كيف أترك المعاصي
المعاصي
لمّا خلق الله آدم وزوجه حواء وأدخلهما الجنة، أمرهما بأوامر، ونهاهما عن أمور؛ فأغوى إبليس آدم وزوجه فعصيا الله ووقعا فيما نُهيا عنه من المعصية، ويدلُّ ذلك على أنّ طبيعة البشر جُبلت على حبّ الشهوات والملذات؛ حيث إنّ مَعصية آدم بيّنت حبّه للخلود التي هي من الفِطرة التي جُبل عليها الإنسان، وقد أغواه إبليس عليه لعنة الله وأوهمه بذلك حتى عصى الله، قال تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ* وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)،
أدرك آدم عليه السلام أنّ إبليس قد أغواه، وأنه قد أخطأ واقترف معصيةً فاستغفر عن خطأه وندم على ذلك فغفر الله له، وأنزله إلى الأرض هو وزوجه، ومن هنا نَشأت البشريّة، وكانت الطبيعية البشرية التي أصلها آدم تقوم على العصيان، ولكن العبد المؤمن إذا ما أذنب أو ارتكب خطأً فإنه يبادر بالتوبة وترك ذلك الذنب أو المعصية.
كيفية ترك المعاصي
بما أنّ المُسلم لا بد له أن يقع في المعاصي حسب فطرته، فإنّ أفضَل ما يؤدّيه ليترك ما يقوم به من المعاصي أن يَربط نفسه بالله، ويُقوّي علاقته به، ويَستشعر عَظمة الله سبحانه وتعالى في كل وقت، وأن يَخضغ كلّ أموره وأفعاله إلى كلام الله ورسوله، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، حيث إنّ الإنسان مجبولٌ على حبّ الشهواتِ فيجب على الإنسان حال الوقوع في المَعصية اتّباع بعض الأمور؛ منها:
- الاستِعانة بالله عزَّ وجلّ في كلّ أحواله والتوجّه إليه في أعماله وهيئاته، والصّبر على ما يَجد من ملذّات الدنيا بالصبر والتقوى، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
- سؤال الله سُبحانه وتعالى أن يدنيه منه، ويُحبّبه بما يحب، وأن يهيئ له ما يُيسّر له البعد عن كلّ ما يكرهه، فإنّ قلوبَ العباد تتقلّب بين الطاعة والمَعصية كما يتقلّب الليل والنهار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن قلبٍ إلَّا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ إنْ شاء أقامه وإنْ شاء أزاغه)، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ)، ويقول عليه السلام أيضاً: (والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ يرفَعُ قومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يومِ القيامةِ).
- المُحافظة على أداء الصّلوات الخمس في أوقاتها؛ حيث إنّ الصلاة تَنهى عن الوقوع في المعاصي وتحفظ العبد من ذلك، وتَجعله قريباً من الله، فبالصلوات الخمس يبقى متصلاً بالله متعلقاً فيه، قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
- الاستعانة بالرّفقة الصالحة: ذلك يَجعل العبد ينتهي عن مَعصية الله ويتعلّق بطاعته؛ حيث إنّ الرفاق الصالحون يَذكرون بعضهم بتقوى الله، وينهون أنفسهم من الوقوع في معصيته، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: (المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظُرْ أحدُكم من يَخالُّ).
إزالة أثر المعاصي
المداومة على الاستغفار
يحوي الاستغفار الكثير من الأمور التي تُؤثّر في طبيعة المسلم؛ فهو يُزيل أثرَ المعاصي من القلب ويَمحوها من سجلّ أعمال المسلم، ويجعل العبد أقرب من الله وأشدّ اتصالاً به، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، ومن أهمّ آثار الاستغفار:
- الاستغفار يُكفِّر الذّنوب ؛ فإذا استغفر العبد من الذنب والمَعصية التي ارتكبها فإنّ الله سيَغفر له على ما فعل، وعِلمُ العبد بذلك يجعله أقرب من الله، ويجعله يُفكّر في كرم الله ورأفته بخلقه، في حين أنّه يعصيه ويقع فيما ينهى عنه فيرتدع عن ذلك، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
- الاستغفار يُنجي من عذاب الله وسخطه؛ فقد قال الله تعالى لنبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
التوبة
حتّى يَترك العبدُ المعصيةَ ولا يَعود لها يجب عليه أن يتوب منها ويَعزم أن لا يعود لها مطلقاً، ويشترط في التوبة لقبولها الآتي:
- أن يجد العبدُ التائب في قَلبهِ حُرقةً على ما بَدَر منه من الذنوب والمعاصي .
- أن يعلم أنه قد قَصَّر بحقّ الله.
- أن يُعيد الحقوق إلى أصحابها إذا كانت المَعصيةُ تتعلّق بحقّ آدمي.