كيف يغفر الله ذنوبك
الاستغفار
الاستغفار في اللغة هو طلب المغفرة، وفي الاصطلاح يأتي بإضافة الألف والسّين والتّاء وهو بمعنى الطلب، ولذلك كان معنى الاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى، وذلك بعد إتيان الذنب والمعصية أو تقصير في حقّ الله تعالى، وورد الأمر بالاستغفار في كتاب الله -تعالى- وفي السنّة النبويّة الشّريفة مراراً؛ حيث قال الله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه، فَلْيُكْثِرْ فيها من الاستغفارِ)، والاستغفار كذلك من سنن الأنبياء والرّسل عليهم السّلام؛ حيث جعلوها عادةً لهم يتقرّبون بها إلى الله تعالى، ومن استغفارهم: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وورد أيضاً في القرآن الكريم استغفار نوح عليه السّلام: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، وموسى -عليه السّلام- استغفر ربّه عندما قتل القبطيّ خطئاً: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وورد أيضاً أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يستغفر الله -تعالى- في اليوم أكثر من سبعين مرّة.
كيفيّة الاستغفار
إنّ الله -تعالى- يحبّ العبد الذي يُكثر من الاستغفار والمُقبل عليه والرّاغب بفضله وثوابه؛ حيث إنّ الله -تعالى- يُجزل العطاء والتّوفيق للعبد في دينه ودنياه، وحتى ينال العبد المراتب التي تُرضي الله -تعالى- في الاستغفار عليه أن يستحضر آداب الاستغفار ويردّد الصِيغ الواردة في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة؛ وفيما يأتي بيان ذلك:
آداب الاستغفار
هناك عدّة آداب يتحلّى بها من أردا أن يتوجّه إلى الله -تعالى- بالاستغفار؛ منها:
- أن يكون قلب العبد حاضراً عند الاستغفار؛ بحيث لا مشغولاً بأمور الدّنيا فينحصر الاستغفار باللسان فقط.
- أن يستغفر العبد ربّه من كلّ الذّنوب والخطايا التي اقترفها؛ صغيرها وكبيرها.
- أن يرجع العبد في اللّوم على نفسه بسبب وقوعه في المعصية، فيعترف بتقصيره ووقوعه في الخطأ.
- أن يتذكّر العبد المعصية وشؤمها والعذاب الذي قد يلحق به بسببها.
- أن يشعر العبد بالنّدم على وقوعه في المعصية؛ فالنّدم توبة.
صِيغ الاستغفار الواردة في القرآن والسنّة
وردت عدّة صِيغ للاستغفار في الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة، منها:
- قال الله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
- قال الله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
- قال الله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا).
- أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بسيّد الاستغفار ؛ بسبب ما يحمل من فضائل عديدة، وهو: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ).
- قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما سأله أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه- عن الدّعاء بعد الصّلوات: (اللهمّ إنّي ظلَمتُ نفسي ظُلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوبَ إلّا أنت، فاغفِرْ لي من عِندِك مغفرةً، إنّك أنت الغفورُ الرحيمُ).
- قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه؛ غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ).
درجات الاستغفار
تتفاوت درجات الاستغفار بحسب حال قلب الإنسان وحضوره أثناء الاستغفار، وبيان درجات الاستغفار فيما يأتي:
- الاستغفار باللسان؛ وهو أدنى درجة من درجات الاستغفار التي يأتيها المسلم ؛ حيث إنّه يُكرّر الاستغفار بلسانه حتى لو لم يكن القلب حاضراً، والاستغفار باللسان أفضل من الصمت، وله عدّة منافع؛ حيث يتعوّد المسلم على ذكر الله تعالى، وقد يُوصله الاستغفار باللسان إلى حضور القلب، أو إلى الرّغبة بالاستزادة من الفضائل والطاعات وترك المعاصي والمنكرات، ولكن إذا كان الاستغفار باللسان دون إقلاع حقيقيّ عن المعاصي فهو استغفار الكاذبين، فعلى المسلم أن يحذر من ذلك ويُقبل إلى الله -تعالى- بقلبه ولسانه لا بلسانه فقط.
- استغفار القلب؛ وهي درجة أعلى من الدرجة الأولى منزلةً وأكثر فضلاً وأثراً، وهو حضور القلب بالنّدم عن المعاصي واستشعار وبالها وقُبْح إتيانها.
- استغفار القلب واللسان؛ وهي أفضل الدرجات وأعلاها وهو الاستغفار المنشود؛ إذ يُقرن بالتوبة الصادقة، وشروطها النّدم على إتيان المعصية والإقلاع عنها، والعزم على عدم العودة إليها.
أثر الاستغفار على حياة المسلم
إذا اعتاد العبد على استغفار الله -تعالى- في كلّ الأوقات فإنّ ذلك سيعود عليه بعدّة ثمرات؛ منها:
- الاستغفارُ يجلب رحمة الله تعالى؛ حيث قال: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
- الاستغفار يبعد العذاب عن صاحبه؛ حيث ورد في القرآن الكريم : (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
- الاستغفار سبب للتمتّع بالقوّة والفضل؛ ودليل ذلك: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ).
- الاستغفار يجلب الرزق والغيث، ويدفع البلاء؛ حيث قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).
- الاستغفار صفة من صفات المتّقين؛ حيث قال الله -تعالى- من صفات المتّقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).