كيفية خطبة النكاح
كيفية خطبة النكاح
النكاح له خِطبة تأتي كمقدمةٍ للتّعبير عن رغبة الرّجل بالارتباط بفتاةٍ معيّنة، فإمّا أن تكون الخطبة بلفظٍ صريحٍ يُعبّر عن رغبة الرجل بالزّواج من هذه الفتاة بحيث لا يُفهم من كلامه سوى معنى الزّواج، فإذا خاطب الرجل الفتاة قال لها مثلاً: أريد أن أتزوجكِ، وإذا خاطب الرجل ولي أمر الفتاة قال له مثلاً: أريد أن أتزوج من هذه المرأة، ويُسمّيها باسمها؛ فلا يُفهم من هذه الألفاظ سوى الرّغبة بالزّواج فقط، وفي بعض الأحيان تكون الخطبة بلفظٍ غير صريح، وهو ما يسمّى بالتعريض بالزواج أو الإيماء والإيحاء به من جهة الرجل، فيتحدّث الرجل عن صفاته وصفات المرأة التي وجدها ملائمة له لكي يُلمّح بإرادة الزواج من المرأة التي اختارها، وقد قال الله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا).
والأصل في الرجل عند رغبته بالارتباط بالمرأة أن يخطبها ويتقدّم لها بشكلٍ رسميٍّ في بيت والدها، يُبيّن فيه صدق نواياه في رغبته بالزواج، وذلك اقتداءً بفعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث إنّه طلب السيدة عائشة -رضي الله عنها- من والدها أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقد ثبت عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إلى أبِي بَكْرٍ، فَقالَ له أبو بَكْرٍ: إنَّما أنَا أخُوكَ، فَقالَ: أنْتَ أخِي في دِينِ اللَّهِ وكِتَابِهِ، وهي لي حَلَالٌ)، ويجب على وليّ المرأة وأهلها استشارة أهل الثّقة الذين يكونون على معرفة بالرّجل وطباعه وأخلاقه، ويجب عليهم قول الصّدق وإخبارهم بكل ما يعرفونه عن الرجل، فلا يُعتبر قولهم من الغيبة في شيء بل هي أمانةٌ يجب عليهم قولها بكل صدق ، وهي من باب تقديم النصيحة لأهل المرأة لمساعدتهم على الاختيار، وعلى الرجل الخاطب أن يصدُق بالرد عن الأسئلة الموجّهة له من أهل المرأة أو من المرأة نفسها.
ويُستحبّ في الشريعة الإسلاميّة الاستخارة في كل أمور الحياة، وخصوصاً في أمر الزواج، فيُستحبّ أن يستخير الخاطب وتستخير المخطوبة وأن يستخير أهلها في مسألة الزواج، ويجوز تكرار الاستخارة، ويجوز أن يكون الإنسان حلقة وصل بين الرجل والمرأة فيتوسط في هذه المسألة ولكن لا يكون مُلزِماً لأحد الطرفين، فللزّوجة حق القبول وحق رفض طلب الزواج من الرجل، ويُستحبّ في طلب الزواج الخُطبة، ويقوم بها الخاطب أو أحد الحاضرين، وقد ذهب جمهور العلماء إلى القول بأنّها خطبة واحدة، وذهب الشّافعية إلى استحباب عرض خُطبتين؛ خُطبة قبل الخِطبة، والأخرى قبل عقد النكاح. ولخُطبة النكاح كيفيّة مُعيّنة، نذكرها فيما يأتي:
- أن تبدأ خُطبة النّكاح بالحمد والثناء على الله -تعالى-، ثم يقوم الخطيب بقول الشهادتين، ومن ثم يصلّي على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- أن يقوم الخطيب بعد ذلك بتذكير الحاضرين بتقوى الله -تعالى-.
- أن يقوم الخطيب بتذكير الناس بأمر النكاح والحكمة منه، ويُذكّر الحاضرين بالنهي عن السِّفاح -أي الزّنا- وحرمته.
- أن يقوم الخطيب بقراءة ما تيسّر له من آيات النكاح الدّالة على عظمة هذا العقد.
تعريف خطبة النكاح ومشروعيتها
الخِطبة لغةً مأخوذةٌ من الخطاب، أي الكلام أو اللّفظ أو الحديث، أو مأخوذةٌ من الخَطب؛ أي الأمر المهم والشأن العظيم، أمّا اصطلاحاً فتعني: التّقدم لطلب يد المرأة للزّواج، أو التماس النكاح من المرأة، أو إظهار إرادة الخاطب في النكاح وإخبار المرأة ووليّها برغبته بذلك، والدليل على مشروعيّة النكاح قول الله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)، وقد ثبت في السنة النبوية أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- خطب أمّ هانىء، فقالت له إنّها كبرت في السِّنّ ومعها أولاد، فردّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: (نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ؛ أحْنَاهُ علَى طِفْلٍ، وأَرْعَاهُ علَى زَوْجٍ في ذَاتِ يَدِهِ).
وثبت عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في مشروعيّة الخطبة: (إذا خطب أحدُكم المرأةَ، فإنِ استطاعَ أنْ ينظرَ منها إلى ما يدعوه إلى نكاحِها فلْيفعلْ)، وتُعدّ الخطبة الخطوة الأولى التي تُعبّر عن صدق نوايا الرجل برغبته بالارتباط بامرأةٍ معيّنة بعد أن يطمئن لها ويستخير ويستشير، فيُقدِم على الخطبة وبعد ذلك عقد النكاح بكل عزمٍ وثبات، لأنّ التّراجع بعد ذلك فيه كسر للمرأة ومشاعرها، وقد رخّص الشارع الحكيم في النظر إلى المخطوبة، وهناك بعض الآداب التي يُستحبّ التخلق بها في الخطبة؛ نذكرها فيما يأتي:
- أن يقوم الخاطب بإرسال أمّه أو أخته أو أحد أقاربه إلى بيت المخطوبة التي يرغب بالارتباط بها؛ لرؤيتها، فيحدّثوه عنها وعن صفاتها الحسنة، لكي يطمئن قلبه وتسكن روحه.
- أن لا يأذن ولي المرأة للخاطب برؤية المخطوبة إلا بعد التّأكد من صدق نيّة الخاطب وحسن خلقه، والتّأكد من رغبة الفتاة بالارتباط بهذا الرجل.
- أن يقوم ولي أمر المرأة بإخبار الرجل بكل ما يعرفه عن ابنته وأخلاقها بكل صدق، لكي تقوم الحياة الزوجية على تقوى الله -تعالى- والصدق بين الزوجين.
الحكمة من مشروعية خطبة النكاح
الخِطبة قبل الزواج شرعها الله -تعالى- للمسلمين لحكمٍ عديدة؛ نذكرها فيما يأتي:
- الخِطبة هي الخطوة الأولى في تعرف الطرفين على بعضهم البعض، والتعرّف على طبائع كلّ شخص وصفاته وأخلاقه بالحدود الشرعيّة.
- الخِطبة هي الطريقة الشرعيّة للتّأكد من رغبة الارتباط بالطّرف الآخر والاطمئنان له، فالزواج عقدٌ قائم على الديمومة والاستمرار، لكي يحقق الطرفين حياة زوجية سعيدة تملؤها السكينة والراحة والسعادة والطمأنينة والحب والمودة بين الزوجين.
- الخِطبة ضروريّة لتحقيق الاستمرار في الزواج في المستقبل وبناء الزواج على أساس المودة والرحمة ، قال الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).