قصة سورة سبأ
التعريف بسورة سبأ
تعد سورة سبأ من السور المتفق عليها أنها مكية، وهي السورة الثامنة والخمسون في ترتيب نزول سور القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نزلت بعد سورة لقمان وقبل سورة الزمر، ويبلغ عدد آياتها أربع وخمسين آية، وتقع في الجزء الثاني والعشرين من المصحف الشريف، وقد سميت بسورة سبأ لأنه ذكر فيها قصة أهل سبأ.
قصة سورة سبأ
التعريف بسبأ
سبأ اسم لرجل من العرب يسمى "سبأ"، وكان له أولادٌ كثيرون، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني: (فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، وما سَبأٌ، أرضٌ أو امرأةٌ؟ قالَ: ليسَ بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولَكِنَّهُ رجلٌ ولدَ عشرةً منَ العربِ فتيامنَ منهم ستَّةٌ، وتشاءمَ منهم أربعةٌ. فأمَّا الَّذينَ تشاءموا فلَخمٌ، وجُذامُ، وغسَّانُ، وعامِلةُ، وأمَّا الَّذينَ تيامنوا: فالأزدُ، والأشعرون ، وحِميرٌ، وَكِندةُ ومَذحِجٌ، وأنمارٌ،. فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ما أنمارٌ؟ قالَ: الَّذينَ منهم خثعَمُ، وبَجيلةُ)، وفي الحديث تيامن، أي: سكن اليمن، وتشاءم، أي: سكن الشام، فسميت هذه القبيلة وسميت بلادهم باسم سبأ نسبة إلى جدهم سبأ أحد ملوك اليمن.
حال مملكة سبأ
لقد كانت سبأ مملكة عظيمة في اليمن وفيرة المياه، خصبة التربة، وقد أقاموا سداً عظيماً لتجميع المياه فيه، يتألف جانباه من جبلين وجعلوا عليه من جهة الوادي سداً به عيون تفتح وتغلق، وقد خزنوا فيه كميات كبيرة من الماء يتحكمون فيها ويستخدمونها حسب حاجتهم، وهو ما يسمى " سد مأرب " أعظم سد في اليمن، وقد أنعم الله عز وجل عليهم بنعم كثيرة فقد كان لهم على جانبي الوادي البساتين والجنان العظيمة، المليئة بالأشجار المتنوعة كثيرة الثمار، وكانوا في أحسن حال من الرخاء ورغد العيش والهناء والمتاع الجميل، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ).
قصة سبأ وسيل العرم
- بالرغم من هذه النعم الوفيرة والرخاء الذي كانوا يعيشون فيه أهل سبأ، لم يشكروا الله تعالى على هذه النعم، فقد أمرهم الله تعالى بأن يؤدوا حق هذه النعم بأن يشكروه فهو المُنعِم عليهم والمتفضل عليهم بواسع فضله وواسع كرمه، قال تعالى: (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)، فلما آمنت ملكة سبأ بلقيس ومن كان معها بسيدنا سليمان عليه السلام عبدوا الله تعالى ووحدوه بعد أن كانوا يعبدون الشمس، وكفر من جاء بعدها وأعرضوا عن شكر الله تعالى وتوحيده وعبادته عز وجل وعادوا إلى طغيانهم، كان هذا سبباً لما أصابهم من الدمار.
- فسلبهم الله تعالى هذا الرخاء وهذه النعم وأرسل عليهم السيل الجارف فقد تحطّم السد وأغرقت البساتين والأشجار وانجرفت مع الماء الغزير، وجفّت بعدها الماء واختلّ عندهم توازن الماء، وتبدلت البساتين الخضرة اليانعة ذات الثمار الوفيرة بصحراء تتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة ذات الأشواك والأشجار قليلة الثمار، قال تعالى: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا)، فكان هذا جزاء كفرهم وإعراضهم عن الحق وتكذيبهم له.
النعم التي خارج بلدهم
لم تكن نعم الله تعالى عليهم في بلدهم سبأ فقط وإنما كانت هناك نعمة أخرى أنعمها الله تعالى عليهم خارج بلدهم، وهي نعمة الأمن والأمان والتيسير في أسفارهم ورحلاتهم التجارية، فكانوا إذا خرجوا من بلدهم إلى بلاد الشام للتجارة، وجدوا قرية أو مكاناً للاستراحة والتزود بالطعام والشراب، فلما تمت عليهم النعمة بطروها ولم يقدّروا نعم الله عليهم، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ* فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، فلم يشكروا نعم الله تعالى عليهم، فكان أكبر سببٍ لزوال النعم هو كُفرانها.