كيف يهدي الله قوما
كيف يهدي الله قوماً
كيفية هداية الله العامة للمسلم وغيره
أرسل الله -تعالى- لعباده الرُّسل ليبلّغوهم دعوته، ويبيِّنوا لهم طريق الهُدى ويرشدوهم إليه، فالغاية الأساسية التي أرسل الله -تعالى- رُسُلَهُ من أجلها هي هداية النَّاس إلى توحيده -تبارك وتعالى- وحده، حيث قال -تعالى-: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ)، ولإخراجهم من الضَّلال والكفر إلى الإيمان والهدى، ثمّ هداهم الله -عزَّ وجل- فأنزل الكتب، واختتمها بالقرآن الكريم الذي جعله الله -تعالى- هدىً ورحمةً لمن اتَّبعه وآمن به، وهو الكتاب المعين على الثَّبات على طاعة الله -تبارك وتعالى- واجتناب معاصيه، ولا بد من الإشارة إلى أنَّ الهداية تنقسم إلى أنواع، نوردها فيما يأتي:
- النَّوع الأوَّل: الهداية العامَّة: وتكون لجميع المخلوقات في الكون كُلِّه، فالله -تبارك وتعالى- خلق الكون وهداه سبيله وسخَّره، وقد ورد هذا في قوله -تعالى- في سورة الأعلى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى).
- النَّوع الثَّاني: هداية البيان والإرشاد: حيث أنزل الله -عزَّ وجل- الأنبياء والرُّسُل وأيَّدهم بالآيات والكتب والمعجزات؛ لهداية النَّاس وإخراجهم من ظُلمة الكُفر والشِّرك إلى نور الإيمان والهداية، حيث قال الله -تعالى- لرسوله -صلّى الله عليه وسلّم- في سورة الشورى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
- النَّوع الثَّالث: الهداية التوفيقيّة: وهي خاصَّة بالله -سبحانه وتعالى-، حيث يُوَفِّق العبد إلى طريق الهداية والصَّلاح، فالله -تعالى- يهدي من يشاء إلى الإيمان ويضلُّ من يشاء إلى الكفر، وهداية التوفيق متعلّقة بالله -عزَّ وجل- دون أحدٍ من خلقه، حيث قال -تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
- النَّوع الرَّابع: هداية الله -سبحانه وتعالى- الناس للجنَّة أو النَّار: حيث يهدي الله المؤمن ليدخل جنَّة الخلد ودار السَّلام، والكافر إلى النَّار، قال -تعالى- في حقّ أهل الجنّة: (الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي هَدانا لِهـذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّـهُ)، وقال -سبحانه- عن أهل النار: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ* مِن دُونِ اللَّـهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ).
هداية الله الخاصة بعباده
تتحقَّق الهداية الخاصة بأن يشرح الله -تعالى- صدر عبده للإسلام، فيُقبل العبد على طاعة الله -عزَّ وجل- ويجتنَّبُ معصيته، ويعينه الله -سبحانه وتعالى- على ذلك، على خلاف من لم يرد الله -تعالى- له الهداية، حيث قال -تعالى-: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّـهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ)، فالله بيّن طريق الخير لجميع الخلق بلا استثناء، ثمَّ يختصُّ منهم من سار على هذا الطَّريق طاعةً له -عزَّ وجل- فيما أمر، فيقوم العبد بحقِّ الله -تبارك وتعالى- في التوحيد والطاعة، ويتحلَّى بمكارم الأخلاق ، ويبتعد عن الشِّرك بالله، وهذه الهداية من أعظم نعم الله -تعالى- التي يُنعم بها على عباده.
طريق الهداية
الإنسان مخيَّرٌ بالسَّير في طريق الهدى أو طريق الضلال، ومَن سار بطريق الخير واهتدى بهدي الله -تعالى- زاده الله -تعالى- هدىً إلى هداه، وسهَّل له مسيره وووفّقُهُ إلى طاعته، وقد أنعم الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان بالحواسِّ جميعها؛ ليستخدمها في هذا الطريق فيعقل ويهتدي، ويميِّز الصَّواب من الخطأ، ومن سار في طريق الضَّلال فيتحمَّل نتيجة اختياره وضلاله العائدة بالسوء على نفسه، وقد قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، أي أنَّ الله -تعالى- يهدي من يشاء الهداية إلى طريقه المستقيم، ليحقّق السعادة والفلاح، ويكون ممَّن قال الله -تعالى- فيهم: (فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم).
أسباب الثبات على الهداية
هناك أسبابٌ كثيرةٌ متعدِّدةٌ للثبات على الهداية، فليس كلُّ من اهتدى ثبت واستمرَّ على طريق الهداية، فمنهم من يضلُّ وينتكس بعد أن هداه الله -عزَّ وجل- وأراه طريق الحقِّ، ومن أسباب الثَّبات على الهداية:
- التّوجّه إلى الله -تعالى بالدُّعاء بالثَّبات على الهداية والتزام طريق الصَّواب والحقِّ، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الله -تعالى- ويقول: (يا مقلِّبَ القلوبِ، ثَبِّتْ قَلبي علَى دينِك قالوا يارسولَ اللهِ: آمنَّا بكَ و بِما جئتَ بهِ، فما تخافُ علَينا؟ فقال: نعَم إنَّ القلوبَ بين إصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ يقلِّبُها)، بالإضافة إلى الإقبال على الطاعات والتنافس فيها.
- اجتناب المعاصي والذُّنوب وشهوات النَّفس، وضبط النفس بخشية الله -تعالى-، واليقين بأن ما عند الله خير وأبقى، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ).
- مرافقة الصَّالحين والتأثُّر بهم والاقتداء بأخلاقهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله -عز وجل- غفر لعبدٍ جلس في مجلس ذكر مرة واحدة، فقال كما جاء في الحديث: (فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ).
- قراءة القرآن، والحرص عليه أثناء قيام الليل اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- طلب العلوم الدِّينية التي تساعد على زيادة الإيمان والعلم والفهم، والإخلاص في ذلك وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ).
- الإقبال على الإسلام وتعاليمه، حيث قال -تعالى-: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّـهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ).
- تجنُّب فِتن الدُّنيا وشهواتها.
- الإكثار من ذكر الله -تعالى- والاستمرار عليه.