أبو هريرة راوية الإسلام
عدد مرويات أبو هريرة
اشتُهر الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- بكثرة روايته لأحاديث الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان من أحفظ الصحابة -رضوان الله عليهم- للحديث الشريف، فقد وردت عدّة روايات تبيّن وتذكر عدد مرويّاته، وقُدّرت بأنّها تساوي ثلاثة آلاف وخمسمئة رواية، وهناك قولٌ آخر يُبيّن أنّ مروياته تساوي خمسة آلاف وثلاثمئة وأربع وسبعين رواية، وقد اتّفق الشَّيخان؛ أي البخاري ومسلم على ثلاثمئة وخمس وعشرين رواية منها، وقد روى الإمام البخاري ثلاثة وتسعين منها لوحدهِ، أمّا الإمام مسلم فقد روى مئة وتسعاً وثمانين رواية، وروى عنه -رضي الله عنه- عددٌ كبيرٌ من الرّجال تجاوز عددهم أكثر من ثمانية مئة، وقد ذكر الذهبي في مسنده خمسة آلافٍ وثلاثمئة وأربعاً وسبعين رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
والصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- يُعرف بأنّه من أشهر أعلام الصحابة -رضوان الله عنهم-، وقد كان الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- يعي حرص واهتمام أبي هريرة -رضي الله عنه- بالعلم، فكان يذكر الأحاديث أمامه، فعن أبي هُرَيرةَ -رضي الله عنه- قال: (خرَجتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حائِطٍ، فقال: يا أبا هُرَيرةَ، هلَكَ الأكثَرون، إلَّا مَن قال هكذا وهكذا، وقَليلٌ ما هم. فمشَيتُ معه، ثم قال: ألَا أدُلُّكَ على كَنزٍ مِن كُنوزِ الجنَّةِ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ. قال: ثم قال: يا أبا هُرَيرةَ، تَدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: حَقُّهُ أنْ يَعبُدوهُ ولا يُشرِكوا بهِ شيئًا، ثم قال: تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ فإنَّ حَقَّهم على اللهِ إذا فَعلوا ذلك ألَّا يُعذِّبَهم. قلتُ: أفَلا أخبِرُهم؟ قال: دَعْهم فليَعمَلوا).
وأُطلق على أبي هريرة راوية الإسلام، وكان إسلامه قبل الهجرة إلى المدينة المنورة على يد الطفيل بن عمرو الدوسي، وقد عُرف أيضاً بشدّة حبه للنبي عليه الصلاة والسلام، وشدّة خوفه عليه، وكان حريصاً على خدمته والقيام بأموره وشؤونه، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- من علماء الحديث النبوي ومن أهل الفتوى، ومن شدّة حرصه على العلم أثنى عليه النبي عليه السلام، وأثنى عليه أيضاً كبار الصحابة.
سبب كثرة مرويّات أبو هريرة
الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- من الصحابة الذين كثُرت عدد مروياتهم، فمن تابع سيرة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- يُدرك سبب ذلك، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
- كثرة ملازمة الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- ملكة الحفظ والذكاء عند الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
- صفاء ذهنه بسبب تفرّغه لسماع الحديث الشريف وطلب العلم عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، واهتمامه بسماع الحديث الشريف.
- كثرة جلوسه مع الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- شدّة حبه للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- بركة دعاء الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- له بالحفظ.
- شجاعته بسؤال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عن كل ما أشكل عليه فهمه، ومدارسته لأحاديث الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- بركة وطول عمره كان سبباً لروايته عدد كبير من الأحاديث، فقد مات -رضي الله عنه- عن عمر ثمانية وسبعين عاماً.
- تفرّغه لطلب العلم وعدم تولّيه للمناصب.
- مشاهدته لحركات وهيئات الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لينتفع بها وينفع الناس.
- كثرة حديثه لكلّ ما سمع عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو من أكثر المحدّثين.
- ملازمة أبي هريرة للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- مدة أربع سنوات، وقد قام فيها على خدمته، وكان يُصلّي معه، ويدخل معه لبيته، ولم يُفارقه في حضره ولا في سفره، وقد سمع منه الكثير من الروايات، وشاهد دقائق السّنة، وكان شديد الحرص على طلب العلم والفقه، وقال الإمام البُخاريّ إن أبا هُريرة بقي بعد إسلامه مُلازماً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لآخر حياته، فلم يُفارقه إلا سنةً واحدة عندما بعثه النبيّ والياً على البحرين.
وملازمة الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أدّت إلى صناعة ملكةٍ علميّةٍ قويّة لديه بفترةٍ وجيزة، وذلك لأنّ ملازمة العالِم مع صدق النيّة ، والصّدق في الرواية عنه؛ يؤدّي إلى كسب ملكة علميّة متينة، وهذا ما حصل عنده -رضي الله عنه-، وتجدر الإشارة إلى أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- قال إنّه انشغل بطلب الحديث وسماعه من الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلم ينشغل بغيرها من المصالح والمشاغل الدنيوية.
الحكمة من عدم رواية أبي هريرة بعض الأحاديث
إنّ الحكمة من عدم روايته -رضي الله عنه- لبعض الأحاديث؛ كانت درءاً للمفاسد وخوفاً من الفتن، فالأحاديث التي رواها الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- موضوعاتها إمّا معروفة لدى عامة الناس، أو موضوعاتها خاصّة لأهل العلم؛ أي الراسخون في العلم، ولكنّه كان يحتفظ برواياتٍ حدَّثه بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلم يُحدّث بها الناس؛ لأنّ الأذهان في ذلك الوقت لم تكن لتتحمّل هذه الروايات، ومن هذه الروايات؛ الفتن، والملاحم، ودلائل النبوة، ويجب التنبيه على أنّ الذي لم يذكره أبو هريرة -رضي الله عنه- من الروايات لم يكن من التشريعات العقديّة والفقهيّة التي لا يجوز إخفاؤها عن الناس.