صفات المنافقين في سورة التوبة
صفات المنافقين في سورة التّوبة
ورد في سورة التوبة ذكر العديد من صفات المنافقين، ومن هذه الصفات:
- مناصرة أعداء الإسلام؛ قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا آباءَكُم وَإِخوانَكُم أَولِياءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإيمانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولـئِكَ هُمُ الظّالِمونَ).
- تفضيل الدنيا وما فيها من التّرف والزينة والأموال والأولاد على الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- والجهاد في سبيله، وما يحقّق مصلحة الأمّة الإسلامية ، قال -تعالى-: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ).
- الاعتداء على ممتلكات غيرهم وأكل أموال الناس بالباطل، والامتناع عن الإنفاق في سبيل الله -تعالى- وعن إخراج الزكاة المفروضة عليهم، قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّ كَثيرًا مِنَ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ لَيَأكُلونَ أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّـهِ وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ).
- ادّعاء الإيمان وإخفاء الكفر، قال -تعالى-: (وَيَحلِفونَ بِاللَّـهِ إِنَّهُم لَمِنكُم وَما هُم مِنكُم وَلـكِنَّهُم قَومٌ يَفرَقونَ)، والإكثار من الحلف والكذب، وكثرة الحجج والتبرير، وينبع ذلك من شدّة خوفهم وجبنهم، كما يتميّزون بشدّة إقبالهم على كل ما فيه مصلحة دنيوية لهم، قال -تعالى-: (لَو كانَ عَرَضًا قَريبًا وَسَفَرًا قاصِدًا لَاتَّبَعوكَ وَلـكِن بَعُدَت عَلَيهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحلِفونَ بِاللَّـهِ لَوِ استَطَعنا لَخَرَجنا مَعَكُم يُهلِكونَ أَنفُسَهُم وَاللَّـهُ يَعلَمُ إِنَّهُم لَكاذِبونَ).
- الاعتذار عن الجهاد، وعدم خوض غمار المعارك والغزوات مع المسلمين والتخلّف عنهم، فهؤلاء القوم لا يؤمنون بالله -تعالى- ورسوله، قال -تعالى-: (لا يَستَأذِنُكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن يُجاهِدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم وَاللَّـهُ عَليمٌ بِالمُتَّقينَ)، كما أنّ عدم الإيمان يُولّد لديهم كثرة التردّد والحيرة والشّك وانعدام الاستقرار، قال -تعالى-: (إِنَّما يَستَأذِنُكَ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَارتابَت قُلوبُهُم فَهُم في رَيبِهِم يَتَرَدَّدونَ).
- ادّعاء الذكاء والحكمة في التّصرف، والفرح لحزن المسلمين، والحزن لفرحهم، والتقدّم بالنصيحة بغرورٍ للمسلمين حين يروهم قد وقعوا في الابتلاءات والمصائب، فيرون حينها أنفسهم أهل الرأي السّديد والحكمة والنصيحة، ويشتدّ غيظهم عند انتصار المسلمين، قال -تعالى-: (إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصيبَةٌ يَقولوا قَد أَخَذنا أَمرَنا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحونَ).
- العمل على تثبيط همم المؤمنين وعزائمهم، والتربّص بهم، قال -تعالى-: (قُل هَل تَرَبَّصونَ بِنا إِلّا إِحدَى الحُسنَيَينِ وَنَحنُ نَتَرَبَّصُ بِكُم أَن يُصيبَكُمُ اللَّـهُ بِعَذابٍ مِن عِندِهِ أَو بِأَيدينا فَتَرَبَّصوا إِنّا مَعَكُم مُتَرَبِّصونَ).
- الامتناع عن الصلاة إلى أن يُلاحَظ أمرهم من قِبل المسلمين، فيقومون إليها متكاسلين، قال -تعالى-: (وَما مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقاتُهُم إِلّا أَنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَبِرَسولِهِ وَلا يَأتونَ الصَّلاةَ إِلّا وَهُم كُسالى وَلا يُنفِقونَ إِلّا وَهُم كارِهونَ).
- الطمع في تحصيل الصّدقات، ممّا دفعهم إلى اتّهام رسول الله في عدالته وتقواه، وما ذلك إلّا تحقيقاً لمصالحهم ورغباتهم، فقد جاء أحدهم إلى رسول الله وهو يُقسّم الغنائم، فقال: (يا رَسولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقالَ: ويْلَكَ، ومَن يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ، قدْ خِبْتَ وخَسِرْتَ إنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ)، بالإضافة إلى الاستهزاء بالمسلمين والطّعن فيهم، قال -تعالى-: (الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم فَيَسخَرونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّـهُ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ).
- التكبّر والعلوّ الذي دفعهم إلى أذيّة المؤمنين، قال -تعالى-: (وَمِنهُمُ الَّذينَ يُؤذونَ النَّبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ قُل أُذُنُ خَيرٍ لَكُم يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنينَ وَرَحمَةٌ لِلَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَالَّذينَ يُؤذونَ رَسولَ اللَّـهِ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ)، والتجرّؤ الذي أوصلهم إلى الاستهزاء بالقرآن الكريم والاستهزاء برسول الله والمؤمنين.
- السّعي إلى نشر الفتن والإفساد بين النّاس من خلال الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف، وهو ما ذكره الله -تعالى- في قوله: (المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعروفِ وَيَقبِضونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنافِقينَ هُمُ الفاسِقونَ)، والتأسّي بمن كان قبلهم من الكفّار في حُبّهم للدنيا، ومعاندتهم لأنبيائهم.
- ظلم النّفس بسبب ما هم فيه من النّفاق، قال -تعالى-: (أَلَم يَأتِهِم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِهِم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَقَومِ إِبراهيمَ وَأَصحابِ مَديَنَ وَالمُؤتَفِكاتِ أَتَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّـهُ لِيَظلِمَهُم وَلـكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ)، وإنكارهم للجميل، واتّصافهم بالحقد والحسد، والغدر والخيانة، ونقض العهود والمواثيق.
- التحايل وخَلْق الأعذار من أجل عدم القيام بما عليهم من الواجبات الدينية، قال -تعالى-: (يَعتَذِرونَ إِلَيكُم إِذا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِروا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِن أَخبارِكُم وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)، وإخفاء أفعالهم القبيحة كي يصلوا إلى مُبتغاهم.
المنافقون في القرآن
هاجر رسول الله من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وبدأ بإرساء قواعد الدولة الإسلامية، والعمل على إنشاء مجتمعٍ متحضّرٍ يتخلّق بالأخلاق الإسلامية، فلمّا رأى المشركون هذا الاتّساع لدولة الإسلام ، ما كان لهم إلّا أن يخفوا كفرهم ويتظاهروا أمام المجتمع بالإسلام، والأمر الذي ساعدهم على ذلك هو وجودهم مع المسلمين في كلّ مكان، والاطّلاع على جميع الأمور، وكان الصحابة يسألون رسول الله ليوضّح لهم مَن هؤلاء، فكان يحذّرهم ويبيّن لهم صفاتهم، فبدأت الآيات تتنزّل لتكشف صفات هذا الصنف في المجتمع، وأول سورة كشفت أمرهم سورة البقرة، قال -تعالى-: (يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، ثمّ في الآية التي تليها ذكر الله سبب ما هم فيه من النّفاق، وهو مرض قلوبهم وما فيها من الكفر والشّك والتردّد، قال -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وتتابعت الآيات بعدها في ذكر صفاتهم، وإخفائهم للكفر وإظهاره فيما بينهم، لكنّ الله -تعالى- لا يخفى عليه أمرهم، فهو العالم بكفرهم ونفاقهم.
واستمرّ هؤلاء المنافقون بالعيش في المدينة بين المسلمين، أمّا الصحابة فهم في حالة خوف وقلق من عدم قبول أعمالهم، وأن يصيبهم النفاق، ولم يكتفِ القرآن بالحديث عنهم في سورة البقرة فقط؛ وإنّما كانت الآيات تتنزّل بهم باستمرار، حتّى أنزل الله -تعالى- سورة باسمهم، وجاء الحديث عنهم في سورة آل عمران، والتوبة، والأحزاب، ومحمد، والفتح.
أهداف سورة التّوبة
أُنزلت سورة التوبة بعد الهجرة إلى المدينة، في السنة التاسعة من الهجرة، فهي سورةٌ مدنيّةٌ، وهي السورة التاسعة من حيث ترتيب المصحف، وقد أنزلها الله -عزّ وجلّ- حين خرج رسول الله لغزو الروم في غزوة تبوك ، وفي ذات الوقت كان المسلمون قد خرجوا إلى الحج تحت إمارة أبي بكر الصديق، فجاءت السورة لتضع قواعد الدولة الإسلامية من خلال إلغاء المعاهدات فيما بين المسلمين وغيرهم من المشركين، وتنظيم العلاقات، وشروط بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام.
كما جاءت السورة لتتحدث عمّا كانت عليه نفوس أتباع رسول الله حين أخبرهم عن خروجهم للغزو، فمنهم المقدِمين على أمر رسول الله، ومنهم المتراخين والممتنعين، وما قاموا بفعله من الحجج حتّى يأذن لهم رسول الله بالبقاء في المدينة. وقد أنزل الله -عزّ وجلّ- سورة التوبة لتفضح المنافقين ، وتكشف خططهم، وتظهر دواخلهم، فقد زاد عدد المنافقين منذ أن بدأت الدعوة الإسلامية بالانتشار، وظهور الحق وزيغ الباطل، ووالنّفاق خلقٌ سيّء؛ لما فيه من الخداع وإظهار عكس الحقيقة، فجاءت السورة لتُظهر صفات هؤلاء المنافقين التي تميّزهم عن المؤمنين .