ما هو الوسواس القهري
ما هو الوسواس القهري؟
يمكن تعريف الوسواس القهريّ (بالإنجليزية: Obsessive Compulsive Disorder-OCD) على أنّه أحد الاضطرابات النفسية العقلية التي قد تُصيب البعض، ويتمثل بمعاناة المصاب من هواجس أو هوس الأفكار المرتبط بتكرار أفعال معينة عدة مرات، لدرجة لا يمكنه مقاومتها، بالرغم من أنه مكره على ذلك.
وفي الحقيقة لا نستطيع القول إن الإصابة باضطراب الوسواس القهريّ شيء يُشبه عادة قضم الأظافر أو التفكير بأفكار سلبية بشكل دائم، وإنّما يتسبب هذا الاضطراب حقيقةً بتعكير صفو حياة المصاب، وقد يتسبّب بتغيّبه عن المدرسة، أو الجامعة، أو العمل، وكذلك يؤثر في علاقاته بشكلٍ ملحوظ، ويجعل الشخص يشعر أنّ تصرفاته خارجة عن سيطرته؛ وذلك لأنّ المصاب يُدرك أنّ ما يُفكر به وما يفعله ليس بالأمر الصحيح، ولكنّه لا يملك القدرة على التوقف عن التفكير بهذه الطريقة أو التصرف بهذا الشكل.
أنواع الوسواس القهري
فيما يأتي توضيح لأكثر أنواع الوسواس القهري شيوعًا:
وسواس الترتيب والتنظيم
ينطوي هذا النوع من الوسواس على هواجس لدى الشخص حول ضرورة وجود الأشياء بترتيب أو تنظيم معين، بحيث تكون في مكانها الصحيح، أو يكون ترتيبها متماثلاً، فعلى سبيل المثال؛ قد يشعر الشخص بالحاجة إلى أن يكون مكتبه مرتبًا لدرجة مثالية، أو أن تكون جميع الملصقات على علب المؤونة في المطبخ موجهة للخارج، وإذا لم يقم بترتيب تلك الأمور سيشعر بالضيق، وستراوده الأفكار حول أنه شخص غير منظم مما قد يسبب الأذى لنفسه ومن حوله.
وسواس النظافة
غالبًا ما يشعر الأشخاص المصابون ب وسواس النظافة بالحاجة إلى غسل أيديهم باستمرار، وتنظيف كل ما حولهم بشكل متكرر، كما أنهم يشعرون بالاشمئزاز وعدم الارتياح من رؤية العناصر غير النظيفة حولهم، ويخشون من انتشار الأمراض؛ سواء بتعريض أنفسهم أو تعريض غيرهم لها عبر اللمس أو الاقتراب.
وسواس الشك والتفقد
يشعر الشخص المصاب بهذا النوع من الوسواس بالقلق المستمر من أن يحدث أي ضرر نتيجة إهماله، لذا فهو يحرص للتأكد باستمرار من أنه قام بالمهام بشكل صحيح، فإذا أراد الخروج من المنزل، يتأكد مرارًا وتكرارًا من أن الأبواب مقفلة تمامًا، وأن الموقد مغلق، ويتحقق باستمرار من وجود الأموال في المحفظة، وقد يضطر للتحقق من ذلك عدة مرات أو حتى التحديق فيه لفترة طويلة، حتى يشعر بالراحة والأمان.
وسواس الأذى
يؤدي هذا النوع من الوسواس بالشخص إلى هواجس تدفعه إلى الخوف من أن يتسبب بالأذى لأحد أفراد أسرته أو أصدقائه أو أي شخص غريب، ولتهدئة تلك الهواجس يضطر إلى نفي ذلك بصوت عالٍ، أو تكرار شيء ما ذهنيًا لإبعاد تلك الأفكار، وبالرغم من أن تلك الأفكار العنيفة أو الضارة قد تراوده، إلا أنه يرفض تمامًا القيام بهذا التصرف؛ لأنه يخالف طبيعته.
وسواس اجترار الأفكار
وهو نوع من الوسواس الفكري ، إذ يعلق في رأس الأشخاص المصابين بهذا النوع من الوسواس أفكارًا متعلقة بألغاز فلسفية أو دينية أو أسئلة لا إجابات لها، ويستمرون بالتفكير في تلك الأسئلة لدرجة أنهم قد يتجاهلون المسؤوليات الملقاة على عاتقهم أثناء محاولتهم البحث عن إجابات، فيشعرون بالضيق لعدم وصولهم لإجابات مقنعة.
أعراض الإصابة بالوسواس القهري
يمكن تصنيف الأعراض التي تظهر على المصابين بالوسواس القهريّ إلى مجموعتين رئيسيتين، وفيما يأتي بيان ذلك:
الهواجس
يمكن تعريف الهواجس على أنّها أفكار تُسيطر على دماغ المصاب، فتشغله معظم الوقت مُسبّبة تخلّفه عن المناسبات الاجتماعية ومؤثرةً في حياته بشكلٍ ملحوظ، وفي الحقيقة وجد الباحثون أنّ معظم الأشخاص يُعانون من بعض الهواجس بين الحين والآخر، ومثال ذلك؛ الخوف على سلامة أحبّائهم، والقلق بشأن ما إن كانوا أدوا واجباتهم بشكل صحيح، والشعور ببعض المشاعر السلبية، ولكن هذا الأمر غالباً ما يكون مؤقتاً، ولا يؤثر في طبيعة حياتهم بشكل ملحوظ، فيستمرّون بممارسة أنشطتهم اليومية.
ولكن يُعاني المصابون بالوسواس القهريّ من مثل هذه المشاعر والمخاوف والهواجس بشكلٍ متكرر للغاية، وقد تمنعهم هذه الهواجس من الذهاب إلى العشاء مع أصدقائهم مثلاً، وغير ذلك من الممارسات اليومية المعتادة، إضافة إلى ما سبق يمكن بيان بعض الأعراض المُسمّاة بالهواجس فيما يأتي:
- الخوف المرتبط بعدم القيام بأنشطة معينة؛ كالخوف من إيذاء الآخرين، والخوف من تحّمل مسؤولية أخطاء أو مشاكل من الممكن أن تحدث.
- الهواجس المرتبطة بالحرص على الكمال وتمام المعرفة؛ كالقلق من عدم القدرة على إجابة أسئلة ما، والخوف من نسيان بعض المعلومات وعدم تذكرها، وعدم القدرة على اتخاذ قرار بالاحتفاظ بالأشياء أو التخلص منها.
- الهواجس الشديدة المرتبطة بالأخلاق الجيدة والسيئة، وكذلك القلق الكثير بشأن ارتكاب الذنوب.
- الهواجس المرتبطة بالنظافة.
السلوك القهريّ
يمكن تعريف السلوك القهريّ على أنّه أفعال أو أفكار يقوم بها الشخص الذي يُعاني من الوسواس القهريّ بغرض التخلص من الشق الأول من الأعراض والذي يتمثل بالهواجس، وكذلك قد يتمثل السلوك القهريّ بهروب الشخص من أماكن أو أوضاع تُحفّز لديه تلك الهواجس.
وعلى الرغم من معرفة المصاب أنّ مثل هذه السلوكيّات لن تكون إلا حلاً مؤقتاً لهواجسه، إلا أنّه بسبب غياب الحلول الأخرى، يعمد إلى هذه السلوكيات القهرية على أمل التخلص من الهواجس، وإن كان الأمر لفترة قصيرة، ومن الجدير بالذكر أنّ الهواجس والسلوكيات القهرية تستنزف وقت المصاب وطاقته، ويمكن توضيح هذه السلوكيات بشرح بعض الأمثلة عليها فيما يأتي:
- الإفراط في غسل اليدين أو الاستحمام أو القيام بأنشطة تُظهر حرصاً على النظافة بشكلٍ زائد عن حده؛ كالإفراط في تنظيف القطع المنزلية كذلك.
- التفحص الدائم للأمور بشكلٍ يزيد عن الحد الطبيعيّ؛ كفحص الجسد للتأكد من سلامته، وتفقد الأمور باستمرار بشكلٍ غير طبيعيّ.
- تكرار القيام ببعض الأمور، كإعادة الكتابة مرات ومرات، أو تكرار القراءة، أو تكرار بعض الحركات الجسدية؛ كالرمش مثلاً، أو يمكن أن يقوم المصاب بتكرار بعض التصرفات للوصول إلى رقم محدد كالقيام بمهمة ثلاث مرات لاقتناع المصاب أنّ هذا يُشعره أنّ أداءه سليم وصحيح.
- إعادة ترتيب الأشياء، على الرغم من أنّها مرتبة ولا تحتاج إلى ذلك.
- الإفراط في العبادة لدفع الأذى عن النفس أو الآخرين.
- العدّ خلال أداء مهمة معينة للوصول إلى رقم ما.
أسباب الإصابة بالوسواس القهري
لم يتوصل الباحثون بعد إلى الأسباب الدقيقة للإصابة بالوسواس القهري ، إلا أنهم يعتقدون أن هنالك عدة عوامل تساهم في حدوثه، وفيما يأتي أبرزها:
- الوراثة
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى (أب أو أم أو أخ) مصاب بالوسواس القهري، فهم أكثر عرضة للإصابة به، ويزداد خطر الإصابة إذا كان القريب قد أصيب بالوسواس القهري في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
- تغيرات في الدماغ
أظهرت بعض الدراسات وجود اختلافات في القشرة الدماغية للأشخاص المصابين بالوسواس القهري، كما يرتبط الوسواس القهري ببعض الحالات العصبية التي تؤثر على مناطق مماثلة في الدماغ؛ كمرض باركنسون، والصرع، ومتلازمة توريت.
- متلازمة بانداس
وهي اضطرابات المناعة الذاتية العصبية للأطفال المرتبطة بالعدوى بالمكورات العقدية، إذ تؤثر على الأطفال الذين أصيبوا بعدوى بكتيرية؛ كالتهاب الحلق، أو الحمى القرمزية، وقد يعاني المصابون بتلك المتلازمة من الوسواس القهري.
- الإصابة بصدمة في الطفولة
أظهرت بعض الدراسات وجود علاقة بين تعرض الشخص خلال مرحلة الطفولة للصدمات الناتجة عن سوء المعاملة، أو الإهمال، وبين إصابتهم بالوسواس القهري.
علاج الوسواس القهري
في الحقيقة يقوم علاج حالات الإصابة بالوسواس القهريّ على إعطاء بعض الأدوية أو العلاج النفسيّ (بالإنجليزية: Psychotherapy) أو كليهما، وذلك بالاعتماد على صحة المصاب العامة وحالته، ويجدر بالذكر أنّ الطبيب المختص عليه أن يأخذ بعين الاعتبار المشاكل والاضطرابات الصحية التي يُعاني منها المصاب بالوسواس القهريّ، فكثير منهم يُعاني إلى جانب هذا الاضطراب من الاكتئاب أو القلق أو غير ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أنّه بالرغم من أنّ أغلب المصابين يُبدون استجابة للعلاج المستخدم، إلا أنّ البعض لا يُبدي ذلك، وتظل لديه الأعراض، وفيما يأتي بيان لبعض العلاجات الممكنة:
الخيارات الدوائية
وتتمثل بشكلٍ أساسيّ بمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (بالإنجليزية: Selective serotonin reuptake inhibitors) واختصاراً (SSRI)، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الأدوية قد تحتاج من 8 إلى 12 أسبوعاً حتى تُلاحظ نتائجها، وكذلك قد يتطلب الأمر في أغلب الأحيان صرف جرعات من هذه المثبطات أعلى من جرعاتها المستخدمة في حال المعاناة من الاضطرابات الأخرى مثل؛ الاكتئاب.
العلاجات النفسية
ومن الأمثلة عليها العلاج السُّلوكي المعرفي (بالإنجليزية: Cognitive behavioral therapy)، وقد وجد بعض الباحثين أنّ له دوراً فعالاً يماثل العلاجات الدوائية، وكما هو الحال مع معظم الاضطرابات الشخصية، عادةً ما يكون العلاج شخصيًا، وقد يبدأ بالأدوية أو العلاج النفسي، كما قد يلجأ إلى مزيج من العلاجين.