ما أسباب وجود الغزل العذري في العصر العباسي؟
ما أسباب وجود الغزل العذري في العصر العباسي؟
برزت مجموعة من الأسباب التي ساعدت على وجود الغزل العذري في عصر المجون والترف، ولعل من أهم تلك الأسباب ما يلي:
- عدم تمكن الشاعر من الاتصال بالمحبوبة بعد رؤيتها في المرة الأولى وبقاء الشاعر في قيد الألم طوال حياته.
- عشق الشعراء لبعض الجواري والولوع بهن والهُيام بقلوبهن وعدم القدرة على الاتصال بهن.
- امتداد الغزل العذري من العصر الأموي حتى العصر العباسي وبقاء بعض الشعراء على العهد القديم الذي ألفوه عند كثيّر عزة وقيس بن الملوح.
- ميْل بعض أرباب شعر الغزل الصريح إلى الغزل العفيف من أمثال بشار بن برد وأبي نواس لمّا طرق الحب أبواب قلوبهم بعيدًا عن الغرائز والشهوات.
- مطارحة الغزل العفيف مع الجواري اللواتي كُنّ يُحسنّ قول الشعر ونظْمه.
أعلام الغزل العذري في العصر العباسي
لقد برز بعض الشعراء الذين كان لهم أثر واضح في الغزل العفيف ولعل من أبرزهم الأسماء الآتية:
- العباس بن الأحنف
واحد من الشعراء العرب الذي تعود أصوله إلى بني حنيفة، نشأ في بغداد وترعرع فيها، خالط مجموعةً من الشعراء ومن أبرزهم أبي نواس ولكنّه لم يتردّ إلى ذوق أبي نواس في الغزل، فكان من أرباب الغزل العفيف.
- علي بن الجهم
وهو علي بن الجهم بن بدر وكان من أعلام الغزل العفيف وهو من خراسان، وقد نشأ في عائلة تهتم بالشعر والأدب فكان صاحب جاه وشرف، وكان قد اتصل بالعديد من أعلام الشعر في عصره ومن بينهم أبو تمام .
- الشريف الرضي
هو محمد بن الحسين بن موسى كني بأبي الحسن وهو من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، آلت إليه نقابة الأشراف في حياة والده، وقد عُرف عنه الغزل العفيف وأجاد فيه وصار علمًا من أعلامه.
نماذج من الغزل العذري في العصر العباسي
لقد برزت مجموعة من القصائد في الغزل العفيف في العصر العباسي ومنها:
- قصيدة أبكيك لو نقع الغليل بكائي
قال الشريف الرضي:
أَيُّ العُيونِ تُجانِبُ الأَقذاءَ
- أَم أَيُّ قَلبٍ يَقطَعُ البُرَحاءَ
وَالمَوتُ يَقنِصُ جَمعَ كُلِّ قَبيلَةٍ
- قَنصَ المَريعِ جاذِراً وَظِباءَ
يَتَناوَلُ الضَبَّ الخَبيثَ مِنَ الكُدى
- وَيَحُطُّ مِن عَليائِها الشُغواءَ
تَبكي عَلى الدُنيا رِجالٌ لَم تَجِد
- لِلعُمرِ مِن داءِ المَنونِ شِفاءَ
وَالدَهرُ مُختَرِمٌ تَشُنُّ صُروفُهُ
- في كُلِّ يَومٍ غارَةً شَعواءَ
إِنَّ بَنو الدُنيا تَسيرُ رِكابُنا
- وَتُغالِطُ الإِدلاجَ وَالإِسراءَ
وَكَأَنَّنا في العَيشِ نَطلُبُ غايَةً
- وَجَميعُنا يَدَعُ السِنينَ وَراءَ
أَينَ المَعاوِلُ وَالغَطارِفَةُ الأولى
- هَجَروا الدِيارَ وَعَطَّلوا الأَفناءَ
فَاِخلِط بِصَوتِكَ كُلَّ صَوتٍ وَاِستَمِع
- هَل في المَنازِل مَن يُجيبُ دُعاءَ
وَاِشمُم تُرابَ الأَرضِ تَعلَم أَنَّها
- جَرباءُ تُحدِثُ كُلَّ يَومٍ داءَ
كَم راحِلٍ وَلَّيتُ عَنهُ وَمَيِّتٍ
- رَجَعَت يَدي مِن تُربِهِ غَبراءَ
وَكَذا مَضى قَبلي القُرونُ يَكُبُّهُم
- صَرفُ الزَمانِ تَسَرُّعاً وَنَجاءَ
هَذا أَميرُ المُؤمِنينَ وَظِلُّهُ
- يَسَعُ الوَرى وَيُجَلِّلُ الأَحياءَ
نَظَرَت إِلَيهِ مِنَ الزَمانِ مُلِمَّةٌ
- كَاللَيثِ لا يُغضي الجُفونَ حَياءَ
وَأَصابَهُ صَرفُ الرَدى بِرَزيَّةٍ
- كَالرُمحِ أَنهَرَ طَعنَةً نَجلاءَ
ماذا نُؤَمِّلُ في اليَراعِ إِذا نَشَت
- ريحٌ تَدُقُّ الصَعدَةَ الصَمّاءَ
عَصَفَ الرَدى بِمُحَمَّدٍ وَمُذَمَّمٍ
- فَكَأَنَّما وَجَدَ الرِجالَ سَواءَ
وَمُصابُ أَبلَجَ مِن ذُؤابَةِ هاشِمٍ
- وَلَجَ القُبورَ وَأَزعَجَ الخُلَفاءَ
- قصيدة وصالك مظلم فيه التباس
قال عباس بن الأحنف:
وِصالُكِ مُظلِمٌ فيهِ التِباسٌ
- وَعِندَكِ لَو أَرَدتِ لَهُ شِهابُ
وَقَد حُمِّلتُ مِن حُبَّيكِ ما لَو
- تَقَسَّمَ بَينَ أَهلِ الأَرضِ شابوا
أَفيقي مِن عِتابِكِ في أُناسٍ
- شَهِدتِ الحَظَّ مِن قَلبي وَغابوا
يَظُنُّ الناسُ بي وَبِهِم وَأَنتُم
- لَكُم صَفوُ المَوَدَّةِ وَاللُبابُ
وَكُنتُ إِذا كَتَبتُ إِلَيكِ أَشكو
- ظَلَمتِ وَقُلتِ لَيسَ لَهُ جَوابُ
فَعِشتُ أَقوتُ نَفسي بِالأَماني
- أَقولُ لِكُلِّ جامِحَةٍ إِيابُ
وَصِرتُ إِذا اِنتَهى مِنّي كِتابٌ
- إليك لِتَعطِفي نُبِذَ الكِتابُ
وَهَيَّأتِ القَطيعَةَ لي فَأَمسى
- جَوابَ تَحيَتي مِنكِ السِبابُ
وَإِنَّ الوُدَّ لَيسَ يَكادُ يَبقى
- إِذا كَثُرَ التَجَنّي وَالعِتابُ
خَفَضتُ لِمَن يَلوذُ بِكُم جَناحي
- وَتَلقَوني كَأَنَكُمُ غِضابُ
- قصيدة عيون المها بين الرصافة والجسر
قال علي بن الجهم:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
- جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
- سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
- تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
- تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
- وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
- وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ
صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
- روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ
ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَأنَني
- بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ
فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ
- فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ
وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما
- تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ