كيف أرجع لربي

كيف أرجع لربي

كيف أرجع إلى ربّي

يتمثّل الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- بنَدَم الإنسان على ما خرج منه؛ سواء كان قولاً أو فعلاً، وهذا الندم لا بُدّ أن يرتبط بتمنّي عدم وقوع هذا الذنب أصلاً، بالإضافة إلى العزم على عدم العودة إلى هذا الذَّنْب أو المعصية مرة أخرى، وهذا العزم يكون قائماً بحَدّ ذاته؛ إذ إنّ العبد إذا رجع إلى معصيته، فإنّ رجوعه الأوّل إلى الله -تعالى- صحيح؛ فالمطلوب هو العزم والإرادة الصادقة في عدم ارتكاب الذَّنْب وليس ارتكاب الذَّنْب، بَيْد أنّ الذَّنْب اللاحق يستوجب توبة أخرى مُخلصة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الرجوع إلى الله -تعالى- والتوبة إليه تستوجب من صاحبها أن يبتعدَ عن مُسبِّبات هذا الذَّنْب؛ بهدف التخلُّص منه، كما أنّ التوكُّل على الله -عزّ وجلّ-، والاستعانة به في الصبر والثبات من سُبل الرجوع إليه؛ فهو الخالق الرحيم قابل التوبة مِمّن أخلصَ الرجوع إليه، وطلب المغفرة منه -جلّ وعلا-،

وبالإضافة إلى ما سبق، لا بُدّ للمسلم في حال رجوعه إلى الله -تعالى- عن ذَنْب فيه حقٌّ لإنسان آخر من أن يتحلّل منه قَدْر المُستطاع؛ وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه). ولا شَكّ في أنّ هناك العديد من الأمور التي تساعد الإنسان على الرجوع إلى ربّه -عزّ وجلّ-، ومنها ما يأتي:

  • ذِكر الله -عزّ وجلّ-؛ وهو من أكثر الأمور التي تساعد العبد في الرجوع إلى الله -تعالى-؛ فذِكر الله -جلّ وعلا- يُورِث في القلب الرجوع إليه في الأحوال جميعها؛ إذ لا رَيْب في أنّ الله -تعالى- هو المَلجأ والمَلاذ.
  • مُصاحَبة خِيار الناس؛ إذ إنّ في ذلك طهارة للقلب، وانشراح للصدر، وإعانة على طاعة الله -عزّ وجلّ-؛ فرفيق الخير ناصح أمين إلى طريق الطاعة، كما أنّه باب مُغلَق في وجه أهل الذنوب والمعاصي، وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض المعاصي قد يجتمع عليها الإنسان مع غيره، ممّا يعني أنّ على المسلم أن يعتزل أهلها ويبتعد عنهم؛ فهم يتّبعون خُطوات الشيطان؛ وقد قال الله -عزّ وجلّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).
  • الإخلاص لله -تعالى-؛ فالإخلاص والصدق في الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- فيه إعانة، وتسيير، وألطاف من الخالق؛ حتى تُقصى الأسباب التي تمنع التوبة من الطريق، وخشية الله -تعالى- والخوف منه سبيل من سُبُل الرجوع إليه، كما أنّ حُبّ الله -عزّ وجلّ-، وإدراك سَعة رحمته فيهما إعانة على التوبة؛ فالله -جلّ وعلا- يفرح برجوع عباده إليه، ويُبدّل لهم سيّئاتهم حَسَنات.
  • التذكُّر المُستمرّ للموت؛ فصاحب الرغبة الكبيرة والصادقة في الرجوع إلى -الله تعالى- دائم التذكُّر لحقيقة أنّ الموت هو النهاية الحتميّة والقريبة له في الحياة الدُّنيا ، وأنّ هذه الدُّنيا ما هي إلّا مُتعة مُؤقَّتة وزائلة لا مَحالة؛ فقد قال الله -عزّ وجلّ-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
  • كثرة الاستغفار، والتي تُولّد لدى الإنسان شعوراً دائماً بأنّه عاصٍ ومُذنب، وأنّ عليه الثبات على الطاعة، وديمومة الاستغفار ، والرجوع إلى الله -عزّ وجلّ-؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
  • الإقبال على طاعة الله -عزّ وجلّ- في كلّ أمر، واجتناب الذنوب والمعاصي؛ إذ إنّ ذلك من علامات حُبّ الله -تعالى-، والصدق في الرجوع إليه.
  • توجُّه الإنسان إلى الله -عزّ وجلّ- بالدعاء؛ كي يخلّصه من الذنوب والمعاصي، ويحمي قلبه من السَّير وراء الشهوات، ويستبدل ذلك بحُبّ الله -تعالى- وطاعته؛ فلا شَكّ في أنّ الدعاء من أبرز الأمور التي تُساعد العبد وتعينه على الرجوع إلى الله -عزّ وجلّ-، وهو من أكثر الطُّرق نَفْعاً وتأثيراً؛ شريطة خروج الدعاء من قلب مؤمن ومخلص لله -تعالى-.

الحاجة للرجوع إلى الله

وَسِعت رحمة الله -تعالى- كلّ شيء، بما يشمل أصحاب الذنوب أيضاً، وما من شيء أفضل من الرجوع إلى خالق الكون -عزّ وجلّ-، الأمر الذي يُعَدّ من الواجبات الدائمة التي لا بُدّ للمسلم من التمسُّك بها، وتُعَدّ هذه الرحمة الباب الوحيد الذي لا يُوصَد في وجه العبد، في الوقت الذي عادة ما تُغلَق فيه بقيّة الأبواب؛ إذ كلّما زادت الابتلاءات ؛ بالمرض، أو الجوع، أو الفقدان، أو غيرها، زاد العبد في هروبه إلى ربّه -جلّ وعلا-، ولا شَكّ في أنّ الله -عزّ وجلّ- جعل باب التوبة والرجوع إليه مفتوحاً دائماً؛ كي يُتيح لعباده الفُرَص العديدة للتوبة، وتحسين علاقاتهم به، مِمّا يُشعر الإنسان وكأنّه وُلِد من جديد، وفُتِحت أمامه مَسالك النجاة والراحة دون تفرقة بذلك بين عالم وجاهل، أو صغير وكبير.

ثمرات الرجوع إلى الله

للرجوع إلى الله -عزّ وجلّ- ثمرات كثيرة، إلّا أنّ أعظم هذه الثمرات وأفضلها حُبّ الله -جلّ وعلا- لِمَن يرجع إليه؛ إذ قال في كتابه الحكيم: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، بالإضافة إلى أنّ الله -تعالى- يذكره عند الملائكة ؛ وفي ذلك قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى إذَا أحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبَّهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ في السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ويُوضَعُ له القَبُولُ في أهْلِ الأرْضِ)، ومن الثمرات العظيمة أيضاً الفلاح والنجاح وتيسير الأمور والأمان؛ وفي ذلك قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "إذا أراد الله بعبده خيرا فتح له أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق الالتجاء إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه".

مزيد من المشاركات
نبذة عن كتاب لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي

نبذة عن كتاب لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي

نبذة عن كتاب لباب النقول في أسباب النزول قال السيوطي في مقدمة لباب النقول: "هذا كتاب سميته لباب النقول في أسباب النزول، لخصته من جوامع الحديث والأصول، وحررته من تفاسير أهل النقول"، وهو كتاب نفيس وبالغ الأهمية في ميدانه، وقد جمع السيوطي فيه كل ما ورد من أسباب النزول في السور والآيات القرآنية، وقد سبق السيوطي في ذلك الإمام أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري الواحدي فكان له فضل السبق. إلا أن لكتاب السيوطي امتيازاً؛ فقد استفاد ممن قبله، فتارةً تجده زاد عليه وتارةً استدرك ما فاته، وربما لم يوافقه
ما هي أنواع الحوار

ما هي أنواع الحوار

تعريف مفهوم الحوار يوصف الحوار بأنّه حوار منظم ومنطقي، ومرةً أخرى يوصف بأنه غير مقنع ومشتت!، كما أنّ الحوار هو عملية تفاعلية بين طرفين أو أكثر تتم عن طريق الكتابة أو المحادثة الشفهية، لذا نجد الحوارات في النصوص المسرحية والقصائد والقصص، ونجده في المفاوضات والمؤتمرات والمحافل الدولية. يمكن أيضاً تعريف الحوار على أنه شكل من أشكال الفنون الأدبية، ضمن نطاق التأليف الروائي والمسرحي، إذ إنّ أول الحوارات الأدبية تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، حيث كان أفلاطون على دراية بها، وقد برع في حواراته الفلسفية
مدينة جدة السياحية

مدينة جدة السياحية

مدينة جدة هي إحدى المدن السعودية الواقعة في الجهة الغربيّة من المملكة على ساحل البحر الأحمر ، والتي تتبع إدارياً لمحافظة مكة المكرمة، حيث تبعد عن العاصمة الرياض تسعمئة وتسع وأربعين كيلومتراً، وعن مكة المكرمة تسعة وسبعين كيلومتراً، وعن المدينة المنورة حوالي أربعمئة وعشرين كيلومتراً، وتعتبر جدة العاصمة الاقتصادية، والسياحية للملكة، حيث تعدّ الوجهة السياحية الأولى لزوار السعودية، سواءً كانوا من داخل المملكة أو من خارجها. تحتل المرتبة الأولى من حيث وجود مشاريع الأبراج وناطحات السحاب مقارنةً بالمدن
أسباب السعال الجاف

أسباب السعال الجاف

السعال الجاف يتعرض الإنسان لوعكاتٍ صحيةٍ متعددةٍ؛ وذلك نتيجةً لتعرضه للعديد من العوامل التي تؤثر على صحته ونشاطاته؛ وبالتالي الشعور بالاستياء لمثل هذه الوعكات الصحية، ولعل أكثرها إزعاجاً هو السعال، لما يصاحبه من ألمٍ في الحلق وغيره، حيث إنه من الممكن أن يكون السعال صدرياً، بمعنى أنه مصاحب للبلغم، فيسبب السعال للتخلص من هذا البلغم ، أو أن يكون هذا السعال جافاً، بمعنى أنه على شكل دغدغةٍ في الحلق تتسبب في السعال، وقد يستغرق التخلص من السعال مدة من الزمن، قد تصل إلى أسبوعين، ولكن يمكن علاجه بالطب
ما هو الفوليك اسيد

ما هو الفوليك اسيد

حمض الفوليك يلعب حمض الفوليك أو ما يُطلق عليه فيتامين ب9 دوراً أساسيّاً في إنتاج خلايا جديدة في الجسم، كما أنّ له دوراً في عمليات التمثيل الغذائي للهوموسيستين (بالإنجليزيّة: Homocysteine) وهو حمضٌ أمينيٌّ مُرتبطٌ بخطر الإصابة بالأمراض القلبيّة الوعائيّة والتحلّل العصبي (بالإنجليزيّة: Neurodegeneration)، ويُعدّ حمض الفوليك أحد فيتامينات المجموعة ب، ويُصنّف من الفيتامينات الذائبة في الماء ممّا يعني أنّنا نحتاجه يوميّاً في نظامنا الغذائي وذلك لأنّه لا يُمكن تخزينه في الجسم، كما أنّه يُوجد بكميات
دعاء التوبة من الذنب المتكرر

دعاء التوبة من الذنب المتكرر

دعاء التوبة من الذنب المتكرر ورد في السنة النبوية أدعية كثيرة للتوبة، وطلب المغفرة، وسؤال الله الهداية بعد الضلال، والثبات بعد التوبة، وباب التوبة مفتوح لا يغلق، ولو كرر العبد الذنب، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح. (إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ آخَرَ، فاغْفِرْهُ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ
ماذا يأكل البط

ماذا يأكل البط

البط البط هو نوعٌ من الطيور ينتمي - علمياً - إلى فصيلة البطية (باللاتينية: Anatidae)، وهو ينتمي لرتبة الإوزيّات ، ويمتازُ بكون حجمه صغيراً نسبياً وبأنّ له منقاراً قصيراً. يعيشُ البط حول الموائل الطبيعية المائية ؛ حيث يتغذّى على الأسماك وغيرها، وتسكن هذه الطيور جميع أنحاء العالم تقريباً، ما عدا قارة أنتاركتيكا ، والقطب المتجمّد الشمالي . يتميَّز البط عن العديد من الطيور بأن فراخه تفقسُ وهي قويّة ونامية؛ حيثُ تكون مكسوّة بريشٍ خفيف وقادرةً على المشي إلى الماء والبدء بالبحث عن الطعام - بمُعاونة
ما هو التعبير المجازي؟

ما هو التعبير المجازي؟

التعبير المجازي التعبير المجازي هو استعمال اللفظ في غير المعنى الحقيقي الذي تدل عليه، ومثال على ذلك ما يأتي: استيقظت الشمس. الشمس لا تنام، فهذا تعبير مجازي شبهت الشمس من خلاله بالشخص النائم. رَكِبَ على جناح الطير. ليس للريح أجنحة، فهذا تعبير مجازي للدالة على الذهاب بسرعة خارقة. على أحرَّ من الجمر. هذا تعبير مجازي يشير لمن لا يستطيع تحمل حرارة الجمر. أنواع التعابير المجازية للتعبير المجازي عدة أنواع وهي كالآتي: التشبيه التشبيه هو مشاركة أمر لأمر آخر في صفة أو أكثر، وتكون هذه الصفة في المشبه به