عدد السور المكية والمدنية في القرآن الكريم
القرآن الكريم
هو كلام الله -تعالى- المُنزّل على قلب محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، المُتعبّد بتلاوته، والمُعجز بآياته، فقد تحدّى الله -تعالى- الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله، حيث قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، فقد بيّن الله -تعالى- عجزهم عن الإتيان ولو بآيةٍ من مثل القرآن، وقد حفظه الله -تعالى- من النّقص، والزّيادة، والتّحريف، والضّياع، فقال عزّ وجلّ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وختم به الله تعالى الكتب السماوية، وجعله مهيمناً عليها، مصداقاً لقوله عزّ وجلّ: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، حيث نسخ به الكتب السّماوية جميعها، ومن خصائص القرآن الكريم جماله وبلاغته، وعِظم أسلوبه، بالإضافة إلى سهولة قراءته وحفظه، وعدم الملل من تكراره.
والقرآن الكريم قد نزل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مفرّقاً، ولم ينزل دفعةً واحدةً، ومن المعلوم أنّ النّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قد أقام في مكّة المكرّمة ما يقارب الثّلاثة عشر عاماً، ثمّ هاجر إلى المدينة المنوّرة، وأقام فيها عشر سنينٍ تقريباً، فتكون مدّة الرّسالة ثلاثة وعشرين سنةً، وبناءً على ذلك فإنّ بعض سور القرآن الكريم نزلت في مكّة المكرّمة، وبعضها نزل في المدينة المنورة ، حيث قسّم العلماء آيات القرآن الكريم وسوَره إلى مكّيّة ومدنيّة، وأطلقوا على هذا الباب اسم أنساب النّزول.
عدد السّور المكيّة والمدنيّة في القرآن الكريم
تعدّ مسألة تصنيف سور القرآن الكريم إلى مكّيّة ومدنيّة من المسائل الاجتهادية ، حيث يُعتمد في تصنيفها على نقل السلف الصالح رحمهم الله، ولا تُعدّ من المسائل التّوقيفيّة عن الله -تعالى- أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك فمنها ما هو متّفقٌ عليه، ومنها ما هو مُختلفٌ فيه.
وقد ذكرالإمام السّيوطي -رحمه الله- في كتابه الإتقان العديد من الأقوال في عدد سور القرآن الكريم المدنيّة والمكّيّة، وفي الحقيقة إنّ أدقّ الأقوال ما نقله عن الإمام أبي الحسن الحصّار في كتابه النّاسخ والمنسوخ، حيث بيّن أن عدد السّور المدنيّة المتّفق عليها عشرون سورة، وهي: ( البقرة ، والأنفال، والتّوبة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، ومحمد، والفتح، والحجرات، والمجادلة، والجمعة، والمنافقون، والطّلاق، والتّحريم، والنّصر، والممتحنة، والحشر، والحديد، والنّور، والأحزاب)، بينما اختلف أهل العلم في تحديد نزول اثنتا عشرة سورةٍ من كتاب الله، حيث قال بعضهم أنها نزلت في المدينة، وقال البعض الآخر أنها نزلت في مكّة المكرّمة، وهي: (المعوّذتين، والإخلاص، والزّلزلة، والبيّنة، والقدر، والمطفّفين، والتّغابن، والصّف، والرّحمن، والرّعد، والفاتحة )، وأجمعوا على أنّ ما تبقّى من السّور مكيّة، ويبلغ عددها اثنين وثمانين سورةً.
خصائص السّور والآيات المكيّة والمدنيّة
تكمن أهميّة دراسة المكّي والمدني من سُور القرآن الكريم في تحديد الناسخ والمنسوخ من الأحكام، إذ يستحيل على الفقيه الوصول إلى الحكم النّهائي للمسألة من غير معرفة النّاسخ والمنسوخ، بالإضافة إلى أنّ معرفة السّور المكّيّة والمدنيّة يساعد على فهم دعوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي بدأت بالبعثة، وانتهت بوفاته عليه الصّلاة والسّلام، ومرّت بالمرحلة المكّيّة والمرحلة المدنيّة، وتجدر الإشارة إلى أنّ العلماء قد صنّفوا السّور المكّيّة والمدنيّة من خلال نقل الصّحابة رضي الله عنهم، بالإضافة إلى عددٍ من الضّوابط والقرائن التي توصّلوا إليها عن طريق استقراء الآيات، ومن الأمثلة على هذه الضّوابط أسلوب الخطاب، وطبيعة المخاطَب.
خصائص السّور والآيات المكيّة
تتميّز السور المكية بالعديد من الخصائص من حيث الأسلوب والمواضيع، وفيما يأتي بيان بعض خصائصها:
- استخدام أسلوب التّعنيف والتّهديد والتّخويف: حيث استخدم الله -تعالى- في خطاب كفّار قريشٍ ما يتلاءم مع غِلظة قلوبهم، وعداوتهم، والحال النفسية التي كانوا عليها، فاستعمل -عزّ وجلّ- في السُّور المكّيّة كلمة: (كلا) التي تدلّ على الزّجر والإنكار، وخاطبهم بلفظة: (يا أيّها النّاس).
- استخدام أسلوب القصص: تتميّز السّور المكيّة بكثرة ورود القصص فيها، مثل: قصص الأنبياء، وقصص الأمم السّابقة، وقصّة آدم عليه السّلام مع إبليسٍ للدّلالة على الصّراع بين الخير والشّر، والإيمان والكفر.
- التّركيز على المواضيع العقديّة: حيث ركّزت السّور المكّيّة على تصحيح العقائد المنحرفة عند الكفّار، فدعتهم لتوحيد العبادة لله تعالى، وترك الشّرك به سبحانه، واجتناب عبادة الأصنام، والإيمان باليوم الآخر، والبعث، والحساب، والإقلاع عن العادات الجاهلية السّائدة في ذلك الوقت؛ كالاعتداء على حقوق الآخرين، وشرب الخمر، والظّلم ، وأكل مال اليتيم، ووأد البنات، واضطهاد المرأة.
- التّركيز على توسيع دائرة الدّعوة: حيث إنّ المجتمع الجاهلي في مكّة المكرّمة لم يكن معَدّاً لوضع أسس النّظام الإسلامي، فانصبّ الاهتمام على توسيع دائرة الدّعوة، ومخاطبة العقل كأداة للتّمييز والتّرجيح.
خصائص السّور والآيات المدنيّة
نزلت الآيات المدنيّة في المدينة المنوّرة، حيث أصبح للمسلمين مجتمع إسلامي يواجه تحدّيات خارجيّة تستهدف كيانه ووجوده، وتتمثّل في المنافقين، واليهود، والمشركين، وتحديات داخليّة تستهدف تنظيم الشؤون الدّاخلية على أسسٍ ثابتةٍ توفّق بين مبادئ الإسلام وواقع المجتمع الإسلامي، ويمكن بيان بعض خصائص السّور المدنيّة فيما يأتي:
- بيان أحكام التشريع: حيث نزلت السّور المدنيّة لبيان الأحكام والتّشريعات؛ كالحدود، والإرث، والمعاملات المادّيّة، وبيان منهاج الحكم.
- وضوح أحكام الجهاد: لم يكن الجهاد مشروعاً في مكّة المكرّمة، ثم شُرع في المدينة المنوّرة، فنزل في الآيات المدنيّة تفصيلٌ لأحكام الجهاد والأسرى، وتوضيحٌ لأسباب النّصر وأسباب الهزيمة، ودعوةٌ إلى الصّبر، والثّبات، والتّضحية في سبيل الله.
- توجيه الخطاب للمؤمنين: بعد الهجرة إلى المدينة المنوّرة، أصبح المخاطَبون في السّور هم المؤمنون، ولذلك جاء الخطاب القرآني في السّور المدنيّة بالنّصح والتّوجيه والتكوين غالباً، وأحياناً بالتّحذير والتّخويف من غضب الله -تعالى- في حال ارتكاب ما نهى عنه، أو ترْك ما أمر به سبحانه، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).