متى قيلت الفتنة أشد من القتل
سبب نزول آية: (الفتنة أشدّ من القتل)
نزلت هذه الآية بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، حيث أمر بقتال المشركين، وقد تعدّدت الروايات الواردة في الأثر عن سبب نزول هذه الآية: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)، نذكرها فيما يأتي:
- أولًا: يروي ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ أحد الصحابة قتل رجلًا من الكفار في الشهر الحرام؛ فاستنكر عليه الصحابة ذلك، فنزلت فيهم هذه الآية لتبين لهم أن كفر الرجل أشدّ من قتله.
- ثانيًا: أنّ الفتنة المقصودة هي إخراجهم من بيوتهم، واضطهادهم، وتخويفهم، فيكون تحمّل كلّ هذا عليهم أشدّ من قتلهم وتخليصهم من هذا العذاب.
- ثالثًا: أنّ المقصود في الآية هو فتنة المشركين للمسلمين بصدّهم إياهم عن المسجد الحرام ، وهي أشدّ من قتلهم لهم في الحرم.
- رابعًا: أنّ المعنى يرتبط بإخراج الكفار من حيث أخرجوا المسلمين، ولو قتلوا المسلمين، فإنّما يموتون على حقٍّ، وهو أهون من أن يرتدّوا عن إسلامهم.
القتال في الإسلام قبل الهجرة وبعدها
القتال قبل الهجرة
كان قتال المشركين قبل الهجرة محرماً على المسلمين، إذ أُمروا بالصبر على أذى المشركين ثلاثة عشر عامًا؛ ليتغيّر ذلك كلّه بعد الهجرة حين أمر الله -عزّ وجلّ- المؤمنين بقتال من يقاتلهم من الكفار فحسب، على ألّا يتقاتلوا في الأشهر الحرم ، وثمّ أمر به مطلقًا،إذ جاء في الكتاب الحكيم قوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وأيضا قوله: (وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّةً كَما يُقاتِلونَكُم كافَّةً)،كما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مالَهُ، ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسابُهُ علَى اللَّهِ).
القتال بعد الهجرة
مرّ تشريع القتال في الإسلام بمراحل عدَّةٍ، نوجزها فيما يأتي:
- المرحلة الأولى: السماح بردّ عدوان الكفار، وصدّ أذاهم واضطهادهم، قال -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) .
- المرحلة الثانية: السماح للمسلمين بقتال من يعتدي عليهم، قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ، وقوله: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) .
- المرحلة الثالثة: السماح بقتال اليهود وإخراجهم من خيبر، بعدما نقضوا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (الَّذينَ عاهَدتَ مِنهُم ثُمَّ يَنقُضونَ عَهدَهُم في كُلِّ مَرَّةٍ وَهُم لا يَتَّقونَ* فَإِمّا تَثقَفَنَّهُم فِي الحَربِ فَشَرِّد بِهِم مَن خَلفَهُم لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ* وَإِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ) .
- المرحلة الرابعة: السماح بقتال أمّة الشرّ الذين يقفون في وجه الدعوة الإسلاميّة ، قال -تعالى-: (قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرونَ) .
- المرحلة الخامسة: السماح بقتال أعداء الدين أيّاً كانوا.