ملخص عن حياة الصحابة
ملخص عن حياة الصحابة
العبادة والطاعة في حياة الصحابة
حَرِصَ الصحابة على الالتزام بالطاعات والتنافس فيما بينهم على فعلها؛ ابتغاءً لمرضاة الله ورسوله، ومن الأدلّة التي جاءت تُثبت ذلك، ما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (يَا رَسولَ اللَّهِ ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ والنَّعِيمِ المُقِيمِ. قالَ: كيفَ ذَاكَ؟ قالوا: صَلَّوْا كما صَلَّيْنَا، وجَاهَدُوا كما جَاهَدْنَا، وأَنْفَقُوا مِن فُضُولِ أمْوَالِهِمْ، وليسَتْ لَنَا أمْوَالٌ. قالَ: أفلا أُخْبِرُكُمْ بأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، وتَسْبِقُونَ مَن جَاءَ بَعْدَكُمْ، ولَا يَأْتي أحَدٌ بمِثْلِ ما جِئْتُمْ به إلَّا مَن جَاءَ بمِثْلِهِ؟ تُسَبِّحُونَ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وتُكَبِّرُونَ عَشْرًا)، وكان الصحابة يُكثرون من الصيام، وقيام الليل، وقراءة القرآن، كالصحابي الجليل أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- الذي كان يقوم اللّيل بالقرآن، حتى وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- قراءته بقوله: (لقد أوتيَ مزمارًا من مزاميرِ آلِ داودَ).
إنّ من الصحابة -رضوان الله عليهم- من جعل حياته كُلَّها جهاداً في سبيل الله أمثال الفاروق عمر -رضي الله عنه-، كما أنَّه كان يحرص على قيام الليل، بالإضافة إلى تأثّره بالآيات القرآنية حتى وصلَ به الحال إلى البكاء الشديد، فظنّ من لَقِيه أنَّه أصيب بمرضٍ ما من شدّةِ تأثّره بكلام الله -سبحانه وتعالى-. أمَّا عن عثمان-رضي الله عنه- فقد ورد أنّه كان يختم القرآن كله في قيام الليل، قال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، ويُذكر عن الصحابي عبّاد بن بشر أنَّه أُصيب بثلاثةِ أسهمٍ من أحَد المشركين خلال صلاته، ومع ذلك لم يقطعها خَشية أنْ يقطع الآية التي كان يقرؤها في صلاته، قال -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).
حرص الصحابة على تأديةِ الحقوق لأصحابها، فتعاونوا على بِرِّ الله وتقواه، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فقد كان عمر بن الخطاب حريصاً على تأديةِ الحقوق لجميع الناسِ كبيراً وصغيراً، حيث كان يَصرفُ من بيت المال ما يكفي حاجات الناس، وكان الصحابة يتعاملون فيما بينهم بالرحمة، كما كانت رسالة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين.
الصبر في حياة الصحابة
اتّصف الصحابة بصبرهم أمثال الصحابي بلال -رضي الله عنه-، حيث بَقِيَ ثابتاً على التوحيد خلال تعذيبه مِن أميّة بن خلف، حيث كان يُلقي بلالاً في وقت الظهيرة عند اشتداد حرِّ الشمس على رمال الصحراء، ويَضعُ الصخرةَ على صدره ويَبدأ بتعذيبه حتى يتنازل عن توحيده، لكنَّ صبرَه وثباتَه على التوحيد أكبُر وأعظم، فكان يردّد قائلاً: "أَحدٌ أَحد"، ويُذكر أنَّ أحد الصحابة نطق بالشهادتين، فضربه المشركين حتى سال الدم منه، ثُمَّ وقع مغشياً عليه.
وآخر يُرمَى على أسياخِ الحديدِ المشتعلة فلا تنطفئ إلا من كثرةِ الشحم الذي يَسيل من ظهره، وقد رُويَ عنهم شدّة تحمّلهم وصبرهم خلال الحصار، فتحمّلوا الجوع والأذى في سبيل نَيل رضى الله والثبات على عقيدة التوحيد ، فكان قُوتُ الواحد منهم تَمرة واحدةً في اليوم يَنقعونها في الماء ويشربونه، كما أنَّهم كانوا يَربِطون بطونهم بالحجارة المسطّحة حتى يَستقيم انحناء ظَهرهم من شدّةِ الجوع. وَقد صَلَ الحالُ بالصحابةِ الكرامُ في سريّة سيف البحر إلى أكلِ أوراق الشجر، فأُصيبوا بقسوة العيش والضيق الشديد، فإذا بالبحر يرمي على شاطِئه بحيوان يُدعى العنبر، وهو نوعٌ من الحوت يمتاز بضخامته، فقال لهم أبو عبيدة: لا تأكلوه، خوفاً من الوقوع بالإثم؛ لأنَّه لم يكن يعلم بحلِّ ميتة البحر، حتى أَذن لهم بأكله اضطراراً.
ويُذكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- شدّةَ صبره وتحملّه للجوع، حتى وصل به الحال أنَّه كان يُصرعُ بجانب المنبر، ولم يكن به داءٌ سوى الجوع، فيُروى عنه أنَّه كان يَسأل كلَُ منْ مرَّ من الصحابة عن آيةٍ كان يعرفها، إلاّ أنَّ قصدَه ليس الإجابة، وإنَّما أن يُدعَى إلى تناول الغداء معهم، حتى جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعَرَف ما به، فدعاه إلى بيته فوجدَ قدحاً من اللّبن، فابتسمَ، فقال له الرسول -عليه االصلاة لسلام- أن يُنادي أهلِ الصُفّة حتى يشاركوهم اللّبن، وكانوا أربعمئة وخمسة عشر على إناءِ لبنٍ واحدٍ، ولكنّ بركة رسول الله حلّت على هذا الإناء حتى شَرب الجميع، وشَربَ أبو هريرة والرسول -عليه الصلاة والسلام- معهم.
الزّهد في حياة الصحابة
كان حالُ الصحابة الزهد في هذه الدنيا، فقد ورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه كان يقوم الليل كلّه، وكان يردّد قوله: "يا دنيا غرّي غيري، طلّقتك ثلاثاً"، فكانت نظرتُه للدنيا وزخارفها نظرةً دونية، فالدنيا فانية لا يُغريه ما فيها من المتاع. فقد فَهِم الصحابة معنى الحياة الدنيا، فعلموا أنّها ليست المَوطن، وليست الغايةُ أو الهدف، وإنَّما هي وسيلةٌ للوصول إلى إرضاء الله -تعالى-، وتنفيدِ أوامره، فكان كلُّ عملٍ يقومون به في هذه الدنيا ما هو إلا رغبةً في نيل رضى الله -عز وجل-، فكسبهم للمال و زواجهم وجهادهم وعمارتهم للأرض و غير ذلك كانت من أجل تطبيق ما أمر الله به.
وكانت حياتهم كلُّها طاعةً لله، فالدنيا لا تساوي عند الله شيئاً، لذلك لا يتشاحن الناس من أجلها، وفي ذات الوقت لا يجوز تركُها كلّياً، فعِمَارتُها طاعةً لله وهي الممرُّ، إذ أنَّ الدنيا هي الطريق الموصل إلى الآخرة. وكان الصحابةُ الكرام على حذرٍ دائمٍ من الاغترار بالدنيا ومتاعها، ومما يُذكر في ذلك: قصةُ عزل خالد بن الوليد ، فقد رأى عمر بن الخطاب أنَّ بعض المسلمين بدأوا يحسّون أن النصر بسبب وجود خالد بن الوليد؛ لانتصاراته المتتالية التي حقّقها، وجَني الغنائم الكثيرة، فتغيّر حال المسلمين بذلك، فكان همَّ عمر الأكبر الحفاظ على عقيدة المسلمين، لإثباتِ أنَّ النصر من عند الله حتى لو لم يكن خالدٌ على رأسِ الجيوش.
فكانت القضية قضية دنيا وآخرة، لا من أجِلِ المصالحَ الشخصية، فنُقلت الخلافة إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وعندما وصل الخبر إلى أبي عبيدة لم يُعلن عن هذا الأمر، لعدم رغبته في أن يكون زعيماً، فبقي الأمر على ما هو عليه إلى انتهاء المعركة بقيادة خالد بن الوليد، ووصل الخبر إلى خالد بن الوليد، فلم يعترض على أمر خليفة المسلمين، وهذا يدلُّ على تواضعه وحُسن خُلقه، فقال أبو عبيدة مخاطباً خالد بن وليد: وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وكلُّنا في الله أخوة، وخَطَب بالناس خطبةً يَمدح فيها خالدًا -رضي الله عنه-، فهو صاحب لَقَب (سيف الله المسلول).
دعوة الصحابة الناس إلى الله وتضحيتهم
كانت همَّة الصحابة عاليةً سواءً في طلب العلم أو الجهاد في سبيل الله، مثل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، حيث قال: (وَاللَّهِ لقَدْ أخَذْتُ مِن في رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بضْعًا وسَبْعِينَ سُورَةً، واللَّهِ لقَدْ عَلِمَ أصْحَابُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنِّي مِن أعْلَمِهِمْ بكِتَابِ اللَّهِ، وما أنَا بخَيْرِهِمْ، قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ في الحِلَقِ أسْمَعُ ما يقولونَ، فَما سَمِعْتُ رَادًّا يقولُ غيرَ ذلكَ)، كما عُرف أبو هريرة بكثرة روايته للحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكَثرة ملازمته له، وكَثرة حفظه لأحاديث رسول الله، وكان يَحرص دائماً على طلب العلم من رسول الله.
ومن الصحابة من كان يتّصفُ بحكمته في الدعوة إلى الله، فقد أسلم على يدِ مصعب بن عمير وعبد الله بن مكتوم -رضي الله عنهم- رؤوساء الأوس والخزرج، كما أنَّ المدينة فُتحت بالقرآن بتمهيدٍ للرسول من الصحابي مُصعب. كان الصحابة أشدُّ الناس حرصاً على بَذلِ كلِّ ما في وُسعهم من أجلِ نقلِ وتعليم الدّعوة والحفاظ عليها، فعَملوا على حراسة الدين و مواجهة أعداء الله والتّصدي لكلِّ من يعتدي أو يَشقُّ وَحدتَهم، كما عَملوا على نشر الدين إلى مَنْ بَعدهم من غير كتمان.
وكانوا يُحبّون الرسول حبَّاً شديداً، فيفضّلونه على أهلهم، وذويهم، وأنفسهم، وأموالهم، ومن محبّتهم لرسول الله أنَّهم كانوا يسرعون إلى طاعته، فيقدّمون أرواحهم في سبيل الله، أمثال أنس بن النّضر -رضي الله عنه- الذي أقسم قبل استشهاده بأنَّه يشمّ رائحة الجّنّة حتى استشهد مقبلاً غير مدبر في ذات اليوم، ووُجد فيه ثمانين ضربة، وما هذا إلاّ تضحية وحبّاً لله ورسوله، كما شارك الصحابي الجليل حنظلة -رضي الله عنه- في غزوة أحد، حيث كانت الغزوة في اليوم الذي يَلي يومَ زواجه، فاسُشهد فيها وقدَّم نفسه في سبيل الله حباً لله ورسوله.
حياة الصحابة بالقرآن وفهمه وتطبيقه
كان الصحابة نموذجاً للناس في تدّبر آيات القرأن الكريم، وفَهم ِمعانيه، والعملِ بما فيه، فَهُم على حالٍ من الثّقة التامّة بما في القرآن من وُعودٍ وحقائق، ينتظرون حدوثها، لأنَّهم على يقينٍ بأنَّ هذا الكلام من الله الذي يَعلم كل شيء، ومن إحدى القصص التي تدلُّ على يَقينهم بما جاء في القرآن الكريم، جدالهم مع المشركين حول انتصار الفرس على الروم، كما جاء في قول الله- تعالى-: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّـهِ)، فصَدّق الصحابة بذلك وآمنوا به، لأنَّ الله أنزل الآيات وهي وعدٌ صادقٌ، وفي أقلِّ من تسع سنين وقعت النبوءة القرآنية التي أقرّت بحقيقة نصر الروم بعد الهزيمة على يَد الفرس، فكان يقين الصحابة أنَّ كلَّ آيةٍ تنزل على النبي من الله الذي يعلم الغيب ستقع بإذنه لا محالة.
فضل الصحابة في القرآن والسّنة
شهد الله -عز وجل- في كتابه الكريم على مكانة الصحابة الرفيعة وفضلهم الكبير، وقد أثنى الله -تعالى- والرسول -عليه الصلاة السلام- عليهم، ومن ذلك ما يأتي:
- قال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فهذا الخطاب القرآني موجّهٌ لأمّة محمد، وأوْلى الناس بذلك هم الصحابة الكرام الذين كانت حياتهم برفقة الرسول وصُحبته.
- قال -تعالى-: (وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، هذه الآية القرآنية جاءت كذلك في أمّة محمد، وخَير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالصحابة هم خير الناس وأَعدلُهم في أقوالهم وأفعالهم و ما في صدورهم، لذلك استحقّوا أن يَشهدوا للرّسل على أمَمِهم يوم القيامة .
- قال -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّـهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ وَأُولـئِكَ هُمُ الفائِزونَ)، فهذه الآية تبيّن أنَّ الصحابةَ نالوا عند الله الدرجة العالية الرفيعة لما قاموا به من الإيمان والجهاد في سبيله بالمال والنفس والهجرة .
- قال -تعالى-: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ)، فقد أكرم الله -عز وجل- الصحابة من المهاجرين والأنصار بالتوبة، وهذا فضل من الله يدلُّ على قبول عملهم عنده ورضاه عنهم.
- قال -تعالى-: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ).
- قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).
- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ أُمَّتي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ).
- قال الرسول -عليه السلام-: (لا تَسُبُّوا أصْحابِي، لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ)، فلن يستطيع أحدٌ أن يبلغ مَبلغ الصحابة عند الله ورسوله؛ لمكانتهم العالية في نشر الدعوة ونصرة الرسول والهجرة معه.
- قال -تعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، فقد قرن الله الصحابة مع الرسول في هذه الآية الكريمة، وهذا دليلٌ على درجتهم العالية عند الله؛ لأنَّ الرسول أحبُّ الخلق إلى الله، ومن كثرة قيامهم لليل جعل الله وجوههم كالنور في الصباح.
- قال الرسول -عليه الصلاة السلام- في فضل الأنصار: (لَوْ أنَّ الأنْصارَ سَلَكُوا وادِيًا، أوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ في وادِي الأنْصارِ، ولَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصارِ، فقالَ أبو هُرَيْرَةَ: ما ظَلَمَ بأَبِي وأُمِّي، آوَوْهُ ونَصَرُوهُ). وقال النبيّ أيضاً: (الأنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنافِقٌ، فمَن أحَبَّهُمْ أحَبَّهُ اللَّهُ، ومَن أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ اللَّهُ). وقال: (حُبُّ الأنْصارِ آيَةُ الإيمانِ، وبُغْضُهُمْ آيَةُ النِّفاقِ).
- قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- محبّة الصحابة جزءاً من الدين والإيمان، وهذا دليلٌ على مكانة الصحابة العظيمة، لذلك حُبُّ الصحابة أمرٌ واجبٌ في الدين، ولا بُدَّ من تطهير القلب من الحقد أو الكُره تجاهَ أيِّ أحد منهم، والطعن فيهم طعنٌ في الدين؛ لِما في طعنهم من الإعراض عمّا بعث الله به النبيّين.
- وقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (المَرْءُ مع مَن أحَبَّ)، فدخول الجنة مربوط بحب الصحابة -رضي الله عنهم-، ومحبة الصحابة من محبة الله ورسوله، كما أنَّ من أصول أهل السُّنّةِ محبّةِ آل البيت ؛ فقد وصّانا رسول الله بهم، قال -عليه الصلاة السلام-: (أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي)، فلا بُدَّ من مناصرتهم، والبذل والدعاء لهم، والدفاع عنهم، فعلى أكتافهم قامت خير الأمم التي أُخرجت للناس.
ميزات جيل الصحابة
تميَّز جيل الصحابة -رضوان الله عليهم- بالعديد من الميّزات، وبيان أهمّ هذه الميزات فيما يأتي:
- تميَّز الصحابة بأنَّهم خير أمّة أخرجت للناس، لأنَّهم تربُّوا على يد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فظهرت تربية الرسول في مواقفهم، وانعكس ذلك على تعاملهم مع النّاس في كل شؤون حياتهم.
- تميّز الصحابة بالفطنة والذكاء، والدفاع عن الرسول الكريم، كما فعل محمد بن سلمة وأبو نائلة عندما وقع الأذى من كعب بن الأشرف على رسول الله، فضربوه وقتلوه بحنكةٍ وذكاءٍ دون أن يشعر أنَّه كان لهم عدو.
- تميّز الصحابة بشجاعتهم، أمثال الصحابي الجليل سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- الذي تصدّى لمن أغار على إبل رسول الله، فرمى بهم وقال: "أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرُّضّع"، ومعنى مقولته أنَّ هذا اليوم يوم هلاك اللئام.
- تميّز الصحابة بطاعتهم لأهلهم فيما كان ضمن طاعة الله ورسوله، كما فعل سعد بن أبي وقاص عندما غضبت أمّه من إسلامه، وحاولت جاهدةً على أن تردّه عن دينه، ولكنّها لم تنجح في ذلك، فكان من أبرِّ الناس بأمِّه لكنَّه رفض التنازل عن إيمانه، فنزل قول الله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
- تميّز الصحابة بزهدهم وصبرهم ، وتحمّلهم لِقسوة العيش وصعوبته.
- تميز الصحابة بصلاحهم وأمانتهم في نقل الرسالة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- تميّز الصحابة بحرصهم على نشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- تميّز الصحابة بسرعة الإنابة إلى الله والتوبة إليه.
- تميّز الصحابة بكثرة علمهم، وسعة صدرهم، ورجاحة عقلهم، وحرصهم على الاستيعاب الدقيق الشامل لكلِّ ما عَلَّمهم إياه الرسول -عليه الصلاة والسلام- من القرآن والسنة النبوية .
- تميّز الصحابة بنيْلهم لثناءَ الله عليهم ورضاه، فيكفيهم فخراً أن أَثنى الله عليهم ووصفهم بالعدالة.
- تميّز الصحابة بفهم القرآن الكريم، وفهم مقاصده ومعانيه، وحرصهم على تدبُّر آياته، ووصل حالهم إلى اكتمال معرفتهم في فهم أصول الدين.
- تميّز الصحابة بكوْنهم القرن الذي بُعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنالوا شرف صحبته، والنظر إلى وجهه، وتلقِّي الرسالة منه، حتى أوصلوا الرسالة إلى البشرية، فهم الواسطة بين الناس وبين الرسول -عليه الصلاة السلام-.
- تميّز الصحابة بأنَّ الله وعدهم بالحسنى ألا وهي الجنّة، كما أنَّه وعدهم بمغفرةٍ منه.