ما صفات عمر بن الخطاب
صفات عمر بن الخطّاب الخَلقيّة
اتّصف عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بكل ما يدلّ على الحزم والقوّة والشدّة والهيبة، وقد كان يميل إلى السُّمرة في لون بشرته كما أخواله، وفي رواية أنه كان أبيض اللّون، وفي رواية أنّه اسمرّ في عام الرّمادة، وربما صار كذلك بعد تولّيه خلافة المسلمين، من شدّة ما أصابه من التّعب والجهد والمشي تحت أشعة الشّمس وهو يتفقّد أحوال الرَّعية مع قلّة طعامه وشرابه؛ وقد كان ضخماً طويلاً أصلع الرّأس، كثيف اللّحية، عريض الكتفين، قويّ البُنية، حيث كان يتحدّى ويتصارع في سوق عُكاظ، وقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا عُمَرُ، إنَّك رجُلٌ قويٌّ، لا تُزاحِمْ على الحَجَرِ فتُؤذِيَ الضعيفَ)، وصوته مرتفعٌ، إذا مَقَت نفخ فمه وفتل شاربه، وكان يعمل بيديه معاً، وفي عينيه حَوَرٌ، وفي لحيته صُفرةٌ، ويضع على رأسه الحنّاء. وفي عينيه حُمرة.
صفات عمر بن الخطّاب الخُلقيّة
صفات عمر الخُلقيّة الدَّالّة على عزمه وقوّة إرادته
توجد العديد من الصفات التي تدلّ على عزم وقوة إرادة عمر -رضي الله عنه-، ومنها:
- الزّهد: كان عمر زاهداً في الدّنيا مقبلاً على ما عند الله، فقد كان رسول الله يعطيه المال ولا يرضى به في كلّ مرّة، فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خُذْهُ، فَتَمَوَّلْهُ، وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَما جَاءَكَ مِن هذا المَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَالَا فلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ)، وكان -رضي الله عنه- إذا جاع أكل ما يَسدّ جوعه فقط، فقال عنه عبد الله بن عامر أنّه كان يفطر في رمضان عند عثمان بن عفّان من أجود أنواع الطّعام، وما رأى ذلك عند عمر بن الخطّاب، فقال لعثمان ذلك، فقال عثمان: "يرحم الله عمراً، ومن يطيق ما كان يطيق عمر".
- ولشدّة زهده لم يكن يُعلم أنّه أمير المؤمنين من بين العامّة لمن لا يعرفه، وهو الذي قال فيه سعد بن أبي وقّاص أنّه لم يسبقهم في الإسلام، لكنّه أفضل منهم بسبب زهده في الدّنيا، ومن ذلك أنّه لمّا ذهب إلى الحجّ لم يستظلّ تحت ظلٍّ أبداً، ويعود ذلك إلى ملازمته للقرآن، ومرافقته لرسول الله، وعِلمه أنّ هذه الدّنيا فانية وإنّما هي دارعمل، والآخرة هي دار الجزاء والبقاء، ورغم أنّه كان خليفة المسلمين وبيده أموال بيت المال، إلّا أنّه لم يكن يتطلّع إليها، حيث كان في كل ما يحتاجه من الطّعام والشّراب واللّباس والدّابة يأخذ ما يقضي حاجته فقط هو وأهله.
- الصّبر: وجميع الصفات التي اتّصف بها عمر بن الخطّاب من الزّهد والخوف من الله واستشعار مراقبته والورع أساسها الصّبر، وقد كان يقول: (وجَدنا خيرَ عيشِنا الصَّبرَ)، ومن المواقف التي يظهر بها اتّصافه بالحلم والصّبر؛ عندما خَطَب بالجابية في الشّام، فبيّن لهم توزيع الأموال وقسمتها، ثم اعتذر عن خالد بن الوليد ، حيث إنّه أمره أن يعطي المال لفقراء المهاجرين، فقسّمه على غير ما أمره، فأخذ المال منه وولّاه لأبي عبيدة، فقام أبو عمرو بن المغيرة يقول له أنّه غيّر من وكّله رسول الله، وأغمد سيفاً سلّه رسول الله، وقَطَع رحماً، وحسد ابن العم، فردّ عليه عمربحلمٍ: إنّك قريب القرابة، حديث السّن، تغضب في ابن عمّك.
- الهيبة: فقد كان عمر ذو هيبةٍ لمن حوله من الصّحابة والرّعية، ومن ذلك ما يخبر به ابن عبّاس: (مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أنْ أسْأَلَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ عن آيَةٍ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أسْأَلَهُ هَيْبَةً له).
- بُغضه للمدح والثّناء: فقد أقبلت عليه ابنته حفصة لمّا طُعن، وجعلت تقول له: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين، فلمّا سمع ذلك طلب من ابنه أن يسند ظهره، فقال لها: (أُحَرِّجُ عليكِ بما لي عليكِ مِنَ الحَقِّ أنْ تَندُبينَني بَعدَ مَجلِسِكِ هذا، فأمَّا عَينَيْكِ فلنْ أملِكَهما)، وقال لرجلٍ أثنى عليه: "تُهلكني وتُهلك نفسك".
- الكرم: فقد كان كثير الإنفاق في كل ما هو خير، وكان -رضي الله عنه- يتنافس مع أبي بكر الصّديق في الصّدقة ، وكان حريصاً على حسن الضّيافة وإكرام من يأتي إليه، وقد قال فيه ابنه عبد الله: (ما رَأَيْتُ أحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حِينَ قُبِضَ، كانَ أجَدَّ وأَجْوَدَ حتَّى انْتَهَى مِن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ).
- الشّجاعة: فقد كان قويّاً جريئاً بالحقّ طوال حياته، حتى قبل أن يسلم، ولم يتخلّف عن رسول الله بعد إسلامه أبداً، ثم كانت الفتوحات الإسلاميّة على يديه في عهده بتوفيق من الله.
- الوقوف عند أوامر الله تعالى: فإذا غضب وقُرئت عنده آياتٌ من كتاب الله أو ذُكر الله عنده، زال غضبه وتراجع عمّا يريد أن يُقْدِم عليه، فلمّا دخل عليه عيينة بن حصن وقال له: هي يا ابن الخطاب، فوالله لا تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر وهمّ به، فقام الحرّ بن قيس فقال له: إنّ الله قال لنبيّه: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، وإنّ هذا من الجاهلين، فما أن أنهى كلامه حتى تراجع عمر.
- القضاء بالعدل بين المسلمين: وتَوْلية شؤونهم لمن هم أهلٌ لذلك، ويكتب إلى ولاته في الأمصار ما يعينهم على مسؤوليتهم ويأمرهم بالحكم بين الرّعية بالعدل دون أن يتجبّر القويّ بالضّعيف، ولا يُهدر حق الضّعيف أمام القويّ.
صفات عمر الخُلقيّة الدّالّة على سماحته ولين جانبه
توجد العديد من الصفات التي تدلّ على سماحة ولين عمر -رضي الله عنه-، ومنها:
- التّواضع: فقد كان متواضعاً أمام خالقه وبين رعيّته، رغم ما كان يملكه من الهيبة والشّدّة، وما كان تحت حكمه من بلادٍ امتدّت إلى الجزيرة العربيّة، وبلاد فارس، وبلاد الشّام، ومصر؛ وقد كان -رضي الله عنه- ينام في المسجد ويتجوّل بين رعيّته دون أن يكون له جيشٌ يحرسه، ويقدم على الشّام راكباً البعير، فيقول له النّاس لو ركبت الخيل، فيردّ عليهم: "لا أراكم ها هنا إنّما الأمر من ها هنا"، ويشير بيده إلى السّماء.
- وفي يومٍ من الأيام الحارّة خرج وعلى رأسه رداؤه، فمرَّ به غلامٌ على حماره، فطلب منه عمر أن يركب معه، فنزل الفتى يريد أن يُركِب عمر ويركب هو خلفه، فقال له عمر: "أركب أنا خلفك"، لأنّ الفتى إنّما أراد أن يركب عمر على الموضع النّاعم ويركب هو على الموضع الخشن، فتنبّه عمر لذلك فركب هو على الموضع الخشن، ولمّا دخل عليه وفدٌ خاضعون له أحسّ بالعزّة في نفسه، فأراد أن يمحوها فخرج حاملاً الماء على ظهره، ولمّا دخل عليه الهرمزان رآه ممدّداً في المسجد دون حرس، فقال: هذا والله الملك الهنيء.
- المرح والتّسابق مع الصّحابة ومناغشتهم: ففي يومٍ ولمّا كانوا محرمين للحجّ، طلب من ابن عبّاس أن يتنافس معه ليرى أيّهما يستطيع أن يُبقي رأسه في الماء مدةً أطول، وكان -رضي الله عنه- يقول لأبي رافع الصّائغ: أكذب النّاس الصّائع يقول اليوم غداً؛ ممازحاً إيّاه، وكان الأنصار جلوساً، وإذا برجلٍ يقدم إليهم على فرسه يركض نحوهم حتى كاد أن يدهسهم، ففزعوا وقاموا من طريقه، فإذا به عمر بن الخطّاب، فسألوه عن أمره، فأخبرهم أنّه وجد في نفسه نشاطاً فأراد أن يركض على فرسه.
صفات عمر الخُلقيّة الدّالّة على قوة إيمانه
توجد العديد من الصفات التي تدلّ على قوّة إيمان عمر -رضي الله عنه-، ومنها:
- الحزم في الدّين والغضب لانتهاك محارم الله : فقد ثبت عن أبي هريرة أنّه قال: (بيْنَما الحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بحِرَابِهِمْ، إذْ دَخَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فأهْوَى إلى الحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بهَا، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: دَعْهُمْ يا عُمَرُ)، ولمّا رأى -رضي الله عنه- نسوةً في جنازةٍ، نهرَ عليهنّ، فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (دعْهُنَّ يا عُمَرُ، فإنَّ العينَ دامِعةٌ، والقلبَ مُصابٌ، والعهدُ قريبٌ).
- وقد شبّهه رسول الله بنبيّ الله نوحٍ -عليه السّلام- لشدَّته في أمر الله، ومن غيرته على حرمات الله ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ قالَ: بيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي في الجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلتُ: لِمَن هذا القَصْرُ؟ فَقالوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وقالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يا رَسولَ اللَّهِ).
- سماع الحقّ وقبوله والعودة إليه: فقد عُرف بعدم التّعصّب لرأيه، ومن ذلك لمّا ذَكر بني تميم وذمّهم، طَلب منه الأحنف أن يتكلّم، فقال لعمر إنّه لمّا ذكر بني تميم ذمّهم جميعاً، وأنّهم مثلهم مثل غيرهم فيهم الخيّر والسيّء، فتراجع عمر عن قوله لمّا سمع ذلك.
- حبّ ذكر الله والإقبال على سماع الموعظة: فقد كان يجمع الصّحابة ويطلب من أبي موسى الأشعري أن يقرأ عليهم القرآن، وكان يطلب من كعبٍ أن يذكّرهم بيوم القيامة وما فيه من أهوال، ويستمع إليه بخشوعٍ وخوفٍ.
- الخوف من الله : فقد قال عبد الله بن عمر لابن أبي موسى الأشعريّ: (هلْ تَدْرِي ما قالَ أبِي لأبِيكَ؟ قالَ: قُلتُ: لا، قالَ: فإنَّ أبِي قالَ لأبِيكَ: يا أبا مُوسَى، هلْ يَسُرُّكَ إسْلامُنا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهِجْرَتُنا معهُ، وجِهادُنا معهُ، وعَمَلُنا كُلُّهُ معهُ، بَرَدَ لَنا، وأنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْناهُ بَعْدَهُ نَجَوْنا منه، كَفافًا رَأْسًا برَأْسٍ؟ فقالَ أبِي: لا واللَّهِ، قدْ جاهَدْنا بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وصَلَّيْنا، وصُمْنا، وعَمِلْنا خَيْرًا كَثِيرًا، وأَسْلَمَ علَى أيْدِينا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وإنَّا لَنَرْجُو ذلكَ، فقالَ أبِي: لَكِنِّي أنا، والذي نَفْسُ عُمَرَ بيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنَّ ذلكَ بَرَدَ لَنا، وأنَّ كُلَّ شيءٍ عَمِلْناهُ بَعْدُ نَجَوْنا منه كَفافًا رَأْسًا برَأْسٍ، فَقُلتُ: إنَّ أباكَ واللَّهِ خَيْرٌ مِن أبِي).
- وبَرَد لنا؛ أي ثبت وتمّ ولم تنقضِ بركته وفضله وجوده. وفي الحديث دليلٌ على قلق وخوف عمر -رضي الله عنه-، فالمؤمن يزداد خوفاً من الله كلّما قلّت ذنوبه، ورُوي عنه أنّه أعتق رقبتين بعدما صلّى المغرب متأخّراً، وكان يوقد النّار ويقترب بيده منها، ويسأل نفسه أيصبر على حرِّها؟ وقد قال لأصحابه حين كان ينازع روحه: (واللَّهِ لو أنَّ لي طِلَاعَ الأرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ به مِن عَذَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ)، وقال: "لو نادى منادٍ من السماء: يا أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفتُ أن أكون أنا هو. ولو نادى منادٍ: أيها الناس، إِنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً لرجوت أن أكون أنا هو".
- البكاء من خشية الله: وذلك ناتج عن خشوعه لله ورقّة قلبه، فقد كان الصّحابة يسمعون صوت بكائه وهو يتلو الآيات، وكان في وجهه خطّان من أثر الدّموع، وقد كان يبكي عند الكعبة ، فالتفت إليه رسول الله وقال له: (ههنا تُسْكَبُ العَبَراتُ).
- الورع: فقد سقاه أحد الصحابة لبناً ذات يوم، فسأله عنه عمر، فأخبره الصحابي أنّه من السّقاة الذين يوزّعون الصّدقة، فأدخل يده في فمه ليتقيأه، وقد كان يقول -رضي الله عنه-: "تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام"، وكان من شدّة ورعه حرص الصحابة على التعلّم منه. وقد كان عمر بن الخطّاب حريصاً على أن لا يعتدي على ما ليس من حقّه من بيت مال المسلمين، فيحرص على أن يأكل مع أصحابه لكنّه يطلب أن يُحضّر له طعاماً من ماله الخاص، ليتجنّب ما فيه شُبهة التّحريم، فإنّ خوفه من حساب الله في الآخرة أثّر في سلوكه في حياته، حتّى أنّه لما مرض وصفوا له العسل دواءً، وكان في بيت المال عسلٌ قد جلبوه من البلدان الأخرى، فلم يرضَ أن يتداوى به حتى قام خطيباً بالرّعية واستأذن منهم فأذنوا له.