قصة ملك الموت مع الرسول
قصة ملك الموت مع الرسول
ورد في بعض كتب السير وكتب الأحاديث أخباراً تروي قصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ملك الموت؛ وذلك عندما كان نبي الله يحتضر في سكرات الموت، وأنّ جبريل -عليه السلام- استأذن النبي لدخول ملك الموت عليه، ولما دخل عليه ليقبض روحه طلب منه النبي -عليه السلام- أن يشدّد عليه نزع الروح وخروجها وأن يخفّف مقابل ذلك على أمته، وفي الحقيقة أن هذه الأخبار كلها جاءت بأسانيد باطلة لا صحة لها، وأن هذه القصة لم تصح بأي شكل، وبالتالي لا يصلح الاستدلال بها.
قال الحافظ ابن كثير في كتاب البداية والنهاية في الروايات التي جاءت في أخبار وفاة واحتضار النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْوَفَاةِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً فِيهَا نَكَارَاتٌ وَغَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ، أَضْرَبْنَا عَنْ أَكْثَرِهَا صَفْحًا; لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا وَنَكَارَةِ مُتُونِهَا، وَلَا سِيَّمَا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُصَّاصِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرُهُمْ، فَكَثِيرٌ مِنْهُ مَوْضُوعٌ لَا مَحَالَةَ".
من هو ملك الموت
شاع بين الناس تسمية ملك الموت باسم "عزرائيل"، وهو اسم لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإنّما مصدره بعض الإسرائيليات، إذ أنه لم يذكر في القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة إلّا باسم "ملك الموت".
وقد أوكل الله -تعالى- لملك الموت وظيفة قبض أرواح العباد وانتزاعها، قال الله -تعالى-: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)،
وبعد أن ينزع أرواح العباد يقوم ملك الموت بتسليمها لملائكة الرحمة إن كان العبد مؤمناً، وإن كافراً فيسلّمها لملائكة العذاب، وبعد أن يستلموا أرواح العباد يصعدون بها إلى الله -تعالى-، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).
القصة الصحيحة لاحتضار النبي
وبعد أن ذكرنا أن قصة ملك الموت في وقت الاحتضار لم تصح كان لازماً توضيح القصة التي ثبتت وصحت في ذلك، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثقل عليه المرض وأصابته الحمى التي اقعدته بالفراش أياماً، تاركاً الذهاب إلى المسجد والإمامة بالناس، وكان يمرّض حينها في حجرة زوجته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، ولما بدأ يحتضر -عليه الصلاة والسلام- استند على عائشة.
وفي ذلك الحين دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- وكان يحمل بيده سواكاً، فأخذته عائشة وليّنته له بريقها ليستعمله، وكان يتصبّب عرقاً ويردّد: "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات"، ولما فرغ من السواك رفع يده، وشخصت عيناه، ويقول: "اللهم الرفيق الأعلى"، وانتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى، وكان ذلك في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة، وقد أتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً وستين عاماً.