مفهوم الوطنية في الإسلام
معنى الوطنية في الإسلام
يشير مفهوم الوطنيّة إلى ذلك الانتماء العاطفيّ والوجدانيّ الذي يحمله الإنسان في قلبه تِجاه وطنه، ويعبّر عنه بأشكال مختلفة من السّلوك الإنساني، وما يصنع هذا الإحساس الوجداني هو ميلاد النّاس في هذه الأرض، ونشأتهم فيها، فالوطنية إذا هي حب الوطن، والمحافظة عليه، والعمل من أجل ازدهاره وإعلائه، والمواطنة في اللغة من الوطن؛ وهو مكان إقامة واستقرار وعيش الإنسان.
ويظن كثيرٌ من النّاس وجود تعارضٍ بين الوطنيّة والإسلام، ولا شكّ أنّ هذا الظنّ أو الاعتقاد عائدٌ إلى ما علق بأذهان النّاس من تفسيراتٍ خاطئة لمفهوم الوطنيّة وما يتعلّق بها من مظاهر وتعبيرات، إلا أنّ دين الإسلام الحنيف لا تتناقض قِيَمُه مع تلك الفطرة الإنسانيّة، والمشاعر الوجدانيّة التي يحملها الإنسان تجاه وطنه، والإيهام بوجود تناقض بين مفهوم المواطنة الطبيعي ودين الإسلام أغلوطة لا يقبلها الشرع الحنيف.
ومحبّة الوطن والانتماء له أمرٌ غريزي، فالإنسان عندما يولد في مكانٍ، ويترعرع فيه، ويشرب من مائه، ويتنفّس من هوائه، لا شكّ وأن فطرته ستحبّه، وسيحزن ويحنّ له إن غاب عنه، وسيدافع عنه إذا اعتُدي عليه، والوطنية بهذا المفهوم غير مستغربة، وليس ثمّة ما يخالف الشرع الإسلامي في ذلك، بل إن الإسلام حفظ انتماء الناس لبلادهم وشعوبهم، فبقي سلمان فارسياً، وبلال حبشياً، وصهيب رومياً، ولم يتناقض ذلك مع انتمائهم وولائهم للإسلام.
وبقي أن نبيّن أنّ الإنسان في طبيعته حبّه لأهله ولمدينته، وانتمائه للأمة الإسلامية ككلٍّ مهما اتّسعت، فهذا هو الصحيح، ولا تناقض بين الأمرين وإنما هي دوائر يحوي بعضها بعضاً، فحدود الوطن لا تنحصر فقط في البقعة التي وُلد فيها الإنسان، بل يشمل ذلك الأطر الخاص، وكذلك أقطار الأمة الإسلامية الأخرى مهما امتدّت، وهكذا يوازن الدين الإسلاميّ الحنيف بين الشعور الوطني الخاص والعام في نفس الإنسان.
الوطنية في نصوص القرآن والسنة
إنّ الإسلام يؤكّد على أهميّة الوطن، ويبيّن أنّ محبته فطرة إنسانيّة، ففي القرآن الكريم والسنة النبوية نجد العديد من النصوص التي تدلّ على الوطنيّة وحبّ الأوطان والانتماء لها، ومما يدل على ذلك ما يأتي:
- اقتران حب الوطن بحب النفس
قال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ...).
- ارتباط حب الوطن بالدين
قال الله -تبارك وتعالى-: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ).
- حنين النبي -صلى الله عليه وسلم- لوطنه بعد الهجرة
كان خروج النبي والمهاجرين من أوطانهم أمراً صعباً على نفوسهم، فعن عبد الله بن عدي بن الحمراء -رضي الله عنه- قال: (رأيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ واقِفًا على الحَزْوَرَةِ، فقال: واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أرضِ، اللهِ وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ما خرجْتُ).
- دعاء النبي بتحبيب المدينة إليه لما علم أنّه سيبقى مهاجراً
قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كما حَبَّبْتَ إلَيْنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وانْقُلْ حُمَّاها إلى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا وصاعِنا)، وعن أنس -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فأبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ، أوْضَعَ نَاقَتَهُ، وإنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا)، وقال ابن حجر: "فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه".
نظرة الإسلام إلى مفهوم الوطنية الخاطئ
إنّ مفهوم الوطنيّة في الإسلام يختلف اختلافاً بيّناً عن الوطنيّة الخاطئة، والتي تتمثّل أحياناً في تقديم حب الوطن وأهله على حبّ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو بتقديسها إلى حدّ العبادة من دون الله -تعالى-، أو بالعصبية الجاهلية الظالمة، والاستعلاء والاستكبار على الغير، فهذا لا يرتضيه الشرع، والأصل أن يوالي المسلم لله، ويعادي في الله، ويألم لما يُصيب بلاد المسلمين الأخرى.
وقد قال أحد العلماء: "الإسلام يُربِّي أبناءه على أساس أن الناس جميعًا خلقوا من ذكر وأُنثى، وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، ومهمة المسلم عمارة الأرض، وتحقيق الأمن، والسلام فيها".