من هم فقهاء المدينة السبعة
تعريف الفقه الإسلامي
يُعرّف الفقه لغةً بالفهم، كما قال قوم شُعيب -عليه السلام- عندما بعثه الله -تعالى- إليهم: (قالوا يا شُعَيبُ ما نَفقَهُ كَثيرًا مِمّا تَقولُ)، أي لا نفهمه، وأمّا تعريف الفقه اصطلاحاً؛ ففيه اختلافٌ بين أهل الصدر الأول للإسلام والمتأخّرين؛ حيث إنّ أهل الصدر الأول من الإسلام عرّفوا الفقه بالعلم الذي يشمل الدّين كلّه، وهو كتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه عليه السّلام، وأمّا الفقيه من الصحابة فهو الذي خصّه الله -تعالى- بنوعٍ من الفهم لكتاب الله وسنة نبيّه ، ولا يكفي مجرّد الحفظ ليكون صاحبه فقيهاً، وأمّا المتأخرين فعرّفوا الفقه بعلم القانون الإسلاميّ؛ أي العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة، ومن الذين عرّفوا الفقه من المتأخّرين: الآمديّ، حيث قال: (هو العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة من أدلّتها التفصيليّة).
فقهاء المدينة السبعة
هم الفقهاء السّبعة، الذين اجتمعوا بنفس الفترة الزمنيّة في المدينة المنوّرة ، وقيل هم سبعة من التابعين، كانوا متعاصرين في نفس الزمن، وهم: سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعُبيد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعُروة بن الزبير، واختلف الفقهاء في تحديد السّابع؛ فقالوا هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وقيل هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ، ولكنّ أغلبهم قالوا هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عَوف، وفيما يأتي تعريفٌ بكلّ واحدٍ منهم:
- سعيد بن المسيّب: هو العالم الحافظ الورِع، الذي كان من أفقه أهل زمانه، وهو سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب المخزوميّ القرشيّ، روى الحديث عن الكثير من الصّحابة رضي الله عنهم؛ منهم: حكيم بن حزام، وسعد بن أبي وقّاص، وعمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وابن عبّاس ، وقد قيل فيه الكثير ممّا يدلّ على سِعة علمه وفقهه؛ حيث قال ابن المديني: (لا أعلم أحداً من التابعين، أوسع علماً من سعيد بن المسيّب)، وقال مكحول: (طفت الأرض كلّها في طلب العلم، فما وجدت أعلم منه)، وقال قتادة: (ما رأيت أحداً قطّ أعلم منه بالحلال والحرام)، وقد توفّي بعد أن بلغ ثمانين عاماً.
- عروة بن الزّبير: هو الفقيه العالم، والرجل الصالح الذي لم يدخل بشيءٍ من الفِتَن، وهو عروة بن الزّبير بن العوّام بن خويلد الأسديّ، وكنيته أبو عبد الله المدنيّ، وأمّه أسماء بنت أبي بكر ، وُلد في بداية خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وروى عن الكثير من الصحابة؛ منهم: والده، وأخوه، وخالته أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، وعليّ بن أبي طالب، وابن عبّاس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، وقال عمر بن عبد العزيز: (ما أحدٌ أعلم مِن عروة)، وتوفّي في العام الرابع والتسعين للهجرة.
- خارجة بن زيد: هو العالم الفاضل المعروف بالعبادة والصلاح، وهو خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاريّ النجاريّ، وتجدر الإشارة إلى أنّه روى الحديث عن أبيه، وعن أسامة بن زيد، وعن عمّه يزيد، وتوفّي سنة مئةٍ للهجرة.
- القاسم بن محمّد: هو القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصدّيق، كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمّد، روى الحديث عن عمّته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعن أبيه، وعن أبي هريرة، ومعاوية، والعبادلة، وقال خالد بن نزار: (كان أعلم النّاس بحديث عائشة ثلاث: القاسم، وعُروة، وعمرة)، وقال أبو الزناد: (ما رأيت أحداً أعلم بالسّنة منه ولا أحدّ ذهناً)، وتوفّي في السنة السادسة بعد المئة للهجرة.
- سليمان بن يسارالهلاليّ: هو العالم الصالح، والفقيه الفاضل، كان يُكنّى بأبي أيوب، ومن الجدير بالذكر أنّه روى الحديث عن أبي هريرة، والمقداد بن الأسود، وابن عباس، وممّا يدلّ على غزارة علمه؛ أنّ سعيد بن المسيّب كان يقول للسائل: (اذهب إلى سليمان بن يسار؛ فإنّه أعلم من بقي اليوم)، وتوفي في السّنة السّابعة بعد المئة للهجرة، عن عمرٍ يناهز ثلاثةٌ وسبعون عاماً.
- أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: وُلد في سنة بضعٍ وعشرين للهجرة، وكان من سادات قريش ، بالإضافة إلى أنّه كان فقيهاً ثقةً، وكثير الحديث؛ حيث روى عن الكثير من الصحابة؛ منهم: أبيه، وأبي هريرة، وأمّ المؤمنين عائشة، وتوفّي أبو سلمة في العام الرابع والتسعين للهجرة، أو عام مئةٍ وأربعةٍ.
- عُبيد الله بن عتبة بن مسعود: هو تابعيّ ثقة، وعالم فقيه، وجامع للعلم، كانت كنيته أبو عبد الله المدنيّ، روى الحديث عن عمّار بن ياسر، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، وكان عمر بن عبد العزيز من طلابه، وقال الزهريّ: (ما جالست أحداً مِن العلماء إلّا وأرى أنّي قد أتيت على ما عنده، ما خلا عبيد الله بن عُتبة، فإنّه لم آته إلّا وجدت عنده علماً طريفاً)، وتوفّي في العام الثامن والتسعين، أو تسعةٍ وتسعين للهجرة.
الصحابة والتابعين
يطلق الصحابي على مَن لَقِي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مؤمناً به، ومات على ذلك، حتى ولو تخلّل ذلك ردّةً، سواءً رآه أو لم يره بسبب خللٍ؛ كالعمى، وتجدر الإشارة إلى أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كلّهم عدول، ولكنّ أفضلهم العشرة المبشّرين بالجنّة، وأفضل العشرة أبي بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطاب ، ثمّ عثمان بن عفّان ، ثمّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأمّا التابعيّ فهو: الذي لقي أحد الصحابة رضي الله عنهم، وهو مسلمٌ، ثمّ مات على الإسلام ، واختُلِف في أفضل التابعين؛ حيث إنّ أهل البصرة قالوا إنّ أفضلهم الحسن البصريّ، وقال أهل المدينة: بل أفضلهم سعيد بن المسيّب، وقال أهل الكوفة أفضلهم أُويس القرنيّ رحمهم الله جميعاً.