ما علامات الرياء
تعريف الرياء وخطورته
إنّ من أعظم أمراض القلوب خطورةً، وأكثرها انتشاراً بين الناس، مرض الرياء، ولذلك فقد جاءت كثيرٌ من النصوص الشرعية تحذر المسلم منه، وتنهاه عن الوقوع في شباكه، وقد عرّف العلماء الرياء بأنّه: ابتغاء العاجل الفاني ممّا عند الناس في الدنيا، من خلال إظهار خِصال الخير أمامهم، وإيثار ذلك على الآجل الآخروي ممّا عند الله تعالى، وقد أخبر سبحانه أنّه لا يقبل من العمل إلّا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، فلو تفكّر الإنسان لعلم أنّه سيكون يوم القيامة في أمسّ الحاجة إلى صافي الحسنات، وهذه لا تكون إلّا بالعمل الخالص المقبول عند الله سبحانه، وقد أخبرت الشريعة الإسلامية أنّ الرياء من أكبر الذنوب، بل جعلته شِركا بالله تعالى، لِما فيه من منافاةٍ للقصد الأصلي بإفراد الله تعالى بالعبادة، وإذا تأمّل الإنسان الأمر مليّاً، وجد أنّ المرائي قد جعل قيامه بالعبادات مطيّةً لتحقيق مآرب شخصيةً له، بالتالي فقد استعمل العبادة في غير ما شُرعت من أجله، واستهان بمقام الألوهية، لذلك فقد توعّد الله المرائين في صلاتهم، فقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ).
وقد جاء في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وسنته الشريفة العديد من الأحاديث الدالّة على خطورة الرياء على الدين وعلى المرائي، منها ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مرةً لأصحابه : (ألا أخبرُكم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟ قالوا: بلى، قال: الشركُ الخفيُّ، يقومُ الرجلُ فيصلي فيزيِّنُ صلاتَه، لما يرى من نظرِ رجلٍ)، كما أنّ الله -عزّ وجلّ- بيّن في القرآن الكريم أنّ من يبتغي في أعماله أجراً وثواباً في الحياة الدنيا، يؤتيه الله سبحانه من ذلك، إلّا أنّه يجعل مصيره يوم القيامة العذاب الشديد في جهنم ، حيث قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا)، ويظهر من ذلك كلّه؛ أنّه لا بدّ للعبد من السعي لوقاية قلبه من هذا الداء العضال الخطير، وأن يبادر في تشخيصه عند إصابته به، حتى يجتهد في التوصّل إلى الدواء الناجح لمعالجته، فيكون بذلك قد خطا خطواتٍ مهمةٍ في طريق التخلّص من أحد معيقات سيره إلى الله تعالى.
علامات الرياء
للرياء علاماتٌ يمكن للإنسان ملاحظتها في نفسه؛ حتى يعلم إن كان قلبه مصاباً بهذا المرض الخطير، أم لا، فإن كان مصاباً سارع إلى البحث عن العلاج، واجتهد في التخلّص من الداء، وفيما يأتي بيان بعض تلك العلامات:
- أن يكسل الإنسان في العمل الصالح، ويتثاقل عنه إذا كان وحده.
- أن ينشط الإنسان ويجتهد في تحصيل الأعمال الصالحة، والمبادرة في الخيرات عندما يكون في جمع الناس، يريد بذلك إظهار أفعاله الخيّرة أمامهم.
- أن يزيد الإنسان في أعماله الصالحة، ويجتهد فيها أيّما اجتهاد عند سماعه لثناء الناس عليه، ومدحهم لأفعاله.
- أن يُنقص الإنسان في عمله، ويتباطأ فيه إذا ذمّه الناس ولم يعجبوا به.
- أن يتقصّد الإنسان إظهار أعماله الصالحة للناس، وتحديثهم عنها، وإخبارهم بما يفعله من خيراتٍ، وطاعاتٍ، وحسناتٍ، وذلك حتى يحصل منهم على المدح والثناء.
- أن يتجرأ الإنسان على الفتوى، ويحرص على أن يكون في مقام المدرّس للآخرين المعلّم لهم.
- أن ينشغل الإنسان في فرض الكفاية ، ويترك فرض العين، فتراه معرضاً عن تعلّم العقيدة ، وأسماء الله تعالى، وصفاته ، وتصحيح العبادات، إلّا أنّه حريصٌ على الاستنباط، والترجيح بين الأقوال الفقهية.
- أن يُكثر الإنسان من الجدال والكلام بغير علمٍ.
علاج مرض الرياء
حتى يتمكّن الإنسان من التخلّص من مرض الرياء، ومعالجته، لا بدّ له من بعض المُعينات على ذلك، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:
- التزوّد بالإيمان؛ ويكون ذلك في الاعتقاد، والقول، والعمل.
- استحضار معنى عظمة الله جلّ وعلا، واستحقاقه للعبادة وحده دون شريكٍ له.
- تذكّر مراقبة الله تعالى للعبد؛ فهو مطّلعٌ على نوايا العبد لا يفوته منها شيءٌ.
- الخوف من إحباط العمل، فيخشى العبد عدم القبول؛ بسبب ما يخالط نيته من رياءٍ وسُمعةٍ.
- التفكّر في أنّ مدح الناس وثنائهم على الإنسان لا يزيده شيئاً، وكذلك ذمّهم إياه، وانتقاصهم منه لا ينقصه شيئاً.
- التفكّر في حقيقة كلٌّ من الدنيا والآخرة؛ فالدنيا فانيةٌ زائلةٌ، والآخرة باقيةٌ خالدةٌ.
- مجاهدة النفس ومراقبة النوايا، والحرص على تجديد النية الصالحة عند فعل الطاعات، والعبادات .
- المداومة على قراءة القرآن الكريم، مع الاجتهاد في تدبّره، وفهم آياته، فهو شفاءً لصدور المؤمنين، وفيه هدىً ورحمةً لهم، كما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّ المداومة على قراءة سورة الكافرون قبل النوم ، براءةٌ للإنسان من الشرك .
- الاطّلاع على سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته، والتابعين، والعبّاد الصالحين المخلصين الزاهدين.
- تذكّر الموت، والتفكير في حال الإنسان عند لقاء الله تعالى.
- التعوّد على إخفاء بعض الأعمال الصالحة، خاصةً تلك التي يمُكن للإنسان إخفاؤها؛ كبعض صلاة النافلة ، وبعض الصدقات، وترك الحرص على إظهار ما وفّق الله تعالى الإنسان لفعله من الطاعات.
- الإلحاح على الله تعالى في الدعاء، بأن يرزق الإنسان الإخلاص ، ويُعينه عليه، ويمكّنه في قلبه، وكذلك التعوّذ به من الرياء، والسُمعة، فهذا من هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسنّته.