تفسير أواخر سورة البقرة

تفسير أواخر سورة البقرة

أواخر سورة البقرة

قال الله -تعالى- في ختام سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)،وفيما يأتي بيان ما جاء في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين:

معاني المفردات

فيما يأتي بيان معاني المفردات الواردة في هاتين الآيتين، وهي:

  • آمن: صدّقَ وأيقن.
  • الرسول: محمد -صلى الله عليه وسلم-.
  • أنزل إليه: أي القرآن الكريم.
  • المصير: المرجع والحساب.
  • وسعها: قُدرتها واستطاعتها.
  • ما كسبت: فعلت من الخير.
  • اكتسبت: ارتكبت من الشر.
  • تؤاخذنا: تعاقبنا.
  • إصراً: أمراً ثقيل جداً.
  • الذين من قبلنا: أي بني إسرائيل .
  • طاقة: قوة وقدرة.
  • مولانا: سيّدنا ومتولّي أمورنا.

سبب النزول

أخرج الإمام مسلم في صحيحه سبب نزول هاتين الآيتين في حديثٍ رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- ذكرَ فيه جزع الصحابة وخوفهم من قوله -تعالى-: (لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ)؛لأنّ الإنسان قد يحدّث نفسه بأمورٍ لا يرضاها الله فيستحق بذلك الإثم والعقوبة، وهو لا يستطيع أن يدفع عن نفسه تلك الخواطر والأفكار، فيكون هذا الأمر شاقًّا وصعبًا للغاية عليه.

ومن شدة ما أصاب الصحابة من قلقٍ حول هذا الأمر ذهبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشكوا له فقالوا: "أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها"، فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الاعتراض على أمر الله -تعالى- وحذرهم من ذلك قائلاً: "أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ"، فاستجاب الصحابةُ للرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالوا مثل ما قال، فأكرمهم الله -تعالى- وكافأهم على امتثالهم لأمره فأنزل هاتين الآيتين ونسخ بهما الآية السابقة.

المعنى الإجمالي للآيتين

بيّن الله -تعالى- أنّ الرسولَ محمداً -صلى الله عليه وسلم- قد صدّقَ وآمنَ تصديقَ يقينٍ واطمئنانٍ بما نزل من عند الله -تعالى- من القرآن الكريم وما جاء فيه من آياتٍ كثيرةٍ وأحكامٍ وأخبارٍ وأوامر بما اشتملت عليه من حلالٍ وحرامٍ، وأمرٍ ونهيٍ، ووعدٍ ووعيدٍ، وغير ذلك من المعاني العظيمة، وأنّ المؤمنين قد صدّقوا أيضاً وآمنوا بذلك إيماناً كإيمانِ الرسول -صلى الله عليه وسلم.

وقد بيّن الله -تعالى- في قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ) أصول الإيمان والاعتقاد التي أمر بها عباده، وهي الإيمان بوجود الله ووحدانيته وأسمائه وصفاته، والإيمان بوجود الملائكة الذين يأتمرون بأمر الله ولكلّ واحدٍ منهم مهمَّةٌ خاصَّةٌ، والإيمان بالكتب المنزّلة من عند الله على أنبيائه ورسله، و الإيمان بالرسل جميعاً من غير تفريقٍ أو تمييزٍ بين أحدٍ منهم؛ لأنّ دعوتهم واحدةٌ وهي توحيد الله وعبادته، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).

وبيّن الله -تعالى- بعد ذلك أنّ المؤمنين استجابوا لأمره استجابةَ إذعانٍ وطاعةٍ دون اعتراضٍ ولا تذمر كما فعل بنو إسرائيل، ثمّ طلبوا منه المغفرة ، فإنّ مرجعَهم إليه وحسابهم عليه، فجازاهم الله -تعالى- بالتيسير والسماحة، فأسقط عنهم المعاقبة على ما تُخفيه صدورهم وما يدور في خواطرهم، وذلك كما ورد في سبب النزول، فأخبرهم أنّه لا يطلبُ من الإنسانِ ما لا يستطيعه ويقدر عليه، فهو الرؤوف الرحيم، وهو يجازي كلّ عبدٍ بما فعلَ من قولٍ أو عملٍ، خيراً أو شراً، أمّا حديث النفس فهو معفوٌ عنه؛ لأنّه ليس في قدرة الإنسان التحكم فيه دائماً، ثمّ علّم اللهُ -تعالى- عباده كيف يدعوه بكلماتٍ عظيمةٍ منَّ بها على رسوله والمؤمنين.

فضل هاتين الآيتين

إنّ لهاتين الآيتين فضلاً عظيماً ومنزلةً كبيرةً عند الله، وممّا ورد في ذلك ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ"،وجاء في حديثٍ آخر عن عُقبة بن عمروٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "الآيَتانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ".

6إسلام
مزيد من المشاركات
أفكار وجبات سهلة التحضير للرحلات

أفكار وجبات سهلة التحضير للرحلات

رحلات الصيف مع دخول فصل الصيف، الفصل الذي فيه يتغيّر الروتين، وتبدأ الإجازات، وتزيد فُرَص الاستمتاع بالأجواء الصيفيّة، وأشعّة الشمس، يبدأ التخطيط للرحلات العائليّة، والتنزُّه في الهواء الطَّلْق، وهي الفعاليات التي ينتظرها الكبار، والصغار؛ لقضاء أكثر الأوقات مُتعة بعيداً عن الروتين المُمِلّ، وأجواء العمل، والدراسة، ولأنّ الوجبات الخفيفة، وغير التقليديّة تُعَدّ جزءاً أساسيّاً من أيّ رحلة تنزُّه، سنقدّم فيما يأتي بعض الأفكار المُميَّزة لوجبات لذيذة، وصحّية، وسهلة التحضير، ومناسبة للرحلات
فوائد وأهمية الاعتماد على النفس

فوائد وأهمية الاعتماد على النفس

' تطوير الذات' يُساعد الاعتماد على النفس في تطوير الذات؛ من خلال تطوير أفكارٍ وطموحاتٍ خاصةٍ بعيدًا عن تأثير الأشخاص الآخرين، ممّا يمنح الفرد فَهمًا أكبر لذاته وسيجد مكانه المناسب في العالم، حيث لن يسمح الشخص للآخرين بالتأثير على حياته بشكل كبير. ' الحد من التوتر' يُساهم الاعتماد على الذات الحدّ من التوتر؛ حيث يكون الشخص هو مصدر الدعم العاطفيّ لذاته، مما سيؤدّي إلى تقليل التوتر اليومي ، وعلى الرغم من أنّ الحصول على الدعم من قبل الآخرين يقلّل التوتر في الأوقات العصيبة، إلّا أنّ الاستقلالية
علاج ضعف عضلات الجسم

علاج ضعف عضلات الجسم

ضعف عضلات الجسم تعاني فئة كبيرة من الأشخاص حول العالم من مُشكلة ضعف عضلات الجسم، أو الوهن العضلي، أو كما يُطلق عليها في الميدان العلمي (Muscle weaknes)، حيث يتمثّل في كونه أحد المشكلات الشائعة التي تصيب عضلات الجسم وتلحق بها ضرراً يحول دون اكتسابها القوة اللازمة لأداء الأنشطة الحياتية المطلوبة بكل كفاءة، وتضم جُملة من الأمراض العضلية تتسبب جميعها في لين وضعف ومضمور العضلات الهيكيلية في الجسم، وغالباً ما تؤثر بشكل مباشر في قدرة الإنسان على الحركة، وتظهر على شكل تشوهات هيكلية واضحة. سبب ضعف
طريقة عمل الجلاش بالسبانخ والجبنة

طريقة عمل الجلاش بالسبانخ والجبنة

حشوة السبانخ والجبنة تُعتبر حشوة السبانج المطبوخة مع الجبنة بمختلف أنواعها كالبيضاء او الصفراء من أطيب الحشوات التي من الممكن استخدامها لتحضير العديد من الأطباق، مثل: معكرونة الكانيلوني، والفطائر المشكلة المحضرة إمّا بعجينة السبرينج رول، أو العجينة السريعة، أو حتّى باستخدام رقائق الجلاش، والتي سنذكر طريقتها في هذا المقال. جلاش محشي بالسبانخ والجبنة المكوّنات نصف كوب من الزيت النباتي. بصلتان مفرومتان فرماً ناعماً. نصف كيلوغرام من أوراق السبانخ المفرومة. ملعقتان كبيرتان من الشبت المفروم. ملعقتان
طريقة عمل لحمة البرجر

طريقة عمل لحمة البرجر

لحمة البرجر لحمة البرجر هي من أشهر أنواع الساندويشات والوجبات السريعة في جميع أنحاء العالم الّتي لها جمهور عريض من الناس، الّذين يفضلونها، ويحضرونها باستمرا. تتميز لحمة البرجر بأنّها من الوجبات الغذائية الكاملة تقريباً، لاحتوائها على اللحوم، والجبن، والخضراوات، والخبز، والتتبيلة الرائعة، وعلى البروتينات، والعناصر المعدنية المهمة، مثل الحديد، والكالسيوم، والزنك، والبوتاسيوم، والنحاس، واليود، والمغنيسيوم، والسيلينيوم، والكبريت، والعديد من الفيتامينات، مثل فيتامين ب12، وفيتامين ب6، وفيتامين ب3،
بحث عن السلوكيات البيئية

بحث عن السلوكيات البيئية

بحث عن السلوكيات البيئية تم تقسيم السلوكيات البيئية على النحو الآتي: سلوكيات تنافسية على الموارد ويُمكن تعريفه على أنه التفاعل المباشر أو غير المباشر للكائنات الحية الذي يؤدي إلى تغيير في السلوك عندما تشترك الكائنات الحية في نفس المورد، وعادة ما تجلب نتيجة التنافس آثاراً سلبية للمنافسين الأضعف. وتقسم المنافسة إلى ثلاثة أشكال رئيسية: منافسة التدخُّل وهي شكل من أشكال المنافسة ويتضمن قتالاً أو تفاعلاً نشطاً بين الكائنات الحية، على سبيل المثال؛ عندما يمنع ذكر الغوريلا الذكور الآخرين من الوصول إلى
كيف نتعلم أحكام القرآن

كيف نتعلم أحكام القرآن

كيف نتعلم أحكام القرآن يُمكن للمُسلم أن يتعلّم من القُرآن أحكاماً مُتعلّقة بالعقيدة؛ كالإيمان بالله -تعالى-، وملائكته، وغير ذلك من أركان الإيمان، لأهميتها وتعلّقها بإيمانه، وتُسمّى علم التوحيد. كما يُمكنهُ تعلّم الأحكام المُتعلّقة بِالسلوك وتهذيب النفس والأخلاق؛ لما فيها من تزيين المُسلم بالفضائل، وإبعادهُ عن الرذائل، وكذلك تعلُّم الأحكام الفقهية التي فيها أحكاماً عمليّة قوليّة وفعليّة. وفيما يأتي في المقال بيان وتفصيل كلّ نوعٍ من هذه الأقسام. كيف نتعلم أحكام القرآن العقديّة والسلوكية إنّ
موضوع عن حقوق المساجد في الإسلام

موضوع عن حقوق المساجد في الإسلام

معنى المسجد أولت الشريعة الإسلامية المساجد اهتماماً بالغاً؛ فهي بيوت الله -تعالى- على الأرض، وقد شجع رسول الله --صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين على بناء المساجد، ودليل ذلك قوله في الحديث النبوي الشريف: (من بنى مسجدًا للهِ، بنى اللهُ له في الجنةِ مثلَه). إنّ كلمة المسجد كغيرها من الكلمات التي تزخر بها اللغة العربية، ولها معنيان واحدٌ في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيانٌ لكلا المعنيين: المسجد في اللغة: اسمٌ مفردٌ، وجمعه مساجد، ويراد به: مُصلّى الجماعة، أو مكانٌ يصلّي الناس فيه الصلاة