كيفية رؤية هلال العيد
كيفيّة رؤية هلال العيد
اتّفق الفُقهاء على اشتراط رؤية رَجُلين عدلين للهلال ، ونُقِل ذلك أيضاً عن أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والزُّهريّ، واشترط الفُقهاء فيهما أن يكونا عدْلين عاقلين بالغين، مسلميْن، كما اشترطوا الذكورة والحُرّية، ولكنّ الحنفيّة اشترطوا شُهود جماعة في حال الصّحو؛ أي عند عدم وجود الغيم في السماء، وأمّا في حال الغيم فيُكتفى باثنين، بشرط عدم وُقوع الحد عليهم في القذف؛ لأنّها نوعٌ من الشهادة، وذهب المالكيّة أيضاً إلى اعتبار الرؤية المُستفيضة أو شهادة عدلين فأكثر، والرؤية المستفيضة أي رؤيته من قِبل عددٍ كبيرٍ لا يُحتمل تواطؤهم على الكذب، وقيل: أن يزيد عددهم على أكثر من ثلاثة، وأمّا رؤية الواحد؛ فيثبت له الفِطر في حقّ نفسه فقط عندهم.
ويرى الشافعيّة والحنابلة قبول شهادة رَجُلين عدلين حُرّين، ولا تُقبل شهادة المرأة عندهم، وجاء عن الشافعيّة قبول شهادة الرجل الواحد العدل لإثبات العيد، وأمّا رؤية الهلال خلال النهار فقد ذهب عليّ وعائشة وعُمر -رضي الله عنهم- بالتّفريق إن كانت الرؤية قبل الزوال أو بعده، فإن كان قبله فيكون للّيلة الماضية، وإن كان بعده فهو للّيلة المُقبلة، وهو قول بعض الحنفيّة كذلك، ويرى الشافعيّة والحنابلة بأنّ رؤية الهلال خلال النّهار يكون للّيلة القادمة.
وخلاصة أقوال الفُقهاء في إثبات هلال العيد؛ أنّ الحنفيّة يشترطون رؤية العدد الكثير في حال الصّحو، واكتفى بعضهم برؤية رَجُلين عدلين، أو رَجُل وامرأتان، ويُكتفى برؤية الواحد عندهم في حال الغيم، وأمّا المالكيّة فيجبُ عندهم رؤية عدلين فأكثر، وتُقبل شهادة الواحد في البلاد التي لا تهتمُّ بأمر الهِلال، وأجاز الحنابلة والشافعيّة رؤية الواحد، وأجاز الشافعيّة فيه أن يكون مستور الحال، وأمّا الحنابلة فيجبُ أن يكون عدلاً، ويرى الحنابلة في إثبات العيد رؤية شاهدين عدلين، وأمّا بالنّسبة لشهادة المرأة فهي مقبولةٌ عند الحنفيّة والحنابلة، وغير مقبولة عند الشافعيّة والمالكيّة، وبعد إثبات الرؤية يجب على الجهة المُختصّة إبلاغ الناس بذلك، للبدء بالفطر أو الصّوم، ويُشترط في المُخبر العدالة والضّبط؛ وهي شُروط الرّواية المقبولة عند المُحدّثين.
وقت تحرّي الهلال لرؤيته
إنّ رؤية الهِلال مُرتبطة بالعبادات؛ فيجب تحرّي هلال العيد ودُخول شهر شوال في ليلة الثلاثين من رمضان، لِقول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرُونَ لَيْلَةً، فلا تَصُومُوا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ علَيْكُم فأكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ). وذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنفيّة والحنابلة إلى عدم اعتماد الحساب الفلكي في الرّؤية، وقال الحنفيّة بوجوب رؤية الهلال في اليوم التاسع والعشرين -في ليلة الثلاثين من الشهر-؛ لأجل الفِطر أو إكمال عدّة الشهر الحالي؛ لأن الانتقال من شهرٍ إلى غيره لا يكون إلّا بدليلٍ، وهو الرّؤية.
اختلاف مطالع الهلال بين الدول
يُعدّ اختلاف مطالع الهِلال أو القمر أمرٌ واقعٌ في البلاد المُتباعدة، وقد تعدّدت آراء الفُقهاء في اعتبار اختلاف المطالع في البدء بالصّيام أو الفِطر وغير ذلك من العِبادات، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- القول الأول: لا عبرة باختلاف المطالع: وهو المُعتمد عند الحنفيّة والمالكية والحنابلة، وقول عند الشافعية، فمن رأى الهلال في بلدٍ فيجبُ على أهل المشرق والمغرب الصيام أو الفِطر ، واستثنى المالكيّة البلاد المُتباعدة، واستدلّ من قال بهذا القول بحديث النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا العَدَدَ)، وبقولهِ -تعالى-: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؛ وشُهود الشهر يكون بالرّؤية، وتتحقق الرّؤية برؤية أيّ بلدٍ أو شخصٍ.
- القول الثاني: العبرة باختلاف المطالع: وهو قول الشافعيّة، وأحد أقوال الحنفيّة، وخاصةً في البلاد المُتباعدة، ويجب على البلاد القريبة اتّباع بعضها، وجاء عن الشافعيّة أنّ لِكُلّ بلدٍ رؤيتهم، واستدلوا بحديث النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ الحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشَّامِ، قالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلَالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلَالَ، فَقالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلَالَ؟ فَقُلتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي برُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَشَكَّ يَحْيَى بنُ يَحْيَى في نَكْتَفِي، أَوْ تَكْتَفِي).
- فلم يعمل عبد الله بن عباس برؤية أهل الشام، واستدلوا أيضاً بقوله -تعالى-: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؛ فيجب الصّيام على من شهد الشهر؛ والشهادة تكون بالرّؤية، فمن لم يره فلا تتحقّق فيه الشهادة.