الأسباب الشرعية للطلاق
الأسباب الشرعيّة للطّلاق
شُرِع الطّلاق للزّوجين في الإسلام إذا توفّرت الأسباب الشرعيّة لذلك، وفيما يأتي بيانٌ لعددٍ من الأسباب الشّرعيّة للطّلاق:
- الطّلاق بسبب الشّقاق والنّزاع بين الزّوجين: أي أنّه في حال وُجِدَ نزاعٌ بين الزّوجين يمنع استمرار الحياة بينهما، عندها يُوكّل رجلٌ حكيمٌ من أهل الزّوج، ورجلٌ حكيمٌ من أهل الزّوجة؛ وذلك لمحاولة الإصلاح بينهما، فإن استطاع الحكمان الإصلاح فهو خيرٌ، وإن استحال ذلك فعندها يجوز للزّوجين الطّلاق، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا).
- الطّلاق بسبب وجود عيبٍ في الرّجل أو المرأة: ومن هذه العيوب الجنون، أو مرض البرص أو الجذام، أو وجود أحد الأمراض التي تمنع استمرار العلاقة الزّوجية، فلو علم أحد الزّوجين بعيب الآخر قبل الدّخول فيجوز لهما التّفرقة حينها، مع إرجاع نصف المهر للزّوج، وأمّا إن علمت الزّوجة بعيب الزّوج بعد الدّخول فلها أن تطلب الطلاق والتّفريق والمهر حقٌّ لها، لأنّ الزّوج يكون بذلك قد خدعها وغرّرَ بها.
- الطّلاق بسبب غياب الزّوج: إذا غاب الزّوج عن زوجته مدّة زمنيةً وتضرّرت الزّوجة من هذا الغياب، وخافت على نفسها من الفتنة، فحكم الطّلاق في هذه الحالة عند الفقهاء فيه رأيان، وهما: أنّه لا يحقّ للزّوجة أن تطلب الطّلاق بسبب غياب زوجها، حتّى وإن كانت المدّة طويلة؛ وذلك لأنّه لم يرِد دليلٌ شرعيٌّ يوجب الطّلاق بسبب غياب الزّوج، وإذا عُلِم مكان الزّوج فيجب مراسلته وإلزامه بدفع النّفقة الواجبة لزوجته، وهذا قول الحنفيّة والشّافعيّة.
- أمّا المالكيّة والحنابلة فقالوا إنّه يجوز للمرأة طلب الطّلاق إذا غاب عنها زوجها مدّةً طويلةً، حتّى وإن ترك لها مالاً تُنفق فيه على نفسها؛ لأنّ غيابه دون عذرٍ يُسبّب الضّرر للمرأة، وذلك لفعل عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، حيث كان يُرسل كتاباً لمن يغيب فترةً طويلةً عن زوجته، ويطلب منه أن يقوم بالإنفاق على زوجته أو تطليقها.
- الطّلاق بسبب إعسار الزّوج: وهو نوعان: الأول عدم مقدرة الزّوج على دفع مهر زوجته؛ فإن أُعسرَ الزّوج، ولم يتمكّن من دفع المهر، فيرى الحنفيّة بأنّه لا يجوز أن يقع الطّلاق بينهما لهذا السّبب، إلّا أنّه يحقّ للمرأة أن تؤجّل الدّخول بها إلى أن تستوفيَ حقّها من المهر، بينما يرى المالكيّة بأنّه يجوز للزّوجة طلب الطّلاق إذا لم يتمكّن الزّوج من دفع المهر لها. والنوع الثاني؛عدم مقدرته على الإنفاق عليها، فبالنّسبة لإعسار الزّوج في النّفقة على زوجته وعدم استطاعته ذلك، فيجوز التّفرقة بينهما لهذا السّبب عند جمهور الفقهاء دون الحنفيّة.
- الطّلاق بسبب الإيلاء: والإيلاء هو أن يحلف الزّوج بالله -تعالى- أن لا يقربَ زوجته، وأن يمتنع عن جِماعها مدّةً محدّدةً من الزّمن، وهو أمرٌ محرّمٌ شرعاً؛ لأنّه يُلحق الضّرر بالزّوجة، وقد كان مشهوراً في الجاهليّة، إذ كانوا يحلفون على ترك زوجاتهم بالسّنة والسّنتين، لكنّ الإسلام وقّت له في حال حلف الزوج أربعة أشهر فقط، لقول الله -تعالى-: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، والمقصود أنّ من تحقّقت فيه شروط الإيلاء وامتنع عن زوجته، فيحقّ لزوجته طلب التّفرقة إن لم يتراجع عن يمينه ويُكفّر عنها.
- الطّلاق بسبب ردّة أحد الزّوجين عن الإسلام: فإذا ارتدّ أحد الزّوجين عن الإسلام يُفرّق بينهما مباشرةً، ودون انتظار حكم القضاء.
- التّفريق بين الزّوجين بسبب اللّعان : وهو أن يتّهم الرّجل زوجته بالزّنا، أو أن يُشكّك في نسب ولده، ففي هذه الحالة شرع الله -تعالى- لكلٍّ من الزّوجين أن يحلف أربعة أَيْمانٍ أنه صادق، ويلعن نفسه في الخامسة إن لم يكن صادقاً، فإن حصلت الملاعنة بين الزّوجين يُفرّق بينهما؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (المُتَلاعِنانِ إذا تَفَرَّقَا، لا يَجْتَمِعَانِ أبدًا).
- التّفريق بين الزّوجين بسبب الظِّهار : وهو أن يُحرّم الرجل زوجته على نفسه، كأن يقول: "أنتِ عليَّ كظهر أمّي"، ففي هذه الحالة تحرُم عليه زوجته إلّا إذا كفّرَ عن يمينه، وإن لم يُكفّر عن يمينه فيحقّ للزّوجة حينها طلب الطّلاق.
الآثار المترتبة على الطّلاق
يترتّب على الطّلاق بعد وقوعه العديد من الأحكام، وهي:
- وجوب العدّة للمرأة المطلّقة المدخول بها: أمّا غير المدخول بها فليس عليها عدّة -في حال عدم الخلوة كذلك-، والعدّة تكون ثلاث حيضات للمرأة التي تحيض، والتي لا تحيض فعدّتها ثلاثة أشهرٍ، والحامل تنتهي عدّتها عندما تضع حملها.
- حُرمة الزّوجة على زوجها إن طلّقها ثلاث مرّاتٍ: فقد قال الله -تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، وقال الله -تعالى-: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، أي أنّ الزّوجة تُحرّم على زوجها بعد الطّلقة الثّالثة تحريماً نهائياً، إلّا إن تزوّجت من رجلٍ آخر ثمّ طلّقها، فعندئذٍ يحلّ لزوجها السابق أن يتقدّم ليتزوّجها.
- وجوب النّفقة: تجب النّفقة للزّوجة في فترة العدّة في الطّلاق الرّجعيّ ، وكذلك على الزّوجة الحامل المعتدّة في الطّلاق البائن.
حكمة مشروعية الطّلاق
شرع الله لعباده النّكاح لأسبابٍ عديدةٍ، منها: تحقيق الاستقرار في الحياة الزّوجية، واستدامة المودّة والرّحمة بين الزّوجين، ومن أجل أنْ يعفّ كلٌّ من الزّوجين نفسه من الوقوع في الحرام، ومن أجل التّكاثر واستمرار النّسل، فالزّواج نعمة من الله -تعالى-، لكنْ قد تحصل أمور تُخرج الزّواج عن هدفه الأساسيّ، كاستمرار النّزاع بين الزّوجين، ووجود العداوة والبغضاء بينهما، أو وجود مرضٍ أو عُقمٍ يمنع استمرار الحياة الزّوجية، فعندها يُشرَع الطّلاق بعد استنفاذ طرق الإصلاح، وهو من نعم الله تعالى أيضاً؛ لأنّه يُزيل الضّرر الواقع على الزّوجين بسبب استمرار الزّواج.
كما أنّ الله -تعالى- شرع الطّلاق بعددٍ مُعيّن وبكيفيّةٍ مُعيّنةٍ؛ وذلك لأنّ الإنسان بطبيعته عجولٌ ومَلولٌ، فقد يتّخذ قرار الطّلاق ثمّ يندم على قراره، فشُرع له إرجاع زوجته في المرّتين الأولى والثّانية، واشترط عليه في المرّة الثّالثة أن تتزوّج من رجل آخر زواجاً حقيقياً لا اتّفاق وحيلة فيه فيطلّقها، ثمّ تحلّ للزواج من الزوج السابق، وكلّ ذلك حتى لا يتساهلَ الرجل في أمر الطّلاق إن لم يكن مُتأكّداً.