تفسير آية (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله)
تفسير آية (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله)
قال الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)، وفيما يأتي بيان لتفسير الآية الكريمة:
- (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ).
الصّفا والمروة المذكوران في الآية الكريمة؛ هما الجبلان الموجودان في الحرم المكي اللذين يتم السعي بينهما في الحج والعمرة، وكلمة صفا مشتقة من يصفو، وهي جمع مفردها صفاة، وقيل في معنى الصّفا والمروة، أنّ الأولى هي الحجارة البيضاء، والثانية هي الحجارة السّوداء، وقيل: الصّفا هي الحجارة الصلبة والمروة هي الحجارة الرخوة.
- (مِن شَعَائِرِ اللَّهِ).
يقصد ب شعائر الله ؛ أنّها من الأشياء التي جعلها الله للعباد معلمًا، كما قيل أنّ (شعائر) مأخوذة من الشعيرة التي تأتي بمعنى الخبر؛ لأنّ الله أشعر عباده بأنّ عليهم السعي بين الصّفا والمروة. وقيل أيضًا: شعائر جمع لكلمة شعيرة وتعني ما فيه عبادة وطاعة لله -تعالى-، وهذه الآية الكريمة تؤكّد على أنّ الصفا والمروة مناسك يتعبّد بها لله -جلّ وعلا- في الحجّ والعمرة.
- (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا).
يخبر الله -تعالى- أنّ من أراد الحجّ والعمرة لا جناح عليه أن يطوف بين الصّفا والمروة، والجُناح يعني الإثم، ورفع الجناح يأتي لبيان المباح دون الواجب؛ لهذا السبب ولقراءة ابن مسعود وابن عبّاس للآية: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لَاّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، وهي قراءة مخالفة لما عليه مصاحف المسلمين، خالف أبو حنيفة جمهور الفقهاء، ولم يقل بركنيّة السعي بين الصّفا والمروة .
- (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
ومعنى ذلك أنّ من قام بالفرض، وزاد عليه حبًا لأداء مناسك الله -تعالى- وتطوّعًا من غير أن يكون ملزمًا بالزيادة، فإنّه سينال شكرًا منه؛ والشكر من الله فيه نعمة وعطاء غير محدود.
سبب نزول آية (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله)
ثبت عَن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت لعروة: (إنَّما أُنْزِلَ هذا في أُنَاسٍ مِنَ الأنْصَار كَانُوا إذَا أَهَلُّوا، أَهَلُّوا لِمَنَاةَ في الجَاهِلِيَّةِ، فلا يَحِلُّ لهمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذلكَ له، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذِه الآيَةَ).
وكان ذلك بعد أن أساء عروة فهم الآية الكريمة، فظنّ أنّ رفع الجناح يفيد عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة، فبيّنت له أمّ المؤمنين أنّ الآية نزلت في الأنصار الذين كانوا قد كرهوا السعي بين الصّفا والمروة وشعروا بالحرج منه؛ لأنّه كان من مشاعر الجاهليّة؛ فأنزل الله -تعالى- الآية لتبيّن أن لا جناح عليهم في السعي، وأنّه من مناسك الحجّ والعمرة التي شرعها لهم.
حكم السعي بين الصفا والمروة
اختلف فقهاء المسلمين في حكم السّعي بين الصفا والمروة، فكانت أقوالهم في المسألة كما يأتي:
- السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصحّ الحجّ والعمرة من غيره، وهذا ما عليه جمهور الشّافعية والمالكية والحنابلة في المعتمد.
- السعي بين الصّفا والمروة حكمه واجب ، ومن يتركه عليه دم، وهذا ما عليه الأحناف وورد في رواية عن الحنابلة.
- السعي سنّة لا يجب على من تركه شيء، وقد ورد في رواية عن الحنابلة.