تاريخ الدولة العباسية
الدَّولة العبّاسية
نشأت الدولة العبّاسية إثر دعاية كبيرة استمرَّت فترة ليست بالقصيرة (ثلث قرن تقريباً)، وقد ضمَّت كلَّ من عارض الأمويّين، وكان شعارها (الرِّضا من آل محمد -عليه السّلام-)، علماً بأنّ نشوء الدولة العبّاسية كان بعد سقوط الدَّولة الأمويّة ، وفي هذا المقال حديثٌ عن تاريخ الدَّولة العبّاسية بشكلٍ مُفصَّل.
تاريخ الدَّولة العبّاسية
ساد كلٌّ من العدل، والحُرِّية في البلاد الإسلاميّة في الفترة التي حَكم فيها ( عُمر بن عبد العزيز )؛ إذ إنَّه أمر بالعُدول عن اضطهاد بني هاشم، وفي الفترة التي تولَّى فيها (هشام) الحُكم أحسن إلى (علي بن عبد الله بن العبّاس)، وقرَّبه إليه، كما أنَّه كان يتغافل عن الأمور التي كان يفعلها؛ من أجل الوصول إلى الخلافة، بالإضافة إلى أنَّه لم يتوقَّع أن يُشكِّل بنو العبّاس خطراً على بني أُميّة، وقد ذَكَر بعضُ الباحثين، والمُؤرِّخين أنَّ (علي بن عبد الله بن العبّاس) هو أوَّل من بدأ بتأسيس دعوة العباسيّين؛ حتى تنتقل الخلافة إليهم، وقد أظهر رغبةً في أن تُصبح الخلافة عبّاسية ، وجهر بما يتمنّاه.
بدأت الدعوة العبّاسية بتنظيمٍ سرِّي ترأَّسَه (مُحمَّد بن علي العبّاسي) الذي استمرَّ في تنظيم الحركة؛ بناءً على أُسُس العقائد السُّنية، وقد استمرَّ في التنظيم السرِّي للدعوة حتى تُوفِّي في عام 125هـ، واستمرَّت الدعوة العبّاسية سرِّية حتى عام 129هـ؛ حيث ظهرت إلى العَلَن بأمرٍ من (أبي مُسلم الخراسانيّ)، وذلك عندما أمر أتباعه بالتسويد جهراً، والتسويد هو: نَشْر اللباس الأسود، والعَلم الأسود؛ تمييزاً للعباسيّين عن غيرهم من الأمويّين الذين كانوا يتَّخذون اللباس الأبيض شعاراً لهم، ومُنذ إعلان الدعوة العبّاسية بدأ القِتال بين العباسيّين، وبني أُميّة، وقد نشأت الدَّولة العبّاسية بعد انتهاء المعركة الشهيرة (معركة الزاب)، وكان أوَّل خليفة عبّاسي هو (أبو العبّاس عبد الله السفَّاح).
عُصور الدَّولة العبّاسية
انقسَم تاريخ الدَّولة العبّاسية إلى عصرَين رئيسيّين، وهما:
- العصر العبّاسي الأوَّل: حيث يمتدُّ هذا العصر مُنذ تأسيس الدَّولة العبّاسية في عام 132هـ/749م على يَد أبي العبّاس عبد الله السفَّاح ، حتى عام 247هـ/847م عند مَقتل الخليفة المُتوكِّل على الله، ومن الجدير بالذكر أنَّ الدَّولة العبّاسية كانت دولةً قويّة في هذا العصر، إلّا أنَّه على الرّغم من ذلك فقد مات مجموعة من خُلفائها قَتلاً، وقد تميَّز العصر العبّاسي الأوَّل بعِدَّة ميّزات، ومنها:
- سيطرة الفُرس على الجهاز الإداريّ، والعسكريّ بشكلٍ شبه كامل؛ ممَّا جعل العرب يبتعدون عن العبّاسيّين؛ لتفضيلهم الفُرس عليهم، وتقريبهم إليهم؛ إذ أصبح نظام الدَّولة العبّاسية في ذلك الوقت مُشابهاً لنظام حُكم الفُرس في فترة الساسان، وقد ظهر هذا المَيل تجاه الفرس؛ لكونهم هم من ساعدوا العبّاسيّين في تأسيس دولتهم، وكانوا إلى جانبهم ضِدَّ الأمويّين.
- ظهور الوزارة في الدَّولة العبّاسية، وكان أوَّل وزير فيها هو (أبو سلمة الخلّال)، وقد كانت الوزارة ضعيفة أمام الخلافة القويّة في العصر الأوَّل.
- استحداث جهاز يتولَّى أعمال الكتابة، وهو الكتّاب؛ نظراً لتعدُّد الدواوين، إضافة إلى مُساعدة الوزراء، ورجال الدَّولة، والولاة، وقد تولَّى الكتّاب رجال من الفُرس؛ وذلك لأنَّهم أقدر على الكتابة من العرب.
وفي هذا العصر برز العديد من الخُلفاء الذين كان لهم أثرٌ كبير في بناء الدَّولة العبّاسية، ويُبيِّن الجدول الآتي أهمّ خُلفاء هذه المرحلة، ومُدَّة حُكم كلٍّ منهم:
الخليفة | مُدَّة حُكمه |
---|---|
أبو العبّاس عبد الله السفَّاح | 5 سنوات |
أبو جعفر المنصور | 21 سنة |
محمد المهدي | 10 سنوات |
أبو محمد موسى الهادي | سنة واحدة |
هارون الرشيد | 23 سنة |
أبو عبد الله محمد الأمين | 4 سنوات |
عبد الله المأمون | 6 سنوات |
إبراهيم بن المهدي المبارك | سنتان |
المعتصم بالله | 24 سنة |
الواثق بالله | 4 سنوات |
المُتوكِّل على الله | 14 سنة |
- العصر العبّاسي الثاني: كانت بداية هذا العصر في الفترة التي أصبحت فيها الدَّولة العبّاسية في حالة من الفوضى، وقد تمكَّن القادة العسكريّون من السيطرة على مُؤسَّسة الحُكم من الداخل، كما برزت العديد من الدُّول في هذا العصر في مدينة بغداد ، كالسلاجقة ، والبويهيّين، بالإضافة إلى دُوَل أُخرى في المغرب العربيّ، وقد كان انتقال السُّلطة من خليفة إلى آخر بشكلٍ عام يتمّ إمَّا بالخلع، أو القتل، ومن الجدير بالذكر أنّ الحُكم في هذا العصر أصبح بالسيف دون الرأي، والتنفيذ بالسَّوط دون الحِكمة، وكان على الناس الخضوع سواء كان الحُكم باطلاً، أم حقّاً، ومن هنا ظهرت أسباب ضعف الدَّولة، والتي أدَّت في النهاية إلى انهيارها.
الفتوحات في العهد العبّاسي
واصل المسلمون في العهد العبّاسي فتوحاتهم حتى وصلوا إلى البوسفور، و استطاعوا فتح كشمير، وقندهار، وكذلك الملتان، ولم يكتفوا بذلك، فقد واصلوا زحفهم حتى وصلوا صقليّة ، وفتحوها، وفتحوا من بعدها إيطاليا، أمَّا في أفريقيا، فعلى الرّغم من أنَّ السودان ، والنوبة قد فُتِحتا من قِبل المسلمين، إلّا أنَّ النوبيّين لم يستمرُّوا في صُلحهم مع المسلمين؛ إذ خرقوا الصُّلح معهم، وهذا ما جعل الولاة يُجبرونهم على دَفْع الجِزية من خلال حملات عسكريّة سُيِّرت إليهم، واستطاع العبّاسيّون كذلك فَتْح غانا الوثنيّة، والتي تُعتبَر جزءاً من السودان الغربيّ، وقد واصل المسلمون في العهد العبّاسي فتوحاتهم، وانتقلوا إلى شمال آسيا، وكذلك شرقيّ أوروبا ، حتى استطاعوا إدخال تركستان في الإسلام.
العُلوم في العهد العبّاسي
لقد فرَّق المسلمون بين العُلوم بحسب مصادرها؛ فالعلوم التي أُخِذت عن القرآن الكريم تُسمَّى (العُلوم الشرعيّة، أو النقليّة)، كعِلم القراءات، والتفسير، والنحو، والبيان، والفِقه، والحديث، وقد انشغل الناس بهذه العُلوم في العصر العبّاسي الأوَّل، وكانوا يتحدَّثون بأخلاق القرآن ، وظهرت مَذاهِب في الفقه، والتي اشتُهِر منها: المذهب المالكيّ ، والشافعيّ، والحنبليّ، والحنفيّ، أمَّا العُلوم التي أُخِذت عن الأُمَم الأُخرى فقد أطلقوا عليها اسم (العُلوم الحُكميّة، والعقليّة)، ومن الجدير بالذكر أنَّ الترجمة قد انتشرت في عهد هارون الرشيد، بالإضافة إلى ازدهار العُلوم الأُخرى في العهد العبّاسي، كالجُغرافيا، والرياضيّات، والفلك ، وكذلك عِلم الطبِّ الذي اشتُهِر فيه الطبيب (ابن بختيشوع) في عهد هارون الرشيد.
ضعف الدَّولة العبّاسية
لم تَكُن سَيطرة الجُند التُّرك، والقادة على الخُلفاء العباسيّين هي السبب الوحيد في ضعف الدَّولة العبّاسية، وانهيارها الذي جاء باستباحة بغداد، وقتل أهلها؛ حيث كانت هنالك أسباب أُخرى ساهمت في هذا الضعف، والانهيار، ومن هذه الأسباب:
- انغماس المُجتمع العبّاسي في الترف؛ فقد أصبحت المادَّة طاغية فيه، وانزلاق الناس نحو اللهو، والفساد ، وازدهار الغِناء عِوضاً عن الجِهاد ، وأصبح حُبُّ الدنيا ظاهراً، وطاغياً في قلوب الناس.
- انتشار الشعوبيّة، وازدهارها؛ وهي حركة مُتعصِّبة تُفضِّل العجم على العرب.
- ظهور الحركات الانفصاليّة، ونُشوء دُوَل داخل الدَّولة الإسلاميّة ، وازدياد الدُّول المُستقلَّة عن الدَّولة الإسلاميّة.