ما هي شروط الحج عن الغير
شروط الحج عن الغير
بحث أهل العلم شُروط حجّ المسلم عن غيره، وهذه الشّروط منها ما يتعلّق بالأصيل*، ومنها ما يتعلّق بالوكيل*، وبيان ذلك فيما يأتي:
- أن ينوي الوكيل عن الأصيل، وتكون هذه النيّة في القلب، والأفضل أن يتلفّظ بها الوكيل بلسانه؛ فيقول: "نَوَيتُ الحجّ عن فُلان"، ويُسمّي الأصيل، وهذا الشّرط محلّ اتفاق عند الفقهاء.
- الشرط المتعلق بقدرة الأصيل على الحج: اشترط الفقهاء أن يكون الأصيل غير قادرٍ على أداء الحجّ بنفسه، وعنده مال يكفيه ليُوكلَ غيره بالحَجّ عنه، أمّا إن كان قادراً على الحجّ بنفسه، فلا يجوز أن يُوكِلَ غيره بالحَجّ عنه، وهذا الشرط باتّفاق جمهور الفقهاء باستثناء المالكية الذين لا يُجيزون الحَجّ عن الحيّ بأيّ حال، أمّا الحجّ عن الميّت فمحلّ اتّفاق عند الفقهاء جميعهم مع تعدد آرائهم في توصية الميت بالحج عنه على النحو الآتي:
- اشترط المالكية، والحنفية أن يكون الميّت قد أوصى بالحَجّ عنه.
- في حين ذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب الحجّ عنه إن كان قادراً على الحجّ قبل موته، ولكنّه مات مُفرطاً، سواءً أوصى أمْ لم يُوصِ.
- الشرط المتعلق بعجز الأصيل عن الحج: وقد تنوعت آراء الفقهاء في هذا الشرط على النحو الآتي:
- اشترط الحنفية والشافعية أن يكون الأصيل عاجزاً عن الحجّ عَجزاً مستمرّاً إلى حين الأجل، كالمرض، والحَبس؛ بحيث لو زال العَجز عنه قبل الموت وكان قد وَكَّلَ غيره بالحَجّ عنه، فإنّ ذلك لا يُجزئه.
- لم يشترط ذلك الحنابلة؛ فقالوا لو زال العَجز عن الأصيل قبل الموت وكان قد وَكَّلَ غيره بالحَجّ عنه؛ فإن ذلك يُجزئه.
- قال المالكية بعدم جواز الحَجّ عن الشخص الحيّ إلّا بعد وفاته.
- الشرط المتعلق بأداء الوكيل الحج عن نفسه، وهذا من الشروط المختلف عليها بين الفقهاء على النحو الآتي:
- اشترط كل من الشافعية والحنابلة أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه، وإلّا لم تُجزئ الحجّة عن الأصيل.
- لم يشترط الحنفية، والمالكية ذلك؛ إذ ذهبوا إلى جواز حجّ المسلم عن غيره حتى وإن لم يكن الوكيل قد حَجّ عن نفسه؛ لأنّ الحَجّ عند المالكية لا يجب على الفور، وإنّما يجب على التراخي.
- أن يكون الأصيل قد أمرَ بالحَجّ عنه، وذلك إن كان حيّاً، وهذا عند الفُقهاء جميعهم، أمّا إن كان الأصيل ميّتاً فتنوعت آراء الفقهاء على النحو الآتي:
- لا يجوز الحَجّ عنه إلّا إذا أوصى عند الحنفية ، والمالكية.
- وذهب الشافعية، والحنابلة إلى وجوب الحَجّ عنه حتى وإن لم يُوصِ، وتكون نفقة الحجّ من تَرِكَته إن كانت له تَرِكة، فإن لم تكن له تَرِكة، فيُستحَبّ لورثته الحَجّ عنه، أو إرسال من يحجُّ عنه.
- الشرط المتعلق بنفقة الحج، وهذا شرط مختلف فيه على النحو الآتي:
- اشترط الحنفية أن تكون نفقة الحج أو أكثرها من مال الأصيل.
- أمّا الشافعية والحنابلة فيرون جواز التبرُّع بنفقات الحَجّ عنه.
- ويرى المالكية أنّ الأمر في ذلك يعتمد على وصيّة الأصيل، ويُستثنى من نفقة الحَجّ دم القِران والتمتُّع؛ إذ تكون على نفقة الوكيل.
- الشرط المتعلق بالإحرام ونوع الحج، وهذا شرط مختلف فيه على النحو الآتي:
- اشترط الشافعية أن يكون إحرام الوكيل من الميقات الذي طلب الأصيل إحرامه منه وعلى النَّحو الذي طُلِب منه؛ فلو أُمِر بحجّ الإفراد وحَجّ قارناً، فإنّ الحَجّ يقع، أمّا إن أمرَه الأصيل بالإفراد وتمتَّعَ الوكيل، فإنّه لا يقع.
- بينما يرى الحنفية خِلاف ذلك؛ فلا يقع الحجّ عندهم في حال الحجّ بطريقة أخرى غير التي طُلِبت منه، وهو غير جائز، ويجب عليه ضمان نفقات الحجّ.
- في حين يرى المالكية مُساواة حَجّ القِران بحَجّ التمتُّع.
- ويرى الحنابلة جواز أيّ نوع من أنواع الحجّ.
- الشرط المتعلق بأخذ الوكيل الأجرة: تنوعت آراء الفقهاء في أخذ الوكيل للأجرة على النحو الآتي:
- أجاز جمهور الفقهاء أخذُ الوكيل للأجرة عن الحجّ، واستدلّ الجمهور بعدّة أدلة، منها: أنّه يجوز أخذ النفقة على الحج، بإقرار متقدمي الحنفية أنفسهم، فجاز إذن الاستئجار بأداء الحجّ.
- قال متقدّمو الحنفية بعدم جواز أخذ الوكيل للأجرة.
- الشرط المتعلق بسن الوكيل: تنوعت آراء الفقهاء في هذا الشرط إلى الأقوال الآتية:
- اشترط الجمهور من الفقهاء أن يكون الوكيل بالغاً عاقلاً بالاتفاق.
- أجاز الحنفية أن يكون الوكيل صبياً، بشرط أن يكون مُميّزاً.
- الشرط المتعلق بطريقة الحج: تنوعت آراء الفقهاء في طريقة حج الوكيل عن الأصيل على النحو الآتي:
- يجب أن يكون حَجّ الوكيل عن الأصيل راكباً عند جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
- أمّا المالكية فيجب عندهم الحجّ ماشياً بشرط عدم وجود المَشقّة الشديدة.
حج النفل عن الغير وشروطه
تعددت آراء الفقهاء في شروط حج النفل عن الغير وشروط ذلك على النحو الآتي:
- اتّفق فُقهاء الحنفية، والحنابلة على جواز حجّ النَّفل عن الغير مُطلَقاً.
- ذهب المالكية إلى جواز ذلك أيضاً ولكن مع الكراهة، وفي حَجّ النَّذْر كذلك.
- ويرى جمهور فقهاء الشافعية جواز الاستنابة في حجّ النَّفل عن الحيّ الذي لا يستطيع الحجّ عن نفسه؛ لعَجز، أو مَرض، أو عن ميّت لم يُوصِ بالحجّ عنه.
- وجاء قول آخر للشافعية بعدم الجواز؛ لأنّ الجواز في حجّ الفَرض كان لضرورة، ولا ضرورة في حجّ النَّفْل.
واشترط الفقهاء لصحّة حجّ النَّفل عن الغير أن يكون مُسلماً ، عاقلاً، مُميّزاً، وأجاز الحنفيّة أن يكون مُراهقاً، وأن يكون قد حجّ عن نفسه، وليس عليه حجٌّ آخر مفروض.
حكم الحج عن الحي والميت
فيما يأتي بيان لحكم الحج عن الغير سواءً أكان الغير ما زال على قيد الحياة أم متوفياً:
حكم الحج عن الحي
أجاز الفُقهاء أن يحجّ المسلم عن غيره بشرط أن يكون قد حجّ عن نفسه؛ سواءً كان الحجّ فَرضاً، أو نَفلاً، ويجوز للمرأة أن تحجّ عن غيرها حتى وإن كان رجلاً، ولا يجوز الحجّ عن الحيّ إلّا بإذنه، أمّا إن كان ميّتاً فلا يُشترَط إذن الوليّ في ذلك؛ لأنّه دَين يسقط بفِعل أيّ أحد، ويجب الحجّ عن الميّت إن كان مُستطيعاً حال حياته ولم يحجّ.
حكم الحج عن الميت
يُعَدّ الحجّ عن الميّت من أفضل العبادات التي ينتفع بها الميّت، خاصّة إذا كان الميّت أحد الوالدين ؛ فقد سُئِل النبيّ عن ذلك، فأجاب بالقبول عن سؤاله في ما يتعلّق بالحجّ عن الميّت كما في الحديث الشريف.
فقد ورد في خبر امرأة جاءت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تسأله في أُمّها التي ماتت ولم تحجّ؛ (قالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: حُجِّي عَنْهَا)، والمرأة التي جاءت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقالت له: (إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ).
وإن كان الوالدان قد حجّا الفريضة، فإنّه يؤدّي عنهما حَجّ النافلة، وإن لم يكونا قد أدّيا العمرة، فإنّه يُؤدّيها عنهما، ويُعَدّ الحجّ من الديون التي تستحقّ على العبد لخالقه، ويسقط بالموت، إلّا أنّ النيابة تجوز فيه؛ فالذي يحجّ عن إنسانٍ آخر، كالوالدين، يكون قد أسقط هذا الدَّين عنهم.
الحكمة من الحج
يُعَدّ الحجّ ركناً من أركان الإسلام الخمسة؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وتشريع الحجّ يحمل حِكَماً عديدة، منها الحكم الآتية:
- تحقيق العبوديّة لله -تعالى-؛ فالعبد يبذل ماله، وبَدَنه؛ ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، واستجابة لأمر الله -عزّ وجلّ- بأداء مناسك الحجّ.
- شهود الحجّاج منافعَ الموسم؛ قال -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).
- شهود وحدة صفوف المُسلمين على الرغم من اختلافهم في اللون، والجنس، واللغة، ممّا يُشعر الحجّاج والمسلمون بأثر العقيدة وسلامة المنهج.
- تحقيق المنفعة في اجتناب المسلم للشِّرك والزُّور بصوره جميعها؛ فهو يدعوه إلى توحيد الله -تعالى- في أعماله كلّها، وذِكر الله -تعالى- أيضاً في مناسكه جميعها، كرَمْي الجَمَرات، وذَبْح الهَدي، وغيرهما من المناسك .
- الأصيل: يُقصد بالأصيل في المقال: المحجوج عنه، أي: الذي يُؤدّى عنه الحجّ.[14]
- الوكيل: هو الذي يؤدّي فِعل غيره؛ أي ينوب عنه فيه.[15]