ما هو عقوق الآباء للأبناء
عقوق الآباء للأبناء
أوجب الإسلام على الآباء مجموعة من الواجبات تجاه أبنائِهم، وأمرهم بالقيام بها، ولم يجعل الله تعالى هذه الواجبات تبعًا للعواطف والغريزة الفطرية، وإنّما نظّمها بقوانين وأحكام ملزمة، تحفظ للأبناء جميع حقوقهم؛ من تربية وتنشئة، وحفظ نسبهم والإشراف على أموالهم، فإن أحسنَ الآباء كان لهم الأجر والثواب من الله، وإن أساؤوا فسيُحاسبون على تقصيرهم أمام الله -تعالى-.
وهناك صور تبيّن عقوق للآباء تجاه أبنائهم نوضّحها فيما يأتي:
عدم العدل بين الأبناء
ينبغي على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية، لا سيّما بين الذكور والإناث؛ فإنّ الظلم يقع على الأنثى أكثر من الذكر، فلا يجوز أن يُقدّم أحدًا على أحد بأن يُعطي أحدًا ويمنع غيره، فإن أعطى كل واحد منهم بيتًا فلا يخصّ أحدًا منهم بالبيت الأثمن والأجمل.
ثبت عن النعمان بن البشير -رضي الله عنهما- قال: (سَأَلَتْ أُمِّي أبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لي مِن مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا له فَوَهَبَهَا لِي، فَقالَتْ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ، قَالَ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
فقد سمى الله -تعالى- هذه العطية بالجور، والجور حرام، فينبغي على الأب أن يعدل بينهم في العطية، ودليل ذلك في الحديث قال: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إِذًا)، ولكن يجوز أن يعطي الوالد أحد أولاده المحتاجين ما يكفي حاجته وعوزه، ولا يزيد على ذلك.
تسمية الأبناء بالأسماء المكروهة
ينبغي على المسلم إذا رُزق بمولودٍ أن يختار له اسمًا حسنًا، وألّا يُسميه باسمٍ يجلب له الإساءة إذا كبر، فإنّ أفضل الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمّام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ)، وفي رواية أخرى: (وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ).
وعليه أن يجتنب من الأسماء ما يأتي:
- الأسماء القبيحة
مثل: حمار، وشيطان، وحرب ومُرّة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ).
- الاسم الذي إن نفيته انقلب إلى شؤم
كاسم نجيح؛ فإن قيل: هل نجيح هنا، يجاب: لا، فيكون المعنى لا نجاح هنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا، وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ فَيَقُولُ: لَا).
- أن لا يكون الاسم يحمل معى الشِرك
مثل: عبد العزى، وعبد اللات، وغير ذلك.
عدم الإنفاق على الأبناء
أوجب الله -تعالى- على الآباء النفقة على أولادهم ما داموا صغارًا محتاجين إلى ذلك، قال الله -تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
ووصف الله تعالى الرجل الذي لايُنفق على أولاده بالذي يُضيّع الأمانة، ورتّب على ذلك الإثم، والإثم يدلّ على فحش الخطأ، وعلى أنّ مصير هذا المخطئ هو النّار، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ).
وقد قال الإمام ابن قدامة: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أنّ على المرء نفقة أولاده؛ الأطفال الذين لا مال لهم؛ ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، كذلك على بعضه وأصله".
عدم تنشئتهم على الدين
ينبغي على الوالدين تربية أبنائهم على طاعة الله تعالى ورسوله، وتنشئتهم على الخُلق القويم؛ لأنّهم أمانة في أعناقهم، وإنّ عدم تربيتهم تضييع للأمانة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا). ولا سيّما تعليمهم الصلاة، وذلك لأهميتها، وتأكيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليها، حيث قال: (مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ).
وينبغي على الوالد أن يفعل الخير أمام أبنائِه؛ لأنّ الإنسان مجبولٌ على التلقي والتعلم من القدوة، وهذا أرسخ في نفسه، وأبقى في حافظته، وأسهل في التعلم من جهة الولد. بالإضافة إلى الحث على حفظ القرآن الكريم وتعلّم أحكام تجويده .
فقد يكون هذا السبب وحده كافياً لإدخال الوالدين الجنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا وَكَانَتْ فِيهِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهِ).
عدم منح الأبناء حقوقهم الأساسية
وجَّهنا الإسلام بأن نرفق بأولادنا، و أن ندعو لهم لا أن ندعو عليهم ، قال الله -تعالى-: (وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هـذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ)، ولما وصف الله تعالى-الصالحين، جعل من صفاتهم أنهم يدعون لذرياتهم، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) .
وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ندعو على أهلنا وأولادنا، فقال: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ).