٌ في تأليف القلوب والخضوع وعدم التكبر، وترقيق القلوب، وإزالة المُنَغِّصات، وتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.
وتتحقّق معاني الأخوة النّابِعة من الإيمان، إذ يقول ـسبحانه-: ﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ﴾، فالمؤمن يحبّ إخوانه، ويتمنّى لهم الخير، ويحرص على منفعتهم وتقديم النصح لهم، ويتعلم من مواقف الخصومة بينه وبينهم، فيتجنّب الكلام المؤذي، ويُرغب بما عند الله من الأجر والثواب.
غرس فضيلة العفو
إنّ الإصلاح بين الناس بالعدل، واتّباع ال أسلوب الحسن والكلام الطيب، يؤدّي إلى زيادة معاني العفو، كما أنّ أساس الإصلاح النفوس السَّمحة التي تجعل من ثماره تحصيل المغفرة، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خير مُعلّمٍ ومرشدٍ لذلك، إذ كان يتولّى أمر المصالحة بين الناس بنفسه، فيخرج إليهم ويرى أمرهم.
وقد ثبت في صحيح البخاري، أن أهل قباء جرت بينهم خُصومةٌ، حتى تراموا بالحجارة، فبلغ ذلك النبي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اذْهَبُوا بنَا نُصْلِحُ بيْنَهُمْ)، والسيرة النبوية معطرةٌ بالعديد من المواقف التي تتجلى فيها معاني الإصلاح وحرصه -صلى الله عليه وسلم- على ممارسة معاني العفو والتّسامح.