موقف المشركين من توحيد الألوهية
لماذا أُنكر توحيد الألوهية؟
توحيد الألوهيَّة: إفراد الله -تعالى- بالعبادة، ولكن المشركين، لم يستجيبوا لهذا النوع من التوحيد، فأشركوا بالله -تعالى- وجعلوا له شركاء، ومن الأمور التي نقضت توحيد الألوهية عندهم ما يأتي:
- أنهم تقربوا إلى أصنامهم ومعبوداتهم بالعبادات التي يجب أن تكون لله -تعالى-، قال الله -تعالى- واصفاً حالهم وما هم عليه من الشرك: (أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّـهَ)، فقد أقرَّ المشركون بما هم عليه من الشِّرك، وادَّعوا أنَهم يعبدون هذه الأصنام لتقربهم من الله -تعالى-.
- أنهم أحلُّوا ما حرَّم الله -تعالى-، وحرَّموا ما أحلَّ الله -تعالى-، والتَّحليل والتَّحريم لا يكون إلَّا لله -تعالى-، وما ينبغي لمخلوقٍ أن يشرع في دين الله -تعالى- ما لم يأذن به، قال الله تعالى: (اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّـهِ وَالمَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلـهًا واحِدًا لا إِلـهَ إِلّا هُوَ سُبحانَهُ عَمّا يُشرِكونَ)، وقد فسَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنى الآية بقوله: (أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ).
- أنهم كانوا يدعون ويرجون غير الله -تعالى-، فقد كانت عادة المشركين طلب الحوائج من آلهتهم، ولا يتوجهون بهذه الحوائج إلى الله -تعالى-، وقد أنكر الله -تعالى- عليهم صنيعهم هذا، وذمهم عليه، قال الله -تعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ).
- أنهم كانوا يقدِّمون النذر والقرابين والأنساك، فيذبحونها لغير الله -تعالى-، يتقربون بها من أحجارهم وتماثيلهم التي صنعوها بأيديهم، وقد طالبهم الله -تعالى- بأن يجعلوا ذبائحهم خالصةً لوجهه الكريم، ولكنَّهم عصوا واستكبروا، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ).
أنكر المشركون توحيد الألوهيَّة؛ بسبب أن المشركين جاءوا بالنواقض التي هدمت التوحيد عندهم، فزعموا أن عبادتهم لهذه الأصنام من باب التقرُّب إلى الله -تعالى-، وأحلوا المحرَّم، وحرَّموا ما أباح الله -تعالى- وكانوا يلجأون إلى غير الله -تعالى- في عباداتهم.
لماذا أخلُّوا بتوحيد الألوهية؟
إنَّ المشركين أخلُّوا بتوحيد الألوهيَّة ولم يفردوا الله -تعالى- بالعبادة؛ وذلك لمحبتهم الكبيرة لمعبوداتهم التي اتّخذوها من دون الله -تعالى- فجعلوا لله شركاء، واستحلُّوا حرمات ما أحلَّ الله، وأهمُّ الأسباب التي جعلتهم مصرين على هذا الضلال، هي ما يأتي:
محبتهم القوية لمعبوداتهم
قد تصل المحبَّة الزائدة عند بعض النَّاس، بحيث يعظمون أحبابهم إلى درجة العبوديَّة، وقد صرَّح كثيرٌ من النَّاس، وقد صرَّح الله -تعالى- بإنكاره عليهم محبَّة غير الله -تعالى- وهذا النَّوع من الشرك هو شرك المحبَّة والتعظيم، قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).
الكبر والإعراض
التكبُّر هو داء المشركين على مرِّ العصور، وهو معصية إمام الضلالة إبليس، لمَّا قال لربِّ العالمين،كما يذكر الله -تعالى- ذلك عنه، قال: (قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ).
وما حمل فرعون على الكفر بموسى إلَّا أنه استكبر وعصى واستهزأ بموسى، وقال الله -تعالى- على لسان فرعون: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)، وبيَّن الله -تعالى- سبب كفر فرعون، فقال: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).
وقد وقعت قريش بالمعصية نفسها، واستكبروا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال الله -تعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ).
التعنُّت والعناد
عدم إيمانهم لما أنزل الله -تعالى - على نبيه -صلى الله عليه وسلم- قال الله -تعالى-: (وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعًا* أَو تَكونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجيرًا* أَو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفًا أَو تَأتِيَ بِاللَّـهِ وَالمَلائِكَةِ قَبيلًا* أَو يَكونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ أَو تَرقى فِي السَّماءِ وَلَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابًا نَقرَؤُهُ قُل سُبحانَ رَبّي هَل كُنتُ إِلّا بَشَرًا رَسولًا).
قال العمراني: "ومعلوم أن نزول الكتاب وتفجير الأنهار وكون الجنة من النخيل والعنب معه وغير ذلك مما سألوه ليس بمستحيل، وإنما سألوا ذلك على وجه التعنت، وأخبر الله سبحانه أنه لو فعل لهم لم يؤمنوا بقوله: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)؛ وذلك لعلم الله وقضائه السابق فيهم".
إن الدافع وراء كفر المشركين، هو محبتهم لمعبوداتهم، وتقديسها كما يقدسون الله -تعالى- وأنَّهم اتصفوا بصفة الكِبر، والإعراض عن قبول الحقِّ، وكان من أبرز صفاتهم التعنت والعناد، وكان هذا طبعا أصيلا فيهم، فكفروا بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ما حجة المشركين للشرك بالله؟
رغم ضلالات المشركين، ووضوح جهلهم، ولكن الجدال المستمرَّ من أهمِّ سماتهم، فهم يجادلون ويقدمون الحجج الواهية، لكي يقنعوا أنفسم بأنَّهم على صواب، قال الله -تعالى-: (يُجادِلونَ فِي اللَّـهِ وَهُوَ شَديدُ المِحالِ)، وأهمُّ ما يقدمه المشركون من الحجج على شركهم ما نبينه فيما يأتي:
يحتجون بأنّ عبادتهم للأصنام
بقصد التقرب إلى الله -تعالى- وأنَّهم بعبادتهم لهذه الأصنام يرضون الله -تعالى-، قال الله تعالى- واصفاً ضلالاتهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّـهَ)؛ فهم حسب قولهم الباطل يتزلفون إلى الله -تعالى- بعبادة الأصنام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والذين أشركوا بالله تعالى وتقدس وعبدوا معه إلهًا آخر كانوا يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون: هم شفعاؤنا".
يزعمون بأنهم مطيعون لله -تعالى- وأنهم يلبون أوامره
يزعمون أنَّ الله -تعالى- هو الذي أمرهم أن يعبدوا هذه الأصنام، وأمرهم أن يتقرَّبوا إليها، قال الله -تعالى-: (وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّـهُ أَمَرَنا بِها قُل إِنَّ اللَّـهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقولونَ عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ)، وفسَّر العلماء معنى الفاحشة التي كانوا يعملونها على قولين:
- ما هم عليه من الكفر، وما هم عليه من الشرك، وعبادة الأصنام، وتقربهم إليها بالنسك والعبادة.
- أنَّهم كانوا يطوفون في البيت عُراةً؛ بحجَّة أنَّ ملابسهم التي هي عليهم عصوا الله -تعالى- بها، فلا يجوز أن يعبدوه بها.
فأنكر الله -تعالى عليهم ما قالوا، وبيَّن لهم أن هذا القول كفرٌ على كفر، وهو زيادةٌ في الضلالة؛ لأنَّهم نسبوا إلى الله -تعالى- ما لا يليق به، وهو الأمر بالفحشاء والمنكر، فقال لهم: إنَّ الله لا يأمر بالفحشاء.
التقليدالأعمى واتباع دين الآباء والأجداد
من أكبر مزاعم قريش التي برروا فيها ضلالاتهم، تفاخرهم بما وجدوا عليه الآباء والأجداد، واتخاذ أفعال من سبقوهم حجةً ودليلاً، فألغوا عقولهم مقابل ذلك، حتى إنهم كانوا يحتجون بها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى- واصفاً حالهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ).
قال الإمام الطبري: "يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا، ونعبد ما كانوا يعبدون; يقول جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به".
اتَّصف المشركون بأنَّهم من أهل الجدال، فجادلوا ودافعوا عن أنفسهم بحججٍ واهيةٍ، ومن هذه الحجج التي ذكروها تبريرا لكفرهم: أنَّهم يتقربون إلى الله -تعالى- بعبادة الأصنام، وزعموا بأنَّهم ينفذون أمر الله -تعالى- بعبادة الأصنام، وأنَّ آباءهم كانوا يعبدونها، وهم سيقتدون بهم.
الرد القرآني على شبهات المشركين؟
- الرد القرآني على زعم المشركين وقولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّـهَ)، الردّ جاء في الآية نفسها، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)، يكذب الله زعمهم، ويقول لهم: بل، أنتم كاذبون فيما تزعمون، ولأجل هذه الكذبة التي كذبتموها، فلن يهديكم الله .
- الرد على المشركين بسبب أنَّهم عبدوا الذين يحبونهم، وبأن هؤلاء الذين عبدوهم سيتبرؤون منهم يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)، يقول لهم إنَّ هؤلاء الذين تعبدونهم لن ينفعوكم شيئا يوم لقاء الله، وسيعلنون البراءة منكم.
- الرد على زعم المشركين بأنَّ الله -تعالى- هو من أمرهم بفعل الفاحشة، قال الله -تعالى-: (وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّـهُ أَمَرَنا بِها قُل إِنَّ اللَّـهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقولونَ عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ)، قال الزجاج: "فأعلم الله - عز وجل - أنَّه لا يأمر بالفحشاء؛ لأنَّ حكمته وجميع ما خلق تدلُّ على أنَّه لا يفعل إلا المستحسن، فكيف يأمر بالفحشاء".
- الردّ على تقليدهم الأعمى للآباء والأجداد، قال الله -تعالى-: (قالَ لَقَد كُنتُم أَنتُم وَآباؤُكُم في ضَلالٍ مُبينٍ)، قال البيضاوي: "قال: لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين، منخرطين في سلك ضلال، لا يخفى على عاقل؛ لعدم استناد الفريقين إلى دليل، والتقليد إن جاز، فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق".
ما جاء المشركون بحجَّةٍ واهيةٍ تبرِّر كفرهم إلَّا وقابلتها حجَّة من الله -تعالى- قويةٌ ودامغةٌ تبيِّن ضلالهم، فلما زعموا أن عبادة الأصنام تقرب من الله تعالى، ردّ الله عليهم بأنهم كاذبون وأنه لم يأمرهم بهذا، وردّ عليهم عبادتهم من يحبون، بأنَّ الذين أحبوهم سيتبرؤون منهم يوم القيامة، والردّ على تقليدهم الأعمى، بأنَّ آباءهم على ضلال.