قصائد أبي فراس الحمداني
يــوم بـسـفح الـدير لا أنـساه
قال الحمداني في أهل البيت القصيدة الآتية:
يــوم بـسـفح الـدير لا أنـساه
- أرعـى لـه دهـري الـذي أولاه
يـوم عـمرت الـعمر فـيه بفتية
- مـن نـورهم أخـذ الـزمان بهاه
فـكـأن عـزّتهم ضـياء نـهاره
- وكــأن أوجـههم نـجوم دجـاه
ومـهفهف لـلغصن حـسن قوامه
- والـظـبي مـنه إذا رنـا عـيناه
نـازعـته كـأسا كـأن ضـياءها
- لـما تـبدّت فـي الـظلام ضـياه
فـي لـيلة حـسنت بـود وصاله
- فـكـأنها مــن حـسـنه إيـاه
فـكـأنما فـيـه الـثريا إذ بـدت
- كـف يـشير الـى الـذي يـهواه
والـبدر مـنتصف الـضياء كأنه
- مـتـبسم بـالـكف يـستر فـاه
ظـبي لـو أن الـفكر مـرّ بخده.
- مـن دون لـحظة نـاظر أدمـاه
فـحرمت قرب الوصل منه مثل ما
- حـرم الـحسين الـماء وهو يراه
واحـتز رأسـا طـالما من حجره
- أدنـتـه كـفـا جــده ويــداه
يــوم بـعـين الله كـان وانـما
- يـمـلي لـظـلم الـظـالمين الله
يـوم عـليه تغيرت شمس الضحى
- وبـكت دمـا مـما رأتـه سـماه
لا عـذر فـيه لـمهجة لـم تنفطر
- أو ذي بـكاء لـم تـفض عـيناه
تـبـاً لـقـوم تـابعوا أهـواءهم
- فـيـما يـسـوءهم غـدا عـقباه
اتـراهم لـم يـسمعوا مـا خصه
- فـيـه الـنبي مـن الـمقال ابـاه
اذ قـال يـوم غـدير خـم مـعلنا
- مـن كـنت مـولاه فـذا مـولاه
هــذي وصـيته الـيه فـافهموا
- يـا مـن يـقول بـأن مـا أوصاه
واقـروا مـن القرآن ما في فضله
- وتـأمـلوه واعـرفـوا فـحـواه
لـو لـم تـنزّل فيه إلا (هل أتى)
- مــن دون كــل مـنزّل لـكفاه
مَـن كان أول مَن حوى القرآن من
- لـفـظ الـنـبي ونـطقه وتـلاه
مَن كان صاحب فتح خيبر من رمى
- بـالـكف مـنـه بـابـه ودحـاه
مَن عاضد المختار من دون الورى
- مَــن آزر الـمختار مـن آخـاه
مَـن خـصه جبريل من رب العل
- بـتـحية مــن ربــه وحـباه
أظـنـنـتم أن تـقـتـلوا أولاده
- ويـظـلكم يــوم الـمعاد لـواه
أو تـشربوا مـن حـوضه بيمينه
- كـأسا وقـد شـرب الحسين دماه
أنـسـيتم يــوم الـكساء وانـه
- مـمن حـواه مـع الـنبي كـساه
يــا رب انــي مـهتد بـهداهم
- لا اهـتدي يـوم الـهدى بـسواه
اهـوى الـذي يـهوى النبي وآله
- أبــدا واشـنأ كـل مَـن يـشناه
قد قـال قـبلي في قريض قائل
- ويــل لـمى شـفعاؤه خـصماه
ما العمر ما طالت به الدّهور
وقال يصف الطّرد:
مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ،
- العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ !
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري
- هي التي أحسبها منْ عمري
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ!
- وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ !
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا
- عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ " الشامِ " ،
- ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ،
- عندَ انتباهي ، سحراً من نومي
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً
- كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ،
- وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ
- ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ!
- فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ
- وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ
- وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا!
- عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا !
ويا شرابي البلقسياتِ
- تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا!
- واجتنبوا الكثرة َ والفضولا !
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا!
- وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا!
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا،
- عشرينَ ، أو فويقها قليلا
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ،
- معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ
- مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ
- تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ،
- مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ،
- ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي
- أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ
- ناديتهمْ : " حيَّ على الفلاحِ ! "
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ
- مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ
- وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ،
- إليهِ يمضي ما يفرُّ منا
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ،
- كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ
فما استوينا كلنا حتى وقفْ
- لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ !
- فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ
- ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي،
- وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ،
- لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
وقال يفتخر، وقد بلغه أنّ الرّوم قالت: " ما أسرنا أحداً لم نسلب سلاحه غير أبي فراس:
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
- أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ،
- ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
- وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
- إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ،
- إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا
- و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ
- لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً
- هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي
- لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني
- أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ
- وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ
- فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ
- لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،
- فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ " ، وهي عليمة ٌ ،
- وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى :
- قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي ،
- وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!
- فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ
- إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ
- إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛
- وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ،
- إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها،
- لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
تواعدنا بآذارِ
وقال في اللهو:\
تواعـــدنا بآذارِ
- لمسعى ً غيرِ مختارِ
وَقُمْنَا، نَسحَبُ الرَّيْطَ،
- إلى حانة ِ خمَّـارِ ؛
فَلَمْ نَدْرِ، وَقَدْ فاحَتْ
- لَنَا مِنْ جَانِبِ الدّارِ
بخمارٍ ، منَ القومِ ،
- نَزَلْنَا، أمْ بِعَطّارِ؟
فلما ألبسَ الليلُ ،
- لنا ثوباً منَ القارِ
وَقُلْنَا: أوْقِدِ النّارَ
- لِطُرَاقٍ وَزُوّارِ
وَجَا خَاصِرَة َ الدّنّ
- فأغنانا عنِ النارِ