عقوبة تشويه السمعة في الإسلام
عقوبة تشويه السمعة في الإسلام
الأصل في الإسلام أن تقوم العلاقات بين أفراده على مبدأ الإخاء، والستر وعدم تتبع العورات، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ).
ولذلك حذر الإسلام من الإساءة لسمعة المسلم وتشويهها أمام الناس، واعتبرها من ذميم الأفعال المنهي عنها؛ والتي تعتبر من الكبائر لما فيها من تقطيع لأواصر المحبة، وتفكيك للمجتمع المسلم، ونشر للكره والبغضاء، ولذلك فقد حرّم الله الأفعال التي تؤدّي إلى تشويه سمعة المسلم، ورتّب عليها عقوبات، ومنها:
- الغيبة
نهى الله -عز وجل- عن الاستغابة ونفّر النفس منها بتصويرها بأقبح الصور، قال -تعالى-: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).
وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغيبة ، حيث قال: (أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ قيلَ أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ).
وليست الغيبة أن تقول شيئاً في حقيقته كذب؛ بل الغيبة أن تقول شيئاً صحيحاً يكره صاحبه أن يُذكر أمام الناس، فالمخالفة تكون بإشاعة هذا الأمر، والغيبة من آفات اللسان ؛ كأن تذكر الشخص بما يكرهه من أمور دنياه أو دينه الذي استتر به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز، وكل ذلك محرم ما لم يكن لموجبٍ شرعي؛ كالنصح أو الاستفتاء أو نحوه.
- النميمة
النميمة هي نقل الكلام بين الناس بغرض الإفساد؛ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- نقلاً عن الإمام الغزالي -رحمه الله- ما ملخصه: "النميمة في الأصل: نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا؛ حتى لو رأى شخصاً يخفي ماله فأفشى كان ينمه".
وهي سبب في عذاب القبر ، وهي محرمة بالإجماع؛ فقد جاء في كتاب الله الأمر بعدم إطاعة النمام؛ ووصَفه بأذمّ الصفات، فقال الله -تعالى-: (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ).
- سوء الظن
وهو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير، فيما يحتمل الأمرين معاً؛ وقد حرمه الله -تعالى- في قوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، فمن ارتكبه أثِم.
وقد قال ابن القيم: سوء الظن هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على اللسان والجوارح، وقال ابن كثير: سوء الظن هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله.
- التجسس
وهو البحث عن العورات والمعايب وكشف ما ستره الناس، وقد حرّمه الله، فمن ارتكبه أثِم، قال -تعالى-: (وَلَا تَجَسَّسُوا).
- قذف الأعراض
الأعراض من الأمور التي يقتضي النظام العام صيانتها، خصوصاً إذا لوحظ ما يترتب عليه من شر وفساد؛ لأن قذف المحصنات بالزنا يوجب لا محالة العداوة والبغضاء بين الأسر، ويولد الضغائن والأحقاد في نفوس الناس، وربما أفضى إلى الانتقام بقتل النفس، وذلك شر وبيل، وقد لعن الله مَن يقذف المحصنات، فعقوبته الطرد من رحمة الله.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَخونُه ولا يَكذِبُهُ ولا يَخذُلُه، كُلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حَرامٌ؛ عِرضُهُ ومالُهُ ودَمُهُ، التَّقوى هاهنا، بحسْبِ امرئٍ من الشرِّ أن يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ).
ما هي السمعة
فيما يأتي توضيح مفهوم السمعة:
- السمعة: بضم أوله وسكون ثانيه، الصيت، الذكر.
- السمعة في اللغة مشتقة من السماع والإسماع؛ وهي ما يسمع به من صيت.
أهمية السمعة في الإسلام
إن لسمعة الإنسان المسلم بين الناس مكانة وأهمية؛ فسمعة الإنسان المسلم بأعمال الخير التي يعملها تكون سبباً في نجاته بإذن الله، وييسر الله له من الناس ولو من العصاة والمشركين من يحميه أو يدافع عنه بسبب أعماله الخيرية.
ويجب أن يحرص المسلم على أن يكون له باع في عمل الخير ، لا من أجل أن يحمي نفسه، أو من أجل أن يكون له شافع من الناس، أو جار يجيره، ولكن ذلك من طبيعة هذا الدين، فيصبح هذا الشخص صاحب سمعة طيبة بين الناس، وعمل الخير ينفع صاحبه دائما، وفي أوقات الشدة يكون هذا العمل من الأشياء التي تعين الإنسان على إقامة دينه.
ومن نهج الأنبياء حرصهم على السمعة الطيبة والسيرة الحسنة؛ فكانوا يحرصون عليها ويدعون ربهم -عز وجل- بأن يُبقي لهم السمعة الحسنة بين الناس، يقول الله -تعالى- على لسان نبيه الكريم إبراهيم: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)، أي واجعل لي في الناس ذكراً جميلاً وثناء حسناً باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي.