كيف تكتب الوصية قبل الموت
كيف تكتب الوصيّة قبل الموت
صيغة الوصيّة ونصّها
ورد بالاتّفاق استحباب استفتاح الوصيّة بالبسملة والثّناء على الله -تعالى- وحمده، والصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والشهادتين، وقد قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كان الناس يكتبون في وصاياهم: (هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أوصى أنّه يشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور).
ثمّ يوصي مَن بعده بتقوى الله -تعالى-، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثمّ يوصي بوصيّة إبراهيم حين قال: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، ثمّ يذكر ما يُريد أن يوصي به، ويحرص على ألّا يزيد ما يوصي به عن الثّلث، سواء من المال أو الملك، ويذكر وكيله على ذلك، ويحرص في وصيّته على توحيد الله -تعالى-، عملاً بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ).
أشكال الوصيّة وأنواعها
تنعقد الوصيّة بأحد ثلاثة أشكال: اللّفظ، والكتابة، والإشارة، وهي بالتفصيل كما يأتي:
- اللّفظ: ولا خلاف بين الفقهاء بأنّ الوصيّة تنعقد وتقوم بمجرد النّطق بها، سواءً كان اللّفظ صريحاً؛ كقول المُوصي: أوصيت لفلان بكذا، أو كان اللّفظ غير صريحٍ بوجود القرينة الدّالة على الوصيّة؛ كقول: جعلت له بعد موتي كذا، ويقع القبول من قبل المُوصَى له أثناء حياة المُوصِي عند الحنفيّة بخلاف الجمهور، أمّا الجمهور فلا عبرة عندهم بالقبول في حياة الموصي، وفي حال مات المُوصَى له قام وارثه مقامه.
- الكتابة: ولا خلاف أنّ الوصيّة تنعقد بالكتابة إذا وقعت من قبل الأخرس، أمّا الذي انعقد لسانه وصار ميؤوساً من نطقه فوصيّته بالكتابة معتبرة عند الحنفيّة والحنابلة، أمّا الشافعية فقد اعتبروا وصيّة المعتقل لسانه بالكتابة مطلقاً سواء استُيئِس من نطقه أم لا، كما تنعقد الوصيّة المكتوبة من القادر على الكلام بقيام البيّنة على ثبوت خطّه، واشترط الشّافعية لاعتبارها النيّة.
- الإشارة المفهمة: تنعقد بها الوصيّة من قبل الأخرس أو منعقد اللّسان، واشترط الحنفيّة والحنابلة لتُعتَمد وصيّته أن يكون ميؤوساً من نطقه وأن يموت على ذلك، وألّا يكون قادراً على الكتابة؛ وذلك لأنّ الكتابة تُحقّق المراد من الوصيّة بدقّةٍ أكثر، أمّا المالكيّة فقد اعتمدوا الوصيّة بالإشارة المفهمة ولو كان الشخص قادراً على الكلام، وعند الشافعيّة والحنفيّة والحنابلة لا تنعقد الوصيّة بالإشارة من القادر على الكلام.
مشروعيّة الوصيّة وحكمها
ثبتت الوصيّة بنصّ القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، وبالسّنة النّبوية الشّريفة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا ووَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)، وبإجماع الصحابة كذلك، ويؤيّد ذلك المعقول؛ فإنّ الناس يحتاجون إليه رغبةً في الحصول على المزيد من الأجر والثواب، وتنقسم الوصيّة إلى عدّة أقسامٍ بحسب حكمها، وفيما يأتي بيانها: كالتالي:
- الوصيّة الواجبة: كالوصيّة بردّ الأمانات إلى أصحابها، وسدّ الدّيون التي لا وثائق بها إلى أهلها، ودفع ما انشغلت به الذمّة؛ كالكفارات، والفدية، والزّكاة ، والحجّ ، فمن تعلّقت ذمّته بما للآخرين، فلا يجب أن يبيّت اللّيلة واللّيلتان دون أن تكون وصيّته مكتوبة، ومن شهد كذلك على خلافٍ بين اثنين يجب أن يكتب وصيّة تتضمن شهادته فيها.
- وتكون الوصيّة للأقارب الفقراء من غير الورثة إن كان ماله كثيراً بما لا يزيد عن الثلث، وقد جعل بعض العلماء الوصيّة للوالدين والأقربين إن كانوا لا يرثونه فرضاً، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
- الوصيّة المستحبّة: كالوصيّة للأقارب من غير الورثة، والوصيّة للجمعيّات الخيريّة وجهات البرّ والإحسان، وتعدّ من السّنة لمن ترك مالاً كثيراً، بأن يجعل خمس ماله لفقير من الأقرباء، أو لمسكين، أو لعالم دين، حيث يستحبّ لمن كان له مال كثير وكان ورثته من الأغنياء أن يُوصي بما يكون له فيه أجراً بعد مماته.
- الوصيّة المباحة: كالوصيّة لغنيّ، سواء من الأقارب أم من غيرهم.
- الوصيّة المكروهة كراهة تحريمية عند الحنفية: كالوصيّة لأهل الفسوق والعصيان، وللوارث الفقير إلّا إن كان بقيّة الورثة أغنياء فتصبح مباحة، وتصبح الوصيّة حراماً إن كانت بفعل معصية؛ كالقيام على الأعمال القادحة بالأخلاق، وتصبح الوصية محرّمة إن زادت عن الثّلث من مال الموصي، وعند الحنابلة إن زادت عن الثّلث فهي مكروهة.
- وكذلك تكون مكروهة إن كان ورثته من الفقراء وأوصى بالثّلث للفقراء والمساكين، فإن الورثة أَوْلى بتلك الأموال لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)، وإن أوصى لأحدٍ ورثته دوناً عن بقية الورثة فهي محرّمة.
الحكمة من مشروعيّة الوصيّة وأسبابها
شرع الإسلام الوصيّة لِما فيها من التّبرّع للغير، وتقديم الخير للناس، والحصول على الأجر والثواب واستمراره بعد الموت، وردّ المعروف إلى أهله، وصلة الرحم للأقارب من غير الورثة، والمساعدة في تفريج كُرَب المكروبين والتنفيس عن الفقراء والمساكين، مع الالتزام بشروطها دون التعدّي فيها لئلّا تصير إلى الظّلم والجور، والحرص على ألّا تزيد عن الثلث.
ففي الوصيّة منفعةٌ للمُوصِي بتحصيل الأجر بعد الممات، ومنفعةٌ للموصَى له بمساعدته والرحمة به، فيحصل المسلم على الأجر العظيم من الله -تعالى- نتيجة طاعته، وعملاً بقوله: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، ولما قدّم من الخير والنصائح للآخرين في وصيته، وتَبرأ ذمّته مما تعلّق فيها من حقوق الآخرين، ويعمل على الحدّ من المشاكل والخلافات التي قد تقع بين الورثة بعد موته.