طفولة طه حسين
ميلاده ونشأته
ولد طه حسين في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 1889م لأسرة مصرية فقيرة في قرية صغيرة اسمها عزبة الكيلو في وسط الصعيد في مصر قريبًا من مدينة مغاغة، وكانت أسرته تتكون من والديه وثلاثة عشر طفلا، يحتل هو الرقم السابع في ترتيبهم.
مرض طه حسين الطفل الصغير وهو ما زال في الثالثة من عمره بالرمد، وما كان من والده الشيخ حسين الذي يعمل موظفًا بسيطًا في شركة السكر إلا أن أخذه لحلاق القرية لعلاجه، فتسبب العلاج بفقده لنعمة البصر، تلك النعمة التي كان لفقدها أكبر الأثر في كثير من الحوادث في حياته حتى في أكله وشربه، وفي علاقته بأبي علاء المعري الذي كان يشبهه في هذه الناحية.
كما كان يلاحظ تصرفات والدته وإخوته معه، وكان يحس أن إخوته وأخواته يستطيعون فعل أشياء لا يستطيعها هو، وأن أمه تأذن له في أشياء تحظر عليه، وكان ذلك يسبب غضبه؛ لأنه يدرك عجزه وشفقتهم عليه، ولم يلبث ذلك كله أن تحول إلى حزن عميق في نفسه؛ مما أظهر بعد ذلك أثر عجزه على تصرفاته بشكل كامل وبعد فترة نصح الناس والده بأخذه إلى المقابر كي يقرأ القرآن على المتوفين؛ حتى يشفق عليه من يستمع إليه ويتصدق عليه بالمال.
أثر مرضه عليه
كان لوقع العمى ونظرة الناس إليه وقع الصاعقة وأصبح طفلا انطوائياً، لا يحب اللعب مع أحد ولا يتكلم مع أحد من الناس، وفي المقابل كان يرغب بالجلوس إلى شيوخ الكتّاب يستمع إلى الدروس.
لم يكتف طه بالتوجه إلى كتّاب القرية يستمع إلى الدروس المختلفة بل انضم إلى والده وأصحابه الذين كانوا يجتمعون في عصر كل يوم يستمعون القرآن الكريم وأخبار الأنبياء والصالحين، ويتحدثون عن الغزوات والفتوحات بالإضافة إلى قصة عنترة والظاهر بيبرس ، مما كان له أكبر الأثر في ثقافته التاريخية الموسوعية في التاريخ العربي الإسلامي .
يذكر هذا في كتابه الأيام بقوله: "ولم يبلغ التاسعة من عمره حتى كان قد وعى من الأغاني والتعديد والقصص وشعر الهلاليين والزناتيين والأوراد والأدعية وأناشيد الصوفية جملة صالحة، وحفظ إلى ذلك كله القرآن."
انتقاله إلى الأزهر
أتم طه حسين حفظ القرآن العظيم، ولم يكن قد بلغ التاسعة من عمره بعد، كما تمكن من علوم العلوم العربية بشكل جيد، فقرر والده الشيخ حسين إرساله إلى القاهرة؛ ليكمل تعليمه في الأزهر الشريف ، وكان له ذلك في عام 1902م.
فانتسب إلى الأزهر وكان يراه موضع العلم ومنبعه وفي هذا يقول في كتابه الأيام: "وسيسافر إلى القاهرة حيث الأزهر وحيث سيدنا الحسين وحيث السيدة زينب ، وغيرهما من الأولياء، وما كانت القاهرة عنده شيئًا آخر، إنما كانت مستقر الأزهر ومشاهد الأولياء والصالحين."
حضر طه حسين دروس الطلبة المبتدئين لمدة ثلاث سنوات، وكان له في هذه الفترة فرصة التتلمذ على يدي الشيخ محمد عبده، ولكن لسوء حظه أنه لم يستمع سوى درسين من دروسه بسبب استقالة الشيخ الإمام محمد عبده وتركه للأزهر الشريف، وتلقى بعد ذلك طه حسين دروسًا في النحو، والفقه في الفترة من (1905-1907م) للطلبة في المرحلة الوسطى ثم انتقل إلى المرحلة المتقدمة.