فضل سورة الانفطار ومقاصدها
فضل سورة الانفطار
سورة مكيّة تبلغ عدد آياتها تسع عشرة آية، نزلت بعد سور النازعات، احتوت آياتها الكريمة لى عدد من الفضائل الكريمة، ومن هذه الفضائل ما يأتي:
الاعتماد المطلق على الله تعالى
بيّنت الآيات الكريمة بأن أمر العباد في يوم القيامة بيد الله -تعالى-؛ فيبدأ حسابهم وجزاؤهم على ما قدموه في هذه الحياة الدنيا، فالأمر يومئذ لله -تعالى-، فلا يملك أحد نفعًا أو ضرًّا لأحد، فلا أحد ينازع الله تعالى في ملكه، ولا كافر يعلن كفره، على خلاف ما كان في الحياة الدنيا، ولا ينفع الإنسان حينها إلا الإيمان والعمل الصالح، قال -تعالى-: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، وفي قول عن قتادة فيما يخص هذه الآية الكريمة "ليس ثَمَّ أحد يومئذٍ يقضي شيئاً، ولا يصنعُ شيئاً، إلا ربّ العالمين".
استشعار عظمة الله تعالى في الخلق
انتقلت الآيات الكريمة للحديث عن مظهر من مظاهر قدرة الله، وهو خلق الإنسان، قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)، فابتدأت الآيات الكريمة بخطابها لمنكري البعث، وفي ذلك الخطاب شيء من التهديد لهم، إذ إنّه ما الّذي منعهم من طاعة الله -تعالى-، والإقدام على معصيته، وإنكار قدرته على إعادة الخلق من جديد، وهو المتفضل على الإنسان بأن خلقه في أحسن صورة وأفضل هيئة.
وفي خلق الإنسان عدد لا يحصى من المعجزات، ابتداءًا من اكتمال التكوين الجسدي، والبنية العضلية، والعظميّة، والجهاز العصبي والنفسي والتناسلي وأجهزة الجسم جميعها، ففيها من المعجزات الجمّة، ومثال ذلك العين في جسد الإنسان فيها مائة وثلاينن مليونًا من مستقبلات الضوء.
استشعار مراقبة الله تعالى
يخبر الله -تعالى- العباد بأن كل أعمالهم مسجلة، مع التنبيه على أنّ علة الكفر والعصيان هي إنكارهم لوجود البعث، وتنبيههم بوجود ملائكة تحفظ أعمالهم، وتسجّلها لهم، وفي هذا تخويف للكافر، وتحفيز للمؤمن باستشعار مراقبة الله -تعالى- في السر والعلن، قال -تعالى-: (كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ* وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ).
مقاصد سورة الانفطار
تحتوي كل سورة من سورة القرآن الكريم على مقاصد تخدم السورة الكريمة وأهدافها، وفيما يأت مقاصد سورة الانفطار:
معرفة أهوال يوم القيامة
تتحدث الآيات الكريمة في هذا الموضوع، عن انتظار أوامر الله تعالى لإحداث أي تغيير من تغيرات الكون، سواء في الحياة الدنيا، أو في أحداث يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ* وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ* وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ* وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ).
فابتدأ الحديث عن أمر الله تعالى للسماء يوم القيامة بالتشقق؛ لتنزل الملائكة، وفي قول بأنّ انفطار السماء حدث لهيبة الله تعالى، والأمر الثاني الّذي يحدث بأمر الله يكون تساقط الكواكب، وبعد ذلك يكون بأمر الله تعالى للبحار بأنّ تُفجّر، وذلك بأن تقلب البحار فتخرج ما في باطنها من أحياء، وخروج الأموات جميعهم من قبورهم فيشعرون بأّهم لم يلبثوا في الحياة الدنيا يومًا أو بعض يوم، وبعد هذا يأتي الموقف العظيم بالحساب أمام الله، وينبّأ بني آدم بأعمالهم في الحياة الدنيا، فتعرض أمامهم ولا يخفى منها شيء.
وفي علم الإنسان بما صنع وعمل في الحياة الدنيا أقوال، فمنهم من قال بأن الإنسان يعلم ما قد أدّاه من فرائض، وما أخر من سنّة، وفي قول بأنّ الإنسان يعلم حينها ما أدى من فرائض، وما فاته من الفرائض، وقد رجّح الإمام الطبري القول الأول.
معرفة نهاية الخلق
تحدثت الآيات الكريمة عن مصير بني آدم في الحياة الآخرة ، وذلك وفق أعمالهم المسجّلة من حفظة الملائكة، قال -تعالى-: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ *يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ* وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ)، فالأبرار؛ المثابون بنعيم الجنّة، كان من صفاتهم؛ عدم الاغترار بكرم الله سبحانه تعالى ونعمه على بني الإنسان، فيمضون حياتهم في شكر الله سبحانه -تعالى- على نعمه، فاستقاموا طيلة حياتهم على شريعة الله تعالى، أمّأ الفئة الأخرى من الناس فهم الّذين تجاوزوا الحد في عصيان الله سبحانه -تعالى- والخروج عن حدوده، فمصيرهم نار الجحيم، مقيمون فيها.
ما يستفاد من سورة الانفطار
فيما يأتي بعض من الأمور الإيجابية التي لها أثرها على حياة الفرد المسلم من سورة الانفطار:
- يدرك المسلم بأن جميع ما عمله وما تفوّه به سيكون حاضرًا أمام عينه يومه القيامة، وهو في الموقف العظيم أمام الله -تعالى-، فيحرص على أن لا يفعل إلا خيرًا ولا يقول إلّا ما يرضي الله -تعالى-.
- يدرك المسلم قدرة الله -تعالى- على الخلق، وعلى خلق الإنسان في أحسن تقويم.
- يدرك المسلم بأن الشكر لا يكون إلا بالفعل، فيسعى لأن يسخدم كل جز من جسده في طاعة الله تعالى، ولا يسخّرها فيما يغضب الله -تعالى-.
الملخّص: يستفاد مما سبق بأن مهما طغى الإنسان في حياته، وكفر بالله تعالى، ونازعه في ملكه، فإن مصره في النهاية، الوقوف أمام الله تعالى خاضعًا مستسلمًا، وأمره وأمر جميع الناس يكون بيد الله تعالى، فيثاب محسنهم بالنعيم، ويجازى مسيئهم بالخلود في النار، فيحرص المسلم على أن يحسن عيه في الحياة الدنيا، ليلاقي في صحيفته ما يجعله من فئة أصحاب الوجود الناعمة.