فضل قيام الليل في استجابة الدعاء
فَضْل قيام الليل في استجابة الدعاء
يُعَدّ قيام الليل من أجلّ العبادات ، وأزكاها؛ لِما فيه من إخلاصٍ، وخشيةٍ لا تضاهيه فيها أيّ عبادةٍ أخرى، وعلى المسلم المُحِبّ لربّه، والذي يسعى إلى نَيْل رضاه، ونعمائه، أن يتحرّى على الدوام قيام الليل والناس نِيامٌ؛ ففيه ساعةٌ من أنفس الساعات عند الله -عزّ وجلّ-، فقد جاء في الحديث عن الصحابيّ الجليل جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، فالقيام في الليل، وخاصّةً في ثُلثه الأخير، أدعى لإجابةِ الدعوات، ومِمّا ورد في فَضْل ذلك ما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن)، ففي الليل، يدعو العبدُ الله -عزّ وجلّ- بما يُحِبُّ ويتمنّى، كما هو الحال في الصَّلاة ؛ إذ يجوز له فيها أن يطلبَ من ربّه -تعالى- ما يشاء؛ من قضاء حوائجه في الدُّنيا، والآخرة.
فضائل قيام الليل والدعاء
فَضْل قيام الليل
قيام الليل عبادةٌ عظيمةٌ، وهي سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد جاءت النُّصوص المُتواترة في الكتاب، والسُّنّة في بيانِ أفضليّتها، والحَضّ على أدائها، وبيان الأجر المُترتِّب على ذلك، علماً أنّ من يُحافظُ على هذه الراتبة العظيمة، يكون عند الله -تعالى- بمنزلة أوليائه، وعباده المُصطَفين؛ فقد أثنى الله -تعالى- عليهم، ورَفَع قَدْرهم، إذ قال: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وجاء مديح الله -تعالى- لهذه الفئة المُؤمنة التقيّة، والثناء عليها في مواطن كثيرةٍ من كتابه العزيز؛ لِما يؤدّونه من أعمالٍ جليلةٍ، وصفاتٍ جميلةٍ، وأخصّها عبادة قيامُ االليل ، فجاء قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ومِمّا يُؤكّد عِظَم قَدْر هذه العبادة الخَفيّة، وأنّها من أسباب الفوز بالجِنان، ورضا الملك الرحمن، والنجاة من النيران، قولُ الله -تبارك وتعالى- في كتابه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
وجاءت صفات المُتَّقين في كتاب الله -تعالى- في أكثر من موضعٍ يُشير إلى فَوزهم بجنّات النعيم؛ ففي سورة الذاريات قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، ويتحقّق في صلاة الليل الثباتُ على الحَقّ، والإيمان، والتثبيت، والإعانة على أداء الأعمال، إلى جانب ما فيه من صلاح وإصلاح للعباد، والسَّعادة في الحال، والراحة في البال، وهذا من جليل فَضْلها؛ فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا*إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)، وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان أهميّة هذه العبادة الليليّة، منها ما ثبت في الصحيحَين، كقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)، وما ورد عن الصحابيّ الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ).
فَضْل قيام الليل من القرآن
تترتّب على قيامِ الليل أجورٌ وفيرةٌ، وفضائل كثيرةٌ، وسعادةٌ كبيرةٌ في الدُّنيا، والآخرة، ويظهر ذلك فيما حَوته نصوص الكتاب، والسنّة من أفضليّتها، وقد اكتظّت الأدلّة بفَضْلِ قيام الليل، فمِمّا ورد في الكتاب ما يأتي:
- قَوْله -تعالى-: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً)، وهذا الأمر في الآية الكريمة وإن كان مُوجَّهاً إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فهو مُوجَّهٌ أيضاً إلى عامّةِ الأمّة من المسلمين؛ فهم داخلون في هذا الأمر، ومُطالَبون بأدائه، وهو بهذا ليس أمراً خاصّاً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وحده.
- قوله -تعالى-: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، وفي هذا ثناء من الله -عزّ وجلّ- على القائمين ليلاً، ووَصْفهم بالإحسان .
- قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً*وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً)، وفي هذا إعلاء الله -تعالى- شأنِ مَن يقومون الليل، واعتبارهم من عباده المُتَّقِين الأبرار.
- قوله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وفي هذا عدم تسويتهم بغيرهم.
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا*إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا*إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا*وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)، وفيه حَثٌّ من الله -تعالى- على قيام الليل، وبيان أنّه أشدّ توافُقاً مع الحِفظ ،وأبلغ، فجاء أمره -سبحانه- لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-؛ بتخصيص وقتٍ له في جوف الليل.
- قوله -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وفي إدخال مَن يقومون الليل في جُملةِ صِفات عبادالرحمن.
- قوله -سبحانه وتعالى-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وفيه بيان من الله -تعالى- أنّ هذه العبادة عبادةٌ غنيّةٌ بالأجر؛ إذ إنّه جعلَ جزاءها رفيعاً عالياً عنده؛ فهي من أعمال الخفاء والاستتار في جُنْح الظلام.
فَضْل قيام الليل من السنّة
ورد في السنّة من فَضْل قيام الليل ما يأتي:
- إقرارٌ بعظيم فَضْل قيام الليل، كما جاء في الأحاديث الصحيحة التي بيّنت ذلك، واعتبرتها بعد الفريضة في المكانة عند الله -تعالى-؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).
- دأبُ عباد الله الصالحين، وبابٌ واسعٌ في الحَطّ من الخطايا، والسَّيّئات، ونَيلٌ للأجور والحَسنات؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، وقُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ وتَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ).
- سببٌ لنَيل الجِنان من الرحمن؛ إذ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).
- سببٌ للوقاية من الفِتَن، والنَّجاة منها، وهي استعدادٌ عظيمٌ من الحَسَنات للآخرة ؛ فقد جاء عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، ومَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ).
- سببٌ في تحقيق صفاء النفس، وتزكيتها؛ ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحَيْن عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).
- كَراهة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نومَ الليل كلّه؛ فقد جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (ذُكِرَ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ، فقِيلَ: ما زَالَ نَائِمًا حتَّى أَصْبَحَ، ما قَامَ إلى الصَّلَاةِ، فَقالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ).
- حَثُّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الإمام عليّ بن أبي طالب، وابنته فاطمة -رضي الله عنهما-، ووصيّته لهما بالحرص على هذه العبادة النافعة؛ فقد ورد في السُّنّة: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَرَقَهُ وفَاطِمَةَ بنْتَ النبيِّ عليه السَّلَامُ لَيْلَةً، فَقالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذلكَ ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وهو يقولُ: {وَكانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا).
- شَرَفٌ للمؤمن؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أتاني جبريلٌ، فقال: يا محمدٌ! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحببْ منْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ بهِ، واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ الناسِ).
- حَثُّ النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأزواج والزوجات بالتعاون بينهم؛ لأداء عبادة قيام الليل؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى ، ثمَّ أيقظَ امرأتَهُ فصلَّت فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ ورحمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فصلَّت ، ثمَّ أيقَظَت زوجَها فصلَّى فإن أبى نضحَت في وجهِهِ الماءَ).
فَضْل الدعاء
وردت الكثير من النُّصوص في بيان أهميّة عبادة الدُّعاء، ويُذكَر منها:
- قَوْل الله -عزّ وجلّ-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ففي الآية الكريمة معانٍ عظيمةٌ، وأخصّها معنى القُرْب؛ وهو الإخلاص في الدعاء، والامتناع عن أيّ واسطةٍ بينه وبين مولاه ومَليكه؛ فكان القُرْبَ المُخلَص، كما بيّن ذلك الإمام الزركشيّ -رحمه الله-.
- قَوْله -تعالى-: (وَقَال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
- قَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما على الأرضِ مسلِمٌ يدعو اللَّهَ تعالى بدعوةٍ إلَّا آتاهُ اللَّهُ إيَّاها أو صرفَ عنْهُ منَ السُّوءِ مثلَها ما لم يدعُ بمأثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ فقالَ رجلٌ منَ القومِ إذًا نُكثرُ قالَ اللَّهُ أَكثَرُ).
- قَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ تعالى حييٌّ كريمٌ، يستحي إذا رفعَ الرجلُ إليهِ يديهِ أنْ يردهما صفرًا خائبتينِ).
إحياء الليل بالاستغفار وفَضْل الاستغفار
عمارة الليل بالاستغفار أعظم مقصودٍ، وأجلّ مأمولٍ، وخاصّةً ما يكون في الثُّلث الأخير منه؛ حين يتنزّل الله إلى السَّماء الدُّنيا؛ فيغفر للمُستغفِرين، ويُجيب دعوات الداعين، وفي الصَّلاة تكون القُرْبى العُظمى لله -تعالى-؛ لِما تحتويه من ذِكرٍ، واستغفارٍ، ودعاءٍ، وتلاوةٍ للقرآن، بالإضافة إلى ما يحوزه المسلم من الأجور، والفَوز بالجنّات، وعبادة الاستغفار عظيمةٌ تدخل فيها عبادةٌ أعظم؛ وهي الدُّعاء بطَلَب الغُفْران من الرَّحمن، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة التي تدلّ على فَضْل الاستغفار؛ ولهذا يجدر بالمسلم الإكثار من الاستغفار بالليل والنهار؛ اقتداءً بالنبيّ الذي كان يستغفر باليوم أكثر من مئة مرّةٍ، وهو الذي قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وما تأخّر.
وممّا ورد في بيان عظمة عبادة الاستغفار قَوْلُه -تعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)، فالآية تدلّ على بركات الاستغفار، وما يحصل به من فتوحاتٍ واسعةٍ؛ من إمداد في الدُّنيا بالمال، والأولاد، وفوزٍ في الآخرة، وسعادةٍ بقُرْب رَبّ العباد، وقد جاءت مواطن الاستغفار في القرآن الكريم كثيرة ذات مَعانٍ وفيرةٍ، ومنها:
- أنّ الله -تعالى- أمرَ العباد بالاستغفار؛ فقال: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ).
- أنّ الله -تعالى- أثنى أعظم ثناءٍ على أهل قيام الليل من عباده؛ فقال: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ).
- أنّ الاستغفار من خِصال العباد المُتَّقِين ؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
- أنّ الاستغفار سببٌ في إبعاد العذاب من الله عن عباده المُستغفِرين؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
- أنّ الاستغفار دَيْدن الأنبياء والصالحين من قَبل؛ فقد كان الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُهرَعون إلى الله -تعالى-؛ مُتضرِّعين بالاستغفار، والتسبيح، والاعتراف بالتقصير، ومن ذلك ما جاء على لسانهم في القرآن الكريم، كقوله الله -عزّ وجلّ- على لسان النبيّ موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).