كيف دخل الإسلام إلى ليبيا
انتشار الإسلام
كان انتشارُ الإسلام في العالَم سريعاً بالمقارنة مع انتشار الديانات الأخرى، وقد كانت هذه السرعة هي التي لفتَت أنظار العالَم نحو هذا الدين؛ حيث كان انتشاره معجزة للنبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، واستمرَّ هذا الانتشار بعد وفاته؛ إذ اتَّسعت الدولة الإسلاميّة، وامتدَّت سُلطة المسلمين حتى وصلت إلى إسبانيا، وفرنسا، والصين، وقد كان لأفريقيا نصيبٌ من هذا التوسُّع؛ حيث فُتِحت مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب، وفي عهد عُثمان بن عفان بدأت فتوحات المغرب العربيّ، وفي هذا المقال ذِكرٌ للطريقة التي دخل فيها الإسلام إلى ليبيا؛ إحدى الدُّول العربيّة الواقعة في شمال قارّة أفريقيا.
كيف دخل الإسلام إلى ليبيا
في الوقت الذي كانت فيه الدولة البيزنطيّة تَفرضُ نظامها على ليبيا ، حاول مجموعة من الليبيّين التمرُّد عليهم، والخروج نحو مصر؛ للقاء حاكمها، وقائد جيوش المسلمين، عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، ومنذ دخولهم مصر، أعلنَ هؤلاء الليبيّون دخولهم في الدين الإسلاميّ، وقدَّموا الولاء للقائد عمرو بن العاص، وقرَّر عمرو بن العاص اتِّخاذ إجراءاتٍ وقائيّة؛ لحماية مصر من الجهة الغربيّة، وحتى يَأمنَ شَرَّ الرُّوم في كلٍّ من طرابلس ، وبُرقة، وفي الوقت نفسه، أرسل عُقبة بن نافع في مهمّة استطلاعيّة عام 22 هجريّة؛ من أجل فَتْح المغرب.
استطاعَ عُقبة بن نافع فَتح زويلة بطريقة الصُّلح، وفي العام نفسه، اتَّجه عمرو بن العاص نحو بُرقة؛ لفتحها، علماً بأنّه كان فيها بطونٌ من قبائل زواغة، ولتوانة، ولم تكن هذه القبائل راضيةً عن البيزنطيّين؛ لظُلمهم، وجَبَروتهم، فصالحَت هذه القبائل المسلمين على الجِزية ، ومن الجدير بالذكر أنّهم كانوا يُرسِلون أموالَ الجِزية بأنفسهم دون أن يأتيَهم جُباة الأموال، وفي عام 22 هجريّة أيضاً، استطاعَ عمرو بن العاص فَتْح أجدابيا صُلحاً، ودفعوا الجِزية للمُسلمين، إلّا أنّ كثيراً من أَهْلها دخلوا في الإسلام؛ لِما رأوه من تعامُل المسلمين معهم، مِن عَدْل، وتسامُح، وصِدق، وأمانة ، ومساواة.
فتح طرابلس
كانت مدينة طرابلس الهدف الثاني لعمرو بن العاص بعد أن فَتَح بُرقة، فقد كانت طرابلس ذات حصون منيعة، تُحيطُها أسوار منيعة من الجهات جميعها عدا الناحية الشماليّة التي كانت تُطِلُّ على البحر، وقد اختارَ عمرو بن العاص موقعاً مُرتفعاً من جهة الشرق؛ حتى يُرابِطَ فيه، وكان يُرسل طلائعَه نحو المدينة كلَّ يومٍ عسى أن يجدوا مدخلاً إليها، وبَقِي عمرو بن العاص مُرابِطاً مدّة شهر كامل، أو يزيد، وكان فتح طرابس بعد أن توجَّهت طليعةٌ من جيش المسلمين باتّجاه طرابلس، واستطاعوا إيجاد مَعْبرٍ إلى المدينة من جهة البحر، ولم يستطِع الروم ، وغيرهم من سُكّان طرابس مُقاوَمة جيش المسلمين الذين سيطروا على المدينة دون عناء، إلّا أنّ نَفَراً من سُكّان طرابلس فَرُّوا، أمّا من بَقِي فيها فَقد آثرَ البقاء في حماية المسلمين.
فتح صبراتة
كانت أنظار عمرو بن العاص تتَّجه نحو صبراتة بعد أن فتح طرابلس، وأَمَّن الحُكم فيها؛ حيث أرسلَ جيشَه بقيادة عبد الله بن الزبير الذي خرج إليها في الصباح الباكر لدى فَتْح أبوابها، وكان اقتحامُه مُباغِتاً لأهلها بعدما ظَنّوا أنّ عمرو بن العاص ليس له طاقة لدخول مدينتهم بَعد حِصاره لطرابلس، وفَتْحه لها، فَفتحوا بوّابات مدينتهم؛ لإخراج ماشيتهم؛ كي تَرعى خارج أسوار المدينة؛ ولهذا يُعتبَر فَتْح صبراتة فَتْحاً على حين غَفْلةٍ من أهلها.
ليبيا بعد الفتح الإسلاميّ
بعد أن كانت ليبيا تحت حُكم دولة المُوحِّدين في القرن السادس الهجريّ، في عام 604 هجريّة تقريباً، أصبحت خاضعة لحُكم الدولة الحَفصية حتى احتلَّتها إسبانيا عام 937 للهجرة، وجعلَتها تحت سيطرة فُرسان مالطة (وهم صليبيّون مُتطَرِّفون)، وبَقِيت كذلك حتى تمّ تحريرها من قِبَل العُثمانيّين عام 962 هجريّة، وبَقِيت ليبيا تحت حُكم العُثمانيّين حتى عام 1329هجريّة عندما احتلَّتها إيطاليا إلى أن نالَت ليبيا استقلالها بعد كفاح أبطالها الوطنيِّين، وذلك في عام 1371هـ/1951م.
فاتح ليبيا
فاتح ليبيا هوعمرو بن العاص بن وائل القُرَشيّ المُكَنَّى بأبي عبد الله، والذي أسلمَ في السنة الثامنة للهجرة مع خالد بن الوليد ، وعُثمان بن طلحة في الوقت نفسه، كما يُذكَر أنَّ عمرو بن العاص كان يتمتَّع بأخلاق نبيلة، ومواقف حميدة، وصفات قياديّة عديدة، نذكر منها:
- الشجاعة: يتميَّز عمرو بن العاص بالشجاعة والجُرأة؛ فهو ذو شخصيّة جبّارة، لا يَهاب الموت، ولا يخشى الحرب، وقد ظهرت شجاعته بشكل واضح في معركة اليرموك ، عندما اشتدَّ القتال بين المسلمين، والروم، واضطرَّ 700 من المسلمين للفرار من أرض المعركة؛ لما أصابهم فيها، فما كان من عمرو بن العاص إلّا أن ثَبُتَ بشجاعة مع أصحابه؛ لقتال الروم، حتى تمكّنوا من الانتصار عليهم.
- العقل الراجح: يُعتبَر عمرو بن العاص مِن دُهاة العرب؛ لرجاحة عَقله، ورأيه السَّديد؛ ولهذا أرسلته قريش إلى الحبشة؛ حتى يتفاوض مع النجاشيّ في رَدِّ المهاجرين إلى مكّة.
- بُعد النَّظَر: تميَّز عمرو بن العاص ببُعْد نَظَرٍ مَكَّنَه مِن تقدير الاحتمالات، وافتراض الوقوع في أصعبها؛ وهذا ما جعله يتَّخذ الحَذَر، والحِيطة مبدأ له، وقد ظهر ذلك جليّاً عندما فَزِع أهلُ المدينة، فتفرَّق الناس، في حين أنّ عمرو بن العاص حَمَل سلاحَه، وانطلقَ نَحو المسجد، حيث مدحه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على فِعله.
- المقدرة على جَمْع المعلومات: من الصفات القياديّة التي تمتَّع بها عمرو بن العاص مقدرته على جَمع المعلومات؛ لتقدير الوضع العسكريّ، وهذا الأمر كان بارزاً عندما استعان بأخواله في معركة ذات السلاسل؛ لمعرفة بعض المعلومات عن عدوِّه وكانت هذه المعلومات من أسباب انتصاره في المعركة.
- الماضي المجيد: يُعتبَر الماضي المَجيد من الصفات القياديّة التي تميَّز بها عمرو بن العاص؛ فهو من بني سَهم الذين كانت لهم سيادة، وسُلطان في مكّة، كما كان بنو سهم أصحاب حكومة يَحتكمُ إليهم القُرَشِيُّون، والعرب في منازعاتهم، ومُخاصماتهم، أمّا والده (العاص بن وائل بن هشام)، فهو من سادات قريش، وأشرافهم.
- اتِّخاذ القرارات الصحيحة: من الصفات التي تميَّز بها عمرو بن العاص اتِّخاذ القرارات الصحيحة، وتنفيذها بشكل دقيق، وقد ظهرت هذه الصفة عندما قرَّر ضرورة أن يجتمع المسلمون في اليرموك؛ لإظهار وحدتهم أمام عَدوِّهم، وحِفظ هيبَتهم، وحتى يمنع حدوث مَفْسدة كبيرة، ألا وهي تَفرُّق الجيوش، والذي من شأنه أن يجعلَ الأعداء ينتصرونَ عليهم.